في زمن كان الحب والسيف وجهان لعملة واحدة، كلاهما يكتب التاريخ ويفصل مصائر الحروب ومسار الحضارة، ترحل بنا مسرحية "الحب المفقود" لمخرجها الممثل القدير 'أحمد بن عيسى' إلى المواجهة التي قادها سفاكس ضد الامبراطورية الرومانية التي وكلت "ماسنسن" (التسمية التاريخية الصحيحة للقائد ماسينيسا) عنها لاحتلال سيرتا. نص 'غريبي عبد الكريم' يتناول حب صوفونيسبا وماسنسن، في طابع ملحمي تراجيدي، تتخلله عدة رموز ورسائل انسانية وحضارية، أسقطها أصحاب العمل على الواقع الراهن، الغارق في الصراعات، والنعرات الناتجة عن صراع الحضارات القائمة الى يومنا هذا، والعمل يتطرق الى حقبة تاريخية فاصلة تقاتل فيها ماسنسن وسفاكس، ابناء الدم والارض الواحدة، والذان تقاسم حب صوفينيسبا، المرأة الجميلة التي اختارت في النهاية الانتحار بسم أرض أجدادها على ان تسقط غنيمة حرب في يد جيش روما، هاته الاخيرة التي اختارت في مرحلة ما ان تهب نفسها وتتزوج سفاكس على حساب حبها ماسنسن، تضحية من اجل وطنها سيرتا وقرطاج. كاتب نص 'غريبي عبد الكريم' أكد أنه قدم هذا العمل من منطلق أنه التزام اتجاه حقبة من تاريخ الأمازيغ وشمال أفريقيا، وبالضبط سيرتا، وبعد بحث عميق في المراجع التي تطرقت لهذه المرحلة خلص الى اشكاليات اخرى دفعته الى التساؤل هل حقا "ماسنسن" وبعد موت صوفينيسبا قدما ولاءه لروما، الاأمر الذي يتنافى مع مواقف وشخصية هذا القائد والحاكم الذي عرفت سيرتا خلال فترة توليه مقاليد حكمها، عرفت مرحلة اصلاحات على كافة الاصعدة واستقرار منقطع النظير ربما لم تعرفه المنطقة أبدا. مسرحية "الحب المفقود" التي عرضت الخميس بمسرح مدينة الجسور المعلقة في اطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، هي وليدة ورشة للمسرح الوطني بمدينة مغنية، جمعة مجموعة من الأسماء الشابة سواء ممثلين او تقنيين، خرجوا بعمل يمكن ان يعتبر اضافة للمسرح الجزائري لدعامتها البحثية والعلمية التي غاصت في تاريخ المنطقة وحاولت اسقاطه على الحاضر عبر رسائل انسانية حضارية، تطرح في الان ذاته عدة اشكالات جوهرية. المسرحية وفقت الى حد بعيد في اختيار الأزياء التي عكست تلك المرحلة، معتمدة على نص قوي بالدارجة، الى ان الكم الهائل من الحقائق التاريخية، أعطت الانطباع في مرحلة ما انها تحولت الى عبئ على الممثلين، الذين ورغم قدراتهم التمثيلية، الى ان الإلقاء طغى في احيان عدة على الجانب التمثيلي، وحصر حركة الممثلين، الكثير من المتتبعين سجلوا انه النص القوي لا زال بحاجة الى عمل اكثر على مستوى التمثيل والعرض، وتقديم أفاق ومساحات أوسع للشخصيات على الركح، أما الكوريغرافيا فكانت متكاملة خدمت المسرحية إيجابيا، المخرج علل هذا الاختيار على انه يتماشى مع الطابع الملحمي والتراجيدي للمسرحية، في المجمل "الحب المفقود" عمل متوازن يستحق المتابعة، يغني رصيد المشاهد بكم من الحقائق التاريخية ذات البعد الإنساني وحتى الفلسفي عبر قالب جمالي وفني . مسرحية الحب المفقود من انتاج المسرح الوطني، أشرف على السينوغرافيا "رحموني عبد الحليم"، موسيقى "زامي محمد" وكوريغرافيا "بواري ندير"، تمثيل "نسيمة زايشي" في دور صوفينيسبا، "كريم حمزاوي" في دور ماسنسن، "وهيبة باعلي" في دور أزلان...