فكرة أن يطلق المستعمر الصهيوني حملة مطاردة ضد أبقار، ويسخر أرمادته العسكرية للبحث عن 18 رأس منها، قد تبدو للوهلة الأولى مجرد نكتة لا يصدقها عاقل... لكن حول هذه الفكرة الكاريكاتورية تمحورت أحداث الفيلم الوثائقي " المطلوبون ال18" للمخرج الفلسطيني عامر شوملي والمخرج الكندي بول كاون، اللذان يحسب لهما، شجاعتهما في إدراج تقنية الرسوم المتحركة والستوب موشون في هذا الإنتاج بطريقة ذكية وموفقة الى حد كبير، زادت من قيمة الانتاج الفنية والتقنية، خدمة للمضمون، وأضفت لمسة جديدة ناذرا من نشاهدها في الأفلام التوثيقية. الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي عرض أمس الأول بمسرح المدينة الجهوي عز الدين مجوبي، دام 75 دقيقة بني على شهادات شخصيات من قرية فلسطينية تدعى بيت ساحور، ارتأت يوما ما اقتناء 18 بقرة للتخلص من تبعيتها للاستعمار الصهيوني، وخلق اكتفاء ذاتي، أبقار أشركها المخرج في العمل لتواكب كل أحداث خلال الانتفاضة الأولى (1987 – 1993م) ، جسدها عبر عدد من الرسومات الكاريكاتورية والمتحركة غالبا بتقنية الستوب موشن، لتشكل حيزا من الخيال عبر الحوارات التي كانت تجريها تلك الأبقار بينها، هذه الأخيرة تقمصت دور البطولة بعدما أحس العدو الإسرائيلي بخطورة هذه الحيوانات الضعيفة التي جاءت القرية، وكانت انطلاقة لمشروع تحدي وحملة حقيقية لخلق اكتفاء غذائي ذاتي لهؤلاء الفلسطينيين. ردت فعل الاحتلال كانت اكثر كاريكاتورية وقمعية في الان ذاته عندما اطلق حملة بحث عن هذا القطيع الذي اصبح خارجا عن القانون، ويهدد أمن واستقرار اسرائيل، وأصبح كل من له علاقة بها مجرما، يتعرض للحجز والتوقيف. وتحولت الابقار في مرحلة ما الى رمز للمقاومة والتشبت بالحياة، وجعل صدى الموقف البطولي لقرية بيت ساحور يصل مختلف المناطق الفلسطينية ويزيد من رعب الكيان الصهيوني، الأمر الذي جسد عبر اللقطات الارشيفية التي اعتمد عليها اصحاب الفيلم في التوثيق لعدة احداث تاريخية، أهمها النطلاق الانتفاضة، ،وتصريح اسحاق رابين بضرورة عقاب قرية بيت ساحور لعصيانها، الأمر الذي كان فعلا ووصل صداه الى الاممالمتحدة اين ذكر ما تتعرض له القرية. قوة فيلم "المطلوبون ال 18" كانت في عمقه الانساني وتناوله الاضطهاد المحزن الذي يتعرض الشعب الفلسطيني، بطريقة كاريكاتورية هزلية وجادة في ذات الوقت، ما جعل الرسالة أقوى خفيفة التلقي لدى مختلف شرائح المشاهد. معظم لقطات الفيلم يمكن اختزالها في شهادات اناس من قرية بيت ساحور ومن عايشوا الحادثة، اضافة الى اعادة تمثيل بعض الاحداث الحقيقية، ليعطى المجال للخيال الذي جسد في الرسومات.