أجمع المتدخلون أمس في أشغال اليوم الثاني من الملتقى الدولي حول البرلمانات الوطنية و البرلمانات القارية و الجهوية على ضرورة استعادة البرلمانات الوطنية لوظيفتها التشريعية كخطوة أساسية نحو تكتلات جهوية وقارية تشريعية فعالة. و في هذا السياق أكدت الأستاذة في العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتورة شبيلة العايب في محاضرة بعنوان "من الدور الاستشاري إلى الدور التشريعي إشكالية ما عبر القومية" أنه "لا يمكن إرساء تكتل جهوي في غياب نجاعة للمؤسسات الداخلية". و أوضحت المحاضرة أنه "إذا كان هناك خلل وظيفي داخل الدولة الوطنية لا يمكن أحداث تغيير على المستوى الجهوي و بذلك لا يمكن تحويل البرلمانات الجهوية إلى برلمانات تشريعية إذا لم يتم إحداث ذلك التغيير داخل البرلمانات الوطنية التي لا تزال استشارية فقط". و أضافت الدكتورة العايب أن السلطات التنفيذية في الدول العربية و الإفريقية "لا تزال تحتكر وظيفة التشريع و لا تحترم قواعد الفصل بين السلطات و لم تعط وسائل الرقابة للبرلمانات" مشيرة في هذا السياق أن الخلل لا يكمن في دساتير الدول العربية لأنها "جيدة" و تعترف بالفصل بين السلطات إلا أن "هناك فجوة بينها و بين الممارسة الفعلية في الواقع". و أكدت المحاضرة انه من الممكن تحويل البرلمانات القارية و الجهوية إلى برلمانات تشرع إذا ما تحقق الإجماع بين الدول المنتمية إليها حول القرارات المتخذة من اجل لحاقها بركب التقدم و مجابهتها للتكتلات الإقليمية و القارية الأقوى في العالم. واستبعدت في السياق ذاته فكرة قضاء التكتلات الإقليمية على الدول الوطنية لان هذه الأخيرة ممثلة بسيادتها و خصوصياتها في هذه التكتلات داعية إلى "الترحيب بها في الوقت الراهن لمجابهة التحديات على جميع المستويات ". أو من جهته أكد الأستاذ مصطفى بركة من جامعة تلمسان في محاضرة بعنوان "إشكالية البرلمان العربي و كيف يتحول من الدور الشكلي إلى دور الفاعل" أن المشكل الأساسي "يكمن في عدم وعي الشعوب العربية سياسيا و عدم معرفتهم بحقوقهم وواجباتهم كمواطنين و هذا الذي أدى حسبه- إلى بقاء البرلمانات الوطنية في الوطن العربي و في إفريقيا شكلية و غير ممثلة للشعوب". و اعتبر المحاضر أنه يتعين على البرلماني التقرب من الشعب ليبلغ آماله وتطلعاته مشددا على أن "المشاكل التي تعوق البرلمانات الوطنية في العالم العربي هي غياب الثقافة الديمقراطية لدى السلطة و الطبقة السياسية و لدى الشعب" و كذا "تفشي روح الزعامة و القداسة و استعمال الثوابت كالدين و اللغة في السياسة". كما أرجع عدم لعب البرلمانات لأدوارها في هذه الدول ل"ضعفها" و لتغييب المجتمع المدني وكذا إلى تداخل السلطات بين المشرع و المنفذ و القاضي مقترحا جملة من الحلول منها الحرص على تفعيل دور المدرسة ببرنامج علمي مدني و حداثي يهدف إلى خلق ثقافة المواطن لدى الفرد العربي من خلال تكريس قيم الديمقراطية و تفعيل دور اللغات لضمان التفتح على الآخر. كما دعا إلى ضرورة منح المواطن حق اقتراح الحلول من خلال الاستفتاء العام و من خلال وضع بريد الكتروني مفتوح للمواطن ليتمكن النائب من معرفة مشاكله بشكل فوري. وقد عرفت أشغال اليوم الثاني من الملتقى تدخلات برلمانيين جزائريين ممثلين لبرلمانات جهوية و قارية منهم عضو البرلمان العربي عبد القادر سماري الذي أكد في مداخلته أن الدبلوماسية البرلمانية "أصبحت تضاهي الدبلوماسية التقليدية و ساعدت في دعم العلاقات البينية و متعددة الأطراف". و عبر عن أسفه عن كون الكثير من الأهداف التي سطرت للبرلمانات الإقليمية بقيت حبرا على ورق و تتطلب تفعيلا كبيرا محددا في هذا الصدد أربعة مجالات لهذه البرلمانات ليكون لها دور أكثر فعالية و هي المجال التشريعي و الرقابي و التكوين و التدريب و تعميق مفهوم الديمقراطية و حقوق الإنسان. و شدد في ذات السياق على دور البرلمانيين في مساندة القضايا العادلة و في مقدمتها القضية الفلسطينية و قضية الصحراء الغربية. و دعا من جهة اخرى إلى تطبيق القرارات والتوصيات التي يصدرها البرلمان العربي لاسيما تلك المتعلقة بالتحديات التي يواجهها الوطن العربي بصفة عامة. و من ناحيتها قدمت فريدة ايليمي عضو بالبرلمان الإفريقي لمحة عن إنشاء هذه الهيئة و كيفية عملها مشيرة إلى سعي هذه الأخيرة للتحول من هيئة استشارية إلى هيئة تشريعية. و ضمن النقاش الذي ساد فعاليات الملتقى أبرز المتدخلون ضرورة تفعيل دور البرلمانات بصفة عامة و جعلها هيئات تتمتع بكامل الصلاحيات في مختلف المجالات منها تكريس الديمقراطية و ترقية حقوق الإنسان مشيدين بتجربة البرلمان الأوروبي.