"أحمد بلعالم" مخرج مسرحية النهاية التي نالت الجائزة الأولى في مهرجان سيدي بلعباس المحترف للمسرح 2014، رفقة فرقة جيلالي بن عبد الحليم من مستغانم لينالوا تأشيرة المشاركة في المهرجان الوطني، حاورته المسار العربي التي أوضح لها امتعاضه من الواقع الذي يعيشه المسرح والثقافة بصفة عامة، رغم إمكانياته في مجال "أب الفنون" إلا أنه أوضح الظروف التي يعمل فيها والتي لم تمنعه من إعطاء انتاج راقي ومسرح أقل ما يقال عنه أنه عالمي، وتمكن من تكوين مجموعة من الشباب، وفق أسس أكاديمية محترفة أعطت أكلها على ركح المسرح، كما أنه فتح النار في الحوار وأعطى رأيه حول على من يقدمون قطعا مسرحية مليئة بالجنس والجرأة التي أحيانا صدمت الجمهور. ***المسار العربي: في البداية حدثنا عن مشاركتك في مهرجان سيدي بلعباس للمسرح المحترف 2014؟
أحمد بلعالم: قدمت عرضان في جامعة باربينيو بفرنسا ليس هناك نص بل فقط الجسد تحكي تاريخ الجزائر بنفس
مشاركتنا كانت بفرقة صغيرة السن معظمهم لا يزال يزاول الدراسة واخترنا نصا صعبا من النصوص العالمية لصامويل بيكت أثمر مسرحية النهاية التي نالت الجائزة الأولى، أعضاء المجموعة كونتهم منذ صغرهم على كافة انواع المسرح الكلاسيكي، الترجيدي... وبعضهم أشرفت عليه منذ كان عمره 15 سنة و 08 سنوات. الفرقة حقا صغير السن الا انها قدمت عملا زادهم كبرا لدى الجمهور أدوارهم في مسرحية النهاية تطلب تقمص لنفسية الشخصيات ومواكبة تطورها السيكولوجي، أرى ان الفرقة وفقت إلى حد بعيد. هنا أريد أن أنوه إلى أن المسرح يرتكز بالدرجة الأولى على الممثل ومجموعة ممثلي فرقتنا كان لهم دور كبير في نجاح العمل والظفر بتأشيرة المشاركة في مهرجان المسرح المحترف.
***المسار العربي: نلمس من كتاباتك المسرحية أنك تميل للاقتباس من النصوص العالمية... هل لديكم كتاباتك الخاصة التي تعكس الواقع الجزائري؟
أحمد بلعالم: لا يجب أن نخطأ،... النصوص الأجنبية التي أتناولها عالمية أبدية تعالج قيم ومواضيع إنسانية يمكن أن نسقطها على كل الأجناس والأقطار. علي فمثلا اقتبس كثيرا من نصوص بيكيت لأنها نصوص عالمية إنسانية وليست إيديولوجية تموت بموت فكرة ما. لكن رغم هدا فلما اقتبس من كاتب غربي أحاول تكييف العمل مع الواقع الجزائري وقيمه، ليظهر أحيانا على انه نص جزائري. من جهة أخرى لدي نصوصي الخاصة حول واقعنا المعاش، كما أنتجت مسرحيات موجهة للجمهور الصغير سن، اهتم كثيرا بالفئة العمرية الأقل من 17 سنة، لحساسيتها وحاجتها للتوجيه ، أكتب كثيرا حول مواضيع الانحراف و الآفات الاجتماعية.
***المسار العربي: هنا هل تكون كتاباتك بسيطة او رمزية؟
أحمد بلعالم: أكيد تكون مبسطة لإيصال الرسالة، ومليئة بالإثارة لجلب انتباه هاته الشريحة، هنا لا أعطيه الدروس بصيغة الأمر وأقول له افعل هدا وهدا بل اتركه يستخلص العبر من القصة.
***المسار العربي: هل اتصل بك للاستفادة من خبرتك وتكوين الشباب في المسرح؟
لا لم يتصل بي احد، وأريد أن أشير إلى النقص في تكوين المسرحيين سواء ممثلين وما شابه، الأمر الذي أسفر عن ندرة في الممثلين الحقيقيين على مستوى الوطن، فمثلا مخرج فيلم الامير عبد القادر قام بكاستينغ على كامل التراب الوطني ليعود الدور الرئيسي في نهاية المطاف إلى فنان فلسطيني، هناك حقا مدارس تكوينية في السينما والمسرح لكن أرى أن المنهج خطأ، الكل يهمه في الاخير الحصول على نقطة الامتحان و الشهادات، لكن القاعدة غائبة.
***المسار العربي: نلمس أنك ضد السياسة التي يدار بها القطاع المسرحي و الثقافة بصفة عامة، هل يمكن أن توضح لنا الأسباب؟
نعم أنا ضد توزيع الأموال على مشاريع ثقافية فاشلة لماذا مثلا يتم تمويل عمل مخرج مسرحي ما ويفشل ويعاد تمويله مجددا ليفشل مرة أخرى والأدلة كثيرة. وأريد توضيح نقطة هناك فرق بين النشاط الثقافي والثقافة، الثقافة تتطلب سياسة ممنهجة وورشات للتطبيق، التعليم والإبداع في كل أنواع الفنون، هذه ما يجب أن تركز عليه السياسة الثقافية لإنتاج فناني الغد وعلى أسس و قاعدة قوية. لماذا انجزت دور التقافة بالملايير وهي الان موصدة أبوابها و فارغة لانها فشلت في استقطاب الشباب، في حين أنه بإمكاننا استخراج عباقرة ومبدعين، والجزائر تحتوي منهم الكثير نصادفهم كل يوم. في السنوات الأخيرة أصبحنا نهتم بالنشاط الثقافي وليس بالثقافة الحقيقية ، أصبحنا نكثر من المهرجانات فقط، هذا مجرد إصدار لأصوات عابرة فقط دون مغزى، لابد من العودة إلى التكوين الشباب، هم من سيسبحون غدا كتابا مخرجين، نقاد وباحثين... أين الخلل؟ أتعجب في سنوات السبعينات لم نكن نملك الإمكانيات و كانت السينما جادة وفي أوج عطائها واليوم ورغم توفر كل الوسائل إلا أن الوضع كارثي وهدا لغياب الإبداع والخيال.
أعطيك مثال أخر، أقاموا برنامجا ضخما وهو "قراءة في احتفال" لكن أين هو الآن، النية سليمة و حقا انطلقوا فيه لكن سرعان ما اختفى، أين المتابعة أين هم المسؤولون في دور الثقافة عن مواصلة المسروع، تم اقتناء شاحنات كمكتبات متنقلة بالملايير لكنها الآن مركونة في المواقف..
***المسار العربي: بصراحة ما تقييمك لمدراء الثقافة في الولايات؟
مدراء الثقافة هم الآن فقط أصحاب مناصب إدارية، لابد من إشراك أصحاب الاختصاص من فنانين مبدعين ومثقفين لبعث القطاع من جديد لماذا تغلق دور الثقافة في وجه الفنانين، كثيرا ما يرفض طلبنا للتدرب فيها، لماذا شيدت هذه الديار لتغلق، أين الحراك الثقافي في ولاية مستغانم التي اقطن فيها مثلا، السلطات سخرت الملايير لكن لا شيء في الميدان رغم كون المدينة قطبا ثقافيا يعج بالمبدعين والفنانين. عن نفسي لم اطلب شيئا لا مراتب ولا مناصب فقط مكان للعمل أكون خلاله الشباب وأجسد أفكاري، لكن رغم هذا أقابل بالرفض هناك الكثير ممن يريد العمل معي لكن أين، في الشارع؟ المسرحية التي شاركنا بها ونالت المرتبة الأولى تدربنا عليها في محطة الحافلات بعد أن أغلقت كل الأبواب في أوجهنا، الأمر يبدو غير منطقي لكن للأسف هاته هي الحقيقة. بصفتي رجل مسرح لدي الحق في استغلال مساحات دور الثقافة للعمل لا أن يغلقها في وجهنا إداريون لا علاقة لهم بالثقافة. لابد من كشف هاته التجاوزات والتقصير في التسيير الثقافة على مستوى المناطق الداخلية .
***المسار العربي: ما رأيك في مستوى النصوص المسرحية حاليا؟
غلب على النصوص الاتجاه المشرقي على الطريقة السورية اللبنانية... هناك متاهة سقط فيها البعض وهي السعي لبلوغ مهرجانات المشرق كدبي الشارقة.... من السخافة والخطأ بناء المسرح على أساس لجان تحكيم من الخارج لابد من تقديم مسرح للمجتمع الذي نعيش فيه وجمهوره.
***المسار العربي: هل تجد انها متنوعة بما يكفي ....؟
النصوص متنوعة لكن التنوع المسرحي ناقص ليس هناك خيارات كثيرة للجمهور الكل يتبنى الأنواع الرائجة بحثا عن المشاركة في مهرجانات خارجية لكن الاحرى ان يكون فيه أعمال في العبثي، الكلاسيكي...
***المسار العربي: هناك من يدعي ان اللهجة الجزائرية تعيق المسرح الجزائري لصعوبة فهمها في الأقطار العربية
أقول لهم وأنا مسؤول عن كلامي، لهجتنا الجزائرية أكثر قربا من اللغة الفصيحة مقارنة اللهجات العربية الأخرى، هذا مجرد كلام فقط وإدعاءات باطلة، "علولة" كان يؤدي باللهجة الجزائرية في قرطاج أين أبهر والناس شاهدت بشكل عادي وفهمت لهجتنا التي تتخللها الكثير من الكلمات الفصيحة، هم فقط خلقوا هذا المشكل الوهمي الذي في الحقيقة ليس بعائق.
***المسار العربي: ألا ترى ان الاعلام الثقيل مقصر في هذا الجانب والأصح بث مسرحياتنا على القنوات الفضائية وإيصالها للجمهور في الخارج ويتعود عليها؟
أكيد، المشكل أنه حتى الإعلام يعيش مشاكل التسيير الثقافي نفسها، عجيب أنه ليس هناك على الأقل قناة واحد تهتم بالثقافة تبث على مدار الأسبوع محتوى حول تراثنا، فنونا من مسرح، رسم وتصوير.... هناك حتى أجانب ينتجون أعمال حول فننا وتراثنا، على الأقل نبث ما أنتجه الغير عنا إن عجزنا عن الإنتاج. المشارقة والغرب سوقوا لفنهم ومسرحهم وفرضوا نفسهم، هي حرب ثقافية نحن لم ندركها بعد في حين غيرنا واعون بالتحديات. المادة موجودة، لماذا لا يهتم الإعلام الثقيل بآلاف المصورين، الرسامين ، نحاثون وسينمائيون مسرحيون، من يتبنى هؤلاء.
***المسار العربي: هل شاركت في مهرجانات دولية
مشاركاتي قليلة، شاركت في المهرجان الدولي للمسرح العربي في وجدة وادينا باللهجة الجزائرية والكل فهمنا سواء مغاربة او خليجيين سوريين و من لبنان. الكل شارك بلغة بلده الذي ينتمي إليه لماذا بعض الجزائريون يكلفون أنفسهم عناء الإنتاج بلغات أخرى. كما شاركت في مهرجانات في تونس، الرباط... لم يكن يوما هدفي العمل لبلوغ المهرجانات أو المال بل أداء ما أنا مقتنع به. جائزتي الحقيقية هي رضا الجمهور عن عملنا وحين يلمس تفانينا على الركح.
***المسار العربي: بعد نهاية مسرحية العالم بمهرجان بلعباس لمسنا وكان الممثلين تحرروا من ضغط كبير، هل هذا يعود إلى تعقد الأدوار؟
حقا كان عليهم ضغط لكن هذا عادي ويرجع إلى جو المنافسة وما يدور من كلام وإشاعات في الكواليس. تكلمت مع الممثلين وقلت لهم مثلوا فقط وانسوا الضغوطات، احترموا الركح و المسرح، احترموا الجمهور هذا هو الأهم أما المنافسة والأقاويل فهي شيء ثانوي. ضف إلى ذلك هم شباب له طموح يحبون النجاح والتتويج نظير جهدهم، هذا حقهم ولكن دائما أحاول أن أغرس فيهم روح المسرح والتنافس النزيه وان الجائزة الحقيقية هو رضا الجمهور. أعمالنا تتناول العلاقات الإنسانية والأجدر أن نتحلى بها أولا.
***المسار العربي: هل يمكن ان تحدثنا عن مشاريعك؟
كل جهدي ووقتي أركزه على تطوير أداء الممثلين وفق قواعد علمية وأكادمية... لكن حاليا نحضر لمسرحيتان للأطفال "الحياة"، و"التنين الحكواتي"، هاته الأخيرة بأسلوب جديد حيث زاوجت بين الرسوم المتحركة وشخصيات حقيقية على خشبة المسرح عبر المزج بين الشاشة على الركح . واحضر للاقتباس الكاتب الكبير " موريس ماترلينك " الذي نال جائزة نوبل وله أعمال عالمية كثيرة.
***المسار العربي: هلى ترى انه فيه رقابة على المسرح وهل يجوز أداء أي شيء على الركح مهما كان صادم؟
نعم فيه رقابة على المسرح والنصوص. كما انه فيه رقابة ذاتية، التي هي ضرورية أحيانا. الكتاب والمخرجون لا بد له ان يحترموا ويتقيدوا ببعض الضوابط، مثلا عند الاقتباس من النصوص العالمية كثيرا ما تمس بالمعتقدات والقيم، هذا خط احمر، فمهما كان مستوانا لسنا في مستوى تناول هاته النقاط بسهولة واستهزاء، ركح المسرح عليه ان يبتعد عن ما يمس الأمور العقائدية، الغرب دينهم ومجتمعهم يسمح لهم بهذا الاستهزاء لكن نحن لا، ما يضر المجتمع لا أقدمه. الفنان الذي لا يحمل قضية ليس بفنان، كاكي، كاتب ياسين وعلولة كانوا أصحاب قضية، لهذا مارسوا المسرح بجد وحب. المسرح يجب أن يتقيد بقيم المجتمع، هناك مسرحيات تصنف ضمن مسرح الحانات. المسرح سهل ممتنع كل شيء و يجب احترام الجمهور أولا وأخرا يدعون أنهم يطبقون مقولة المسرح مرآة المجتمع ويعالجون الطابوهات انا لست ضد فكرة تناول الطابوهات لكن ضد الطريقة، فالمسرحي الحقيقي ملم بتقنيات المجال ويمكنه بسهولة إيصال الفكرة مهما كانت خادشة بطريقة محترمة تحترم المشاعر. الكل بإمكانه أن يمارس السوقية لكن الاحترام هو الأهم، ضرب القيم عرض الحائط لا يمت للشجاعة والفن بصلة. أقول لهؤلاء لقد فتحتم بابا لن تستطيعوا غلقه لاحقا لو انطلقنا في مثل هذا النوع من المسرح فسيتدهور المستوى ويتدنى الذوق كحال المسرح في بعض البلدان العربية أين أصبح رقصا، إثارة ولغطا فقط، والكل يهتم بالجانب التجاري وانعدم الإبداع واختفى المسرح الجاد، أين المرجع المسرحي ، الدول العريقة كلها تملك مسرحا مرجعيا ينم عن ثقافة تلك الدولة ومبدعيها ومدارسها الفنية الراقية. أخشى أنهم فتحوا بابا للأسوأ. في الاخير اريد القول ان