تزامن زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر مع صدور قرار مجلس الأمن حول الأزمة في شمال ومالي، وتوصل أهم فصيلين هما: أنصار الدين و الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، توصلهما لاتفاق بالجزائر العاصمة يوم الجمعة يوثق تعاونها من أجل ضبط الأمن، وتعاونهما من أجل إنجاح الحل السياسي، هما حدثان يؤكدان إلى حد بعيد انتصار الموقف المبدئي الذي ناضلت من أجله الجزائر، واجتهدت له بعيدا عن الأضواء الكاشفة سواء على المستوى الدبلوماسي أو على المستوى الأمني الصرف انتهى في نهاية المطاف إلى سحب معظم الأوراق الرابحة التي راهن عليها الفريق المحرض على التدخل العسكري وعلى رأسه فرنسا. انتصار مجلس الأمن للموقف الجزائري الصحافة الوطنية ومعها جانب من الصحافة الفرنسية لم تمنح الحيز الكافي لملف أزمة شمال مالي في زيارة الدولة التي قام بها هولا ند، والتي ظل يراهن عليها للتوصل إلى إحداث تغيير في الموقف الجزائري القوي سياسيا وأخلاقيا, وإذا كان من السهل فهم الإحباط عند الإعلام الفرنسي حيال تراجع الموقف الفرنسي على الأرض أو داخا مجلس الأمن، فإن الصحافة الوطنية التي لم تلتفت منذ البداية إلى الأهمية الإستراتجية للنزاع في شمال مالي وتهديده لأمننا القومي، تجاهلت الحدثين البارزين، سواء قرار مجلس الأمن الذي رسم إطارا لتسوية الأزمة هو أقرب إلى الموقف الذي دافعت عنه الجزائر، كما أهملت من قبل مرافقة الجهود الجبارة المتعددة الأوجه التي بذلتها مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والدبلوماسية هلى أكثر من صعيد من أجل إحباط الجهود الفرنسية التي تصدرت القوى الداعمة للتدخل العسكري الفج. قرار مجلس الأمن الأخير الذي حاول الحفاظ على ماء الوجه للطرف الفرنسي جاء بصياغة لا تترك مجالا للشك حيال انحياز مجلس الأمني للحل السياسي والموقف الجزائري حتى مع إشارته لتلازم المسارين السياسي والعسكري. وفي هذا السياق كان من المهم أن نتوقف عند الموقف الأمريكي وهو لاعب له مصالح ومقاربة لم تكن من البداية متطابقة مع الموقف الفرنسي، لأن الولاياتالمتحدة التي صادقت داخل مجلس الأمن على القرار الأخير لم تتردد في تقديم تفسير لموقفها ولفهما للقرار ولحدود المساهمة الأمريكية ومرافقتها سواء لبعثة الأممالمتحدة في مالي أو المشاركة مستقبلا في أي عمل عسكري.
تأييد أمريكي للمقاربة الشاملة فالولاياتالمتحدة التي أشادت يوم الجمعة بلائحة مجلس الأمن الخاصة بمالي والمصادق عليها يوم الخميس،أثنت على "مقاربته الشاملة" من أجل تسوية الأزمة. وقد أوضح مساعد الناطق الرسمي باسم كتابة الدولة الأمريكية السيد باتريك فنتريل في بيان له أن "اللائحة التي شاركت الولاياتالمتحدةالأمريكية في إعدادها تدعم مقاربة شاملة لمعالجة أزمة متعددة الأبعاد في مجال الحكامة، و الأمن و الجانب الإنساني التي تمثل أولوية ملحة بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية". بما يعني أن الولاياتالمتحدة لم تعد ترى مثل فرنسا أن أزمة شمال مالي هي أزمة أمنية تعالج بالوسائل الأمنية وبتدخل عسكري أجنبي، بل هي أزمة مركبة لها صلة بتدهور الحكامة في دولة مالي،وبجوانب إنسانية تحتاج إلى مقاربة شاملة تماما كما كانت تدهوا الجزائر حتى قبل انفجار الأزمة الأخيرة. و أضاف المسئول الأمريكي "لقد عملنا بتعاون وطيد مع شركائنا بمجلس الأمن و الاتحاد الإفريقي و المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا و الاتحاد الأوروبي لضمان احتواء هذا القرار على إطار لمعالجة أهم التحديات الأربعة التي تواجه مالي". و يتعلق الأمر حسب الخارجية الأمريكية ب"إعادة إرساء الديمقراطية، والتوصل إلى حل متفاوض عليه للمطالب السياسية لجماعات شمال مالي التي ترفض الإرهاب، و تقبل بالسلامة الترابية لمالي، و إعادة إرساء السلامة الترابية لمالي من خلال الحد من التهديد الذي تفرضه الجماعات الإرهابية من بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و الحركة من أجل الوحدة و الجهاد في غرب إفريقيا و الجماعات المتطرفة و الشبكات الإجرامية الدولية، و في الأخير تسوية الأزمة الإنسانية الراهنة" ولنا أن نلاحظ كيف استثنت الخارجية الفصيلتين البارزين:أنصار الدين وحركة أرواد. الخارجية الأمريكية أكدت مجددا:ُ أن اللائحة 2085 لمجلس الأمن ركزت على "إستراتيجية سياسية و عسكرية متزامنة لتسوية الأزمات العديدة في مالي" أوضحت أن "هدفنا يكمن في الحرص على نجاح مهمة البعثة الدولية لدعم مالي و على ضمان نجاعة كل عملية هجومية في شمال مالي" اللافت للانتباه أن الخارجية الأمريكية، وهي تطرق للمسار الأمني والعسكري حرصت كل الحرص على تيئيس الأطراف المحرضة على التدخل العسكري من مشاركة الولاياتالمتحدة في أي عمل عسكري مركزة على الدعم المالي الموجه "لتكوين و تجهيز قوات الدفاع و الأمن المالية بالإضافة" وقد اشترطت لهذه المساهمة الطوعية لفائدة البعثة الدولية لدعم مالي أن تكون "مطابقة للقوانين و التنظيمات الأمريكية" و بأن الإدارة الأمريكية ستحرص على نيل موافقة الكونغرس بهذا الشأن، بما يعني أن الولاياتالمتحدة لن تقدم على أي قرار للمشاركة في جهد عسكري خارج تفويض صريح من الكونغرس.
"دوش إيكوسي" لعسكرية الفرنسي هولا ند هذا الموقف الأمريكي الصريح الشارح لقرار مجلس الأمن يكون قد وقع وقوع الماء البارد على قصر الإيليزي الذي ظل يراهن على تغيير محتمل في موقف الحليف الأمريكي، وتليين الموقف الجزائري الرافض لأي تدخل عسكري، بما يصد الباب أمام أية مغامرة قد يقدم عليها الإيليزي بالضغط على بعض حلفاء فرنسا في منظمة إكواس التي بدأت بدورها تكتشف استحالة المضي في مسار الحل العسكري، وبدأت تلتفت إلى المقاربة الجزائرية التي منحتها فرصة الدخول في مسار التسوية السياسية بعد الجهد الأمني والسياسي الذي بذلته الجزائر من أجل جلب أهم فصيلين إلى الحوار مع الدولة المركزية وتميزهما بصورة واضحة عن الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. الطريق الآن بات معبدا لقيام مسار سياسي يحظى هذه المرة بتأييد مجلس الأمن، وبالقوة الناعمة التي يمنحها الدور النشط للجزائر لنجاح المسار السياسي الوقت قد يكون مبكرا لتثمين الجهد الدءوب والذكي الذي بذلته مؤسسات الدولة السياسية والدبلوماسية والأمنية للتوصل في آخر المطاف إلى تفكيك وإحباط مسار التدخل العسكري الذي كان يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي الجزائري، خاصة وأن أزمة شمال مالي التي لعب فيها الطرف الفرنسي دور المفجر والمحرض كان قد راهن عليها الرئيس الفرنسي ومؤسسة الحكم في فرنسا لاستعادة الفضاء الحيوي الإفريقي لفرنسا المتآكل بصورة واضحة مع دخول الأمريكيين بقوة في منطقة تمتد من دارفور شرقا إلى أنغولا غربا كمصدر طاقوي بديل للولايات المتحدة عن نفط الخليج .