في اسرائيل اليوم، حوالي مليون يهودي مغربي، ذلك أن عدد المغاربة اليهود في اسرائيل حسب التقديرات الأكثر تواضعا يكون قد تجاوز المليون، لأن عددهم سنة 2000 كان قد بلغ 900 ألف يهودي مغربي، منحهم الحسن الثاني حق الإحتفاظ بالجنسية المغربية. الغريب أنهم، وهم الذين عاشوا أعزة قرونا طوال بين المسلمين، كشفوا عن حقد أسود تجاه العرب و اختاروا الإنتماء إلى أحزاب اليمين واليمين المتطرف الأشد عداء للفلسطينيين ك “شاس” و”الليكود” … والإسرائيليون المغاربة على اتصال دائم بالمغرب حيث يزورون مسقط الرأس وتقام لهم الإحتفالات و يتولى النظام المغربي تأمين تواجدهم رغم أنهم لا يخفون تصهينهم. لا غرابة في الأمر، إذ أن المغرب و منذ استقلاله حرص على تواجد اليهود في أجهزة الدولة الحديثة، خطبا لود الغرب وإسرائيل على الخصوص. فكان منهم الوزراء والمستشارين للملك؛ هكذا، تم توزير اليهودي “بن زاكين” في الحكومة الأولى والثانية بعد استقلال المغرب، مرورا ب “سيرج بيرديغو” و”جو أوحنا”.. وغيرهم. ولم يخل القصر الملكي في أي عهد من مستشار أو أكثر من طائفة اليهود. واليوم يحظى مستشار الملك آندري آزولاي اليهودي الصهيوني بمكانة لا تضاهى في القصر. قد يحتج أحدهم ويقول أن نفوذ اليهود المغاربة في الدولة الحديثة أمر طبيعي يرسخ مبدأ المواطنة وتساوي الفرص بغض النظر عن العرق والدين والجنس..حقا، كانت ستحسب خطوة إيجابية للدولة الحديثة، مغرب ما بعد “الإستقلال” لو أن الأمر كذلك، لكن الوقائع تدل على أن الأمر لا يمت بصلة لحقوق الطائفة اليهودية باعتبارافرادها مواطنون مغاربة، بل أن وهنا المفارقة حظوظهم تكبر كلما تأكد “تصهينهم” و كلما حازوا على ثقة دوائر القرار في اسرائيل، بمعنى أن حظوظهم تزيد كلما تأكد ولاءهم للمشروع الصهيوني، وبالتالي كلما تأكد أنهم “مواطنون صالحون”، مؤمنون بإسرائيل لا مواطنون مغاربة. قد يبدو هذا الكلام تحاملا على النظام المغربي. لكن قراءة شهادات يهود سايروا صعود اللوبي الصهيوني في المغرب منذ النشأة سيزيل أي لبس وسيؤكد تلك الحقيقة على غرابتها. التطبيع في المغرب ليس وليد اليوم، الكاتب اليهودي،جاكوب كوهين يفضح في كتابه “ربيع السايانيم” العلاقة الوطيدة بين إسرائيل والمغرب الملكي من خلال خدمات أندري آزولاي الذي يعد أحد أعضاء شبكة “السايانيم الصهيونية” النشطاء حسب المفكر اليهودي ذي الأصول المغربية. في نفس الإتجاه تسير الكاتبة اليهودية أنياس بنسيمون في كتابها “الحسن الثاني واليهود” وهو الكتاب الذي يرصد العلاقة الوطيدة بين إسرائيل والمغرب، التي ابتدأت بالتواطؤ في تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل. كما أن محمد حسنين هيكل أكد تلك العلاقة المشينة بين المغرب واسرائيل، وذلك في كتابه “كلام في السياسة”، وقد أكد أن الحسن الثاني سمح للموساد بزرع أجهزة تنصت في قاعات الإجتماعت المعدة للقاءات العربية، بل وأصر على حقيقة دور الحسن الثاني في نقل مداولات القمة العربية في الدار البيضاء باعتباره عميلا للموساد، وذلك على فضائية الجزيرة في حلقات “شاهد على العصر”، وهو ما أثار زوبعة في المغرب انتهت بإغلاق مكتب الجزيرة في المغرب. معظم الدول العربية كانت تستضيف جالية من اليهود؛ تونس، الجزائر، اليمن، العراق، سوريا، مصر وغيرها، لكن المغرب ظل الدولة العربية الوحيدة التي أبقت على جسور التواصل مع جاليتها الإسرائيلية، و فتحت لهم الأبواب الواسعة ليتبوأوا مناصب رفيعة في الدولة. والمغرب الذي ساهم بحماس “مدفوع الأجر” حسب قول الكاتبة اليهودية أنياس بنسيمون، في تهجير اليهود في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حرص على التواصل معهم و تحفيزهم لغايات تخدم القصر، لا المغرب. علاقة المغرب المريبة بجاليته أتت أكلها، حيث أصبحت إسرائيل أكبر حليف للمغرب و وظفت في الدفاع عنه كل طاقات الموساد و خبراته الأمنية و كذلك خيرات إسرائيل العسكرية، إضافة إلى اللوبي اليهودي في أمريكا “آيباك”، الذي يلعب دورا محوريا في الضغط على دوائر القرار الأمريكي لدعم المغرب في حربه الظالمة على الصحراء الغربية. ولم يعد خافيا دور إسرائيل في حرب المغرب على الصحراء الغربية، فقد أرسلت خبراءها العسكريين إلى المغرب وهم الذين وضعوا خطط بناء “جدار الذل والعار المغربي” بطول 2700 كلم، الجدار الذي يقسم الصحراء الغربية أرضا وشعبا نصفين، وهو بذلك أطول جدار في العالم بعد سور الصين العظيم، وذلك في ثمانينيات القرن الماضي. إسرائيل قامت بعد ذلك بتنفيذ نفس فكرة الجدار الجهنمية تلك في فلسطين، حيث أقامت جدار الفصل العنصري في قلب فلسطين. إسرائيل لم تكتف بدور استشاري للمملكة المغربية في بناء جدار الذل والعار، بل زودت المغرب بترسانة من الأسلحة الإسرائيلية، وقد تمكن جيش التحرير الشعبي الصحراوي من الإستلاء على نماذج منها تؤكد تورط الكيان الصهيوني في الحرب ضد الصحراويين. أكبر زعماء اليمين المتطرف في اسرائيل مغاربة وظلوا مغاربة حتى وهم في إسرائيل، بعد أن منحهم الملك الراحل الحسن الثاني، كما أسلفنا، حق التمسك بجنسيتهم المغربية و منهم ديفيد ليفي، وزير الخارجية الصيوني، من الليكود، إيلي بشاي، زعيم حزب شاس المتطرف، عمير بيريتس وزير الدفاع الأسبق، شلومو بن عامي، وزير خارجية و سفير اسرائيل في اسبانيا ، الحاخام الأكبر نتانيا شلومو عمار، وأخيرا، وليس آخرا، الجنرال سامي(سليمان) الترجمان، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، الذي يشرف على حملة الحقد الهوجاء على غزة، المسماة “الجرف الصامد”. يبقى أن نشير إلى أن التطبيع بين إسرائيل والمغرب و الإعتراف بالخدمات المتبادلة قد تكلل بتقليد ملك المغرب محمد السادس ” رئيس لجنة القدس” زعيم اللوبي الصهيوني “آيباك” النافذ ونائب رئيسها، مالكوم هونلاين، “الوسام العلوي بدرجة ضابط كبير”، وتوشيح الحاخام الإسرائيلي المغربي راف شلومو عمار “الحمالة الكبرى” و ذلك سنة 2013.