أتاح قطاع التكوين والتعليم المهنيين الفرصة للكثير من الشباب الذين لم تسمح لهم الظروف بإكمال الدراسة في نظام التعليم العام، لإبراز مواهبهم وقدراتهم المهنية التي تؤهلهم لدخول عالم الشغل من الباب الواسع، حيث اهتمت الوزارة الوصية بتطوير هذا القطاع نظرا لأهميته ومساهمته في تطبيق برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي باشرته الجزائر منذ سنوات. وقد أوضحت في هذا السياق مديرة التكوين والتعليم المهنيين لولاية الجزائر مدني فايدة في حوار أجرته مع "المستقبل" أن قلة اليد العاملة المؤهلة لتطبيق البرامج التنموية راجع إلى غياب التنسيق بين القطاعات، غير أن ذلك لم يمنع قطاع التكوين من بذل مجهودات كبيرة لتدارك هذه النقائص. من جهة أخرى كشفت المتحدثة عن مشاريع جديدة تدعم بها القطاع متمثلة في إنجاز 7 مراكز مهنية بالمناطق التي تفتقر لهذه الهياكل بالإضافة إلى معاهد أخرى. أجرت الحوار: ليلى عيد * عرف قطاع التكوين المهني تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة بعدما كان يعاني قبل الشروع في الإصلاحات من صعوبات كبيرة ناجمة عن الاختلالات في النظام التربوي، حيث كان التكوين المهني وعاءا يستقبل المتسربين من نظام التعليم العام، ماهي التدابير التي تم اتخاذها للنهوض بالقطاع؟ - حقيقة أن قطاع التكوين المهني شهد تطورا وتحسنا ملحوظين خلال السنوات الأخيرة، حيث تغيرت الفكرة السلبية التي كانت تعطى للتكوين المهني على أنه وعاء يستقبل المتسربين من نظام التعليم العام، وأصبح هذا التكوين في الوقت الحالي بمثابة فرصة متاحة لكلّ الشباب للتعبير عن مهاراتهم المهنية وتنمية مواهبهم وقدراتهم لمواجهة عالم الشغل، وهناك نشاطات كثيرة تقام على مستوى هذا القطاع لا تخص التكوين فقط إنما الشباب أيضا، بحيث أن المؤسسات التكوينية فتحت أبوابها للراغبين في الالتحاق بها ووفرت لهم فضاءات رياضية وترفيهية بالإضافة إلى لقاءات تجعل الشباب يحبون هذه المراكز المهنية. * تزايد البطالة نتيجة عدم تطابق مخرجات التكوين المهني مع احتياجات سوق العمل، هل هو راجع لتدني صورة التكوين المهني لدى أرباب العمل؟ - البطالة لا تمس فقط خريجي قطاع التكوين المهني بل حتى المتخرجون من الجامعات، ولكن أؤكد بدون مجاملة أن خريجي التكوين المهني أكثر فعالية لأنهم مارسوا الجانب التطبيقي لمختلف المهن المتاحة ما يجعلهم أكثر قابلية للعمل مقارنة بالقطاعات الأخرى، كما بذلنا مجهودات للعمل بالتنسيق مع القطاعات الموجودة على كل المستويات من خلال دخول المدونة الجديدة حيز التنفيذ في سنة 2007، بالتعاون مع كل العملاء الاقتصاديين والشركاء الذين يمكن العمل معهم في ميدان الشغل، هذه المدونة تخص 20 شعبة مهنية نسعى من خلالها إلى تكوين المتربصين ليندمجوا مباشرة في ميدان العمل وتفادي تكوين بطالين إلى أقصى حد ممكن، على غرار ما هو حاصل في قطاع التعليم العالي، والبحث العلمي. * كم هي نسبة إدماج خريجي التكوين المهني في عالم الشغل؟ - صراحة لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال لأن هناك مركز دراسات مختصا في هذا الميدان ولحد الآن لم نتحصل على النسبة الدقيقة. - يندمج التكوين المهني في النظام الشامل "التربية، التكوين والشغل"، وبالتالي يتأثر بالسياسات التربوية وبطريقة تنظيم الاقتصاد، حيث أن إشكالية العلاقة بين التكوين المهني وسوق العمل تُطرح بحدة بسبب قلة اليد العاملة المؤهلة اللازمة لبرنامج الإنعاش الاقتصادي الذي وضعته البلاد، ما تعليقكم؟ - سطرت الجزائر برامج تنموية كبيرة سبقت الإعداد لها، وقطاعنا لم يشهد هذه التنمية ، والسبب هو مشكل التنسيق، حيث أنه كان من المفروض مطالبة القطاعات المعنية بتحضير وتوفير الأيدي العاملة المؤهلة قبل إعداد البرامج التنموية ليتمكنوا من إنجاز مختلف المشاريع الجديدة، غير أن الذي حدث هو العكس، بالرغم من ذلك لم نبق مكتوفي الأيدي بل عملنا على الاستجابة في أقرب الآجال لهذه الطلبات خاصة في مجال البناء، حيث أقمنا اتفاقياتٍ مع مؤسسة كوسيدار وقطاع البناء ولدينا متربصون يعملون كمهنيين على مستوى عدة مشاريع تُنجَز حاليا، لكن هذا لا يعني أن مشاركتنا كافية ويجب الإشارة إلى أن عدد الشباب الراغب في العمل في قطاع البناء يبقى رمزيا بالرغم من أن الأجر اليومي للبنّاء يصل إلى 800 دج، ونحن من جهتنا نقوم بمجهودات لجلب أكبر عدد منهم للتكوين في المهن التي لا تلقى إقبالا كبيرا رغم الطلب المتزايد عليها في ميدان الشغل. * هل من إجراءات وتدابير لتوفير قدرات تكوين أكبر للتكفل بالأعداد المتزايدة من المقصون من الدراسة؟ - من بين الإجراءات إنجاز مؤسسات جديدة على مستوى ولاية الجزائر، حيث استفادت مديرية التكوين والتعليم المهنيين من أغلفة مالية لإنجاز 7 مراكز مهنية بالمناطق التي تفتقر لهذه الهياكل، من بينها بلدية أولاد الشبل، براقي، الشراربة، الكاليتوس والدراسات لا تزال متواصلة للإنطلاق في الإنجاز، وكذا بلدية هراوة التي طالما عانت من العزلة ستستفيد أيضا من مراكز تكوين مهنية جديدة، ونحن نحاول قدر الإمكان التقرب من البلديات التي لديها أكبر نسبة من الشباب سيما في الأحياء الشعبية، وتتراوح تكلفة إنجاز كلّ مركز بين 120 و160 مليون دينار، أما فيما يتعلق بمعاهد التكوين المهني التي تتوفر على طاقة استيعاب أكبر ومرافق أخرى غير تلك الموجودة على مستوى مراكز التكوين المهني فلا تزال ثلاثة منها في طور الإنجاز على مستوى بلدية الجزائر الوسطى ومعهد آخر مختص في الفندقة والسياحة يُنتظر استلامه في شهر أكتوبر المقبل، بالإضافة إلى معهد مختص في التغذية والفلاحة بتسالة المرجة سيتم استلامه قريبا، كما لا يزال المعهد المتخصص في تقنيات الإعلام والاتصال في طور الإنجاز بالرحمانية المدينةالجديدة وقد رصد لإنجاز كل معهد غلاف مالي يتراوح بين 250 و300 مليون دينار. * كم يبلغ عدد مراكز التكوين المهني على مستوى ولاية الجزائر؟ - هناك 49 ألف مركز على مستوى الولاية في كل أنماط التكوين وكذلك فيما يخص المرأة الماكثة في البيت، كما هناك مركزان للتعليم المهني لأنه مسار جديد للتكوين، حيث أن التكوين المهني لم يبق فقط، وعاءا يستوعب المتسربين، وهناك قطاعات أخرى تطالبنا بإضافة تخصصات جديدة تستجيب لمتطلباتهم، من جهة أخرى فإن المسارين المتاحين حاليا للشباب هما التكوين المهني للذين لا يحملون شهادات، أما التعليم المهني فهو خاص بالشاب الذي تحصل على شهادة تعليم الرابعة متوسط وانتقل إلى السنة الأولى ثانوي وتعذر عليه إكمال الدراسة ليتم توجيهه إلى التعليم المهني. * وبالنسبة للأشخاص الذين ليس لهم مستوى تعليمي، هل لديهم الحق في الاستفادة من التكوين؟ - تتضمن المدونة الجديدة 301 تخصص جديد من بين 20 شعبة مهنية وفيها 20 تخصصا خاصا بالشباب من دون مستوى تعليمي، وقد طلبت من الوزارة الوصية خلال إرسال المدونة الأخيرة بالتعبير عن أفكارنا واقتراحاتنا، حيث طالبنا بإضافة بعض التخصصات التي لا تتطلب مستوى تعليميا عاليا وتخفيض المستويات بالنسبة لتخصصات أخرى لإتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب للإلتحاق بها دون عناء. * هل تتكفل المعاهد المهنية بتكوين كل المتربصين؟ - مراكز التكوين المهني تتكفل بالمتربصين من دون مستوى تعليمي إلى غاية مستوى تقني، أما المعاهد فتخص الذين لديهم مستوى السنة الثالثة ثانوي، غير أن الالتحاق بهذه المعاهد يتم حسب الفروع التعليمية لكل طالب. * كم عدد المتربصين الذين يستقبلهم القطاع سويا؟ - تستقبل مختلف المراكز والمعاهد 50 ألف متربص سنويا على مستوى ولاية الجزائر. * فيما تتمثل أنماط التكوين؟ - هناك فرق بين مستويات التكوين وأنماط التكوين، الأولى تكون من مستوى 1 إلى 5، أما الأنماط فهي متعددة منها نمط التكوين الإقامي، بواسطة التمهين عن طريق الدروس المسائية ونمط التكوين المتواصل. * هل هناك قطاعات عمومية أخرى توفر مناصب تكوين؟ - بالتأكيد، هناك قطاعات كثيرة لديها مراكز تكوين من بينها شركة سوناطراك، والمؤسسة التابعة لقطاع النقل، وكذا المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة التي تملك مراكز خاصة بها. * كم بلغ عدد المتربصين في نهاية الموسم التكويني الماضي؟ - وصل عددهم في كل الأنماط المختلفة ما يقارب 55 ألف، أما بالنسبة للمتحصلين على الشهادات فيقدرون بحوالي 9 آلاف متخرج سنويا، علما أن هناك دفعتين في السنة واحدة في شهر فيفري وأخرى في سبتمبر. * بالنسبة لمسابقة الأولمبياد للمهن، هل تنظم سنويا وما الهدف منها؟ - تم إجراء أول مسابقة للأولمبياد الوطنية للمهن في سنة 2005 ونحن ننتظر القرار النهائي من طرف وزارة التعليم والتكوين المهنيين لتنظيمها كل سنتين بدل كل سنة، نظرا للتحضيرات الطويلة والجهد المظني الذي تتطلبه هذه المسابقة، أما فيما يتعلق بأهدافها فتتمثل في خلق تقارب بين المتربصين على مستوى القطر الوطني، ومنحهم الفرصة للتعبير عن إمكانياتهم ومواهبهم ومحاولة بذل جهودهم لرفع قدراتهم المهنية، وهذا تحفيزا للشباب خارج القطاع المهني لاطّلاعهم على المجهودات والنجاح الذي حققه المتربصون من خلال نيل الجوائز. ويتم التحضير لهذه المسابقة على المستوى الولائي أولا حيث تختار اللجنة المتربصين المترشحين، ثم على المستوى الجهوي، ليتأهل الفائزون إلى المسابقة الوطنية. وقد شارك في المسابقة الأخيرة 712 متنافسا في 47 تخصصا وقد حاولنا قدر الإمكان توفير الإمكانيات اللازمة للتكفل بالمتسابقين حتى فيما يتعلق بالجانب الترفيهي حيث استفادوا من خرجات وحفلات مسائية، كما كانت هذه المسابقة فرصة بالنسبة للمتنافسين القادمين من المناطق الجنوبية والشرقية والغربية لزيارة العاصمة. * هل من جديد في الدخول المقبل؟ - من الجديد أننا سنعمل بجهد لاستيعاب أكبر عدد من المتربصين حسب طاقة استيعاب مؤسساتنا، كما عقدنا اتفاقية مشتركة مع وزارة الشباب والرياضة قصد فتح تخصصات وتكوينات خاصة بهذا القطاع كصيانة المساحات الخضراء للملاعب وتكوين منشطين لفائدة وزارة الشباب التي تعاني من بعض النقص في هذا المجال. وسنتولى تطبيق البرامج المشتركة بين القطاعين في الدخول المقبل المقرر في سبتمبر الجاري. * هل من تخصصات جديدة هذه السنة؟ - سنركز على مجال البناء من خلال تنظيم أبواب مفتوحة ابتداء من الأسبوع الثالث من الشهر الجاري لتوضيح الفكرة لكل المتربصين وإقناعهم بإجراء تربص في البناء والأشغال العمومية التي لا تلقى إقبالا كبيرا، كما سنتولى عرض تجربة المتربصين الذين أنهوا التكوين المهني وباشروا مشاريع في إطار الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب والقروض المصغرة، حتى لا يفقد الشباب الأمل في إيجاد فرصة للتكوين والعمل، وهناك تخصصات جديدة سيتم فتحها بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة كما ذكرت سابقا ونحن نأمل في إضافة تخصصات أخرى مستقبلا.