لم تتمكن فرنسا لحد الآن من التخلي عن العقلية الاستعمارية التي تلازمها كحالة مرضية يستعصي علاجها، وما إثارة قضية علي مسلي واعتقال الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني بمطار مرسيليا ومحاولة توريطه في هذه القضية، إلا دليل على رغبة باريس لي ذراع الجزائر لمساومتها في قضايا أخرى. جريدة المستقبل فتحت ملف جرائم باريس ضد المغتربين الجزائريين في فرنسا في 17 أكتوبر 1961 لتشير إلى أن فرنسا لازالت تتعامل مع الجزائر بنفس العقلية الاستعمارية ولو بلغة دبلوماسية ملفوفة بالمصالح المتبادلة، مع أن الجزائر حاولت دوما عدم المعاملة بالمثل مفضلة أن تحكم العلاقات الثنائية لغة المصالح المشتركة بين دولتين سياديتين بدلا من لغة التاريخ التى لن تجني فرنسا من ورائها إلا الخسران والعار، وكما قال الجنرال الفيتنامي "جياب" الذي هزم الجيوش الفرنسية في معركة ديان بيان فو "الاستعمار تلميذ غبي بحاجة إلى دروس أخرى". وجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ تولي سدة الحكم في الجزائر في العام 1999 عدة رسائل إيجابية للفرنسيين قصد الاستثمار في الجزائر ، في إطار تبادل المصالح بين بلدين سياديين، وقام بزيارة تاريخية إلى باريس خلال عهدته الأولى. ورغم الاستقبال الكبير الذي حظي به من طرف الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك، إلا أن المحصلة الاقتصادية لم تكن بالشكل المطلوب وتم تحويل أقل من 60 مليون دولار من الديون الفرنسية التي على عاتق الجزائر إلى استثمارات بل إن هناك من المسؤولين الفرنسيين من طالب بالدخول في رأسمال شركة سوناطراك رمز السيادة الاقتصادية الجزائرية. وتوالت زيارات وزراء من الحجم الثقيل كعبد الحميد تمار للقاء رجال أعمال فرنسيين لإقناعهم بالاستثمار في الجزائر ووجهت لهم دعوات إلى الجزائر وتم عرض فرص الاستثمار بهذا البلد المتوسط وكذا تسهيل عمليات الاستثمار وتغليب لغة المال والأعمال على لغة التاريخ وفتح الجراح. فقد انتهجت الجزائر طريق الشراكة على أساس مصالح البلدين أولا وطوت صفحة الاستعمار ماسكة بيديها على الجمر دعوات تفجير العلاقات بين البلدين سواء من الجانب الجزائري أو الفرنسي لتسود رؤية مستقبلية واضحة وصريحة تحكمها شراكة ندية الغالب فيها الميزان التجاري فحسب، إلا أن باريس لم تستثمر الواقع الجديد المتمثل في أن الجزائر ليست سوق "موح ادي وروح" بل شريك ذو سيادة . ولم تستغل فرنسا فرصتها كأول شريك تجاري للجزائر بل ضيعتها لصالح الأمريكيين الذين أصبحوا أول زبون للجزائر بفضل صادرات الغاز الطبيعي يليهم الإسبان فالإيطاليون فالفرنسيون الذين لم تتجاوز استثماراتهم في قطاع المحروقات 7 بالمئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع بالجزائر، ورغم أنها مازالت لحد الآن المورد الأول للجزائر بالسلع إلا أن مكانتها في الجزائر في تراجع مستمر بفضل الصادرات الصينية إلى الجزائر ورغبة هذه الأخيرة في تنويع مصادر تموينها فالبقاء للأقوى في السوق الجزائرية ولا مكان للمفاضلة بين هذا وذاك، ورغم أن لفرنسا 250 فرع لشركاتها بالجزائر، إلا أن دور هذه الفروع يقتصر على تمثيل المؤسسة الأم في الجزائر لتسويق منتجاتها في هذا البلد، إلا أن حجم الاستثمارات خلال أربع سنوات (2002 -2006) لم يتجاوز 280 مليون دولار، بل إن شركة رونو التي كان من المفترض أن تشيد بالجزائر مصنعا لتركيب السيارات فضلت المغرب على الجزائر ونقلت استثماراتها إلى هذا البلد الشقيق وهو ما شكل ضربة لكل دعاة تشجيع الاستثمارات الفرنسية بالجزائر التي استدارت نحو جذب الاستثمارات العربية التي تدفقت على الجزائر بغزارة، مما أثار حفيظة الفرنسيين خاصة بعد أن فازت كل من شركة أوراسكوم المصرية والوطنية تلكوم الكويتية (حاليا أصبحت استثمارات قطرية) برخصتي استغلال الهاتف النقال بالجزائر، وفي آخر زيارة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الجزائر في 2007 وعد بأن تبلغ الاستثمارات الفرنسية بالجزائر 7 مليارات من الدولارات وهو ما لم يتجسد على أرض الميدان. إن بقاء فرنسا على عقلية الاستعلاء وإرادة فرض السيطرة وسياسة لي الأذرع وفرض الضغوط في تعاملاتها مع الجزائر لن يزيد إلا في تعميق الشكوك على أنها شريك غير موثوق فيه في القرن الواحد والعشرين، طالما مايزال يتعامل مع الجزائر بعقلية الفرنك في زمن اليورو. أيوب فخر الدين
كرونولوجيا اعتقال الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حساني 14 - أوت: اعتقال الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حساني في مطار مارسيليا بناء على أمر بالاعتقال صدر في7 ديسمبر 2007 في إطار التحقيقات في اغتيال ضابط جهاز مخابرات الثورة والعضو القيادي للافافاس علي مسيلي بباريس في عام 1987. إدانة وطنية واسعة لاعتقال الدبلوماسي ورضى كامل من قبل جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، فيما التزمت الحكومة الصمت. الإعلان عن تشكيل خلية أزمة بوزارة الخارجية لمتابعة تطورات القضية وتعيين محام للدفاع عنه. 15 أوت- الدبلوماسي زيان يقف أمام قاضي تحقيق بباريس حيث وجهت له التهمة رسميا، واتبع بقرار الإفراج عنه مع وضعه تحت الرقابة القضائية وإلزامه بالحضور يوما لدى مصالح الأمن وعدم مغادرة الأراضي الفرنسية. 25 أوت- الحكومة الجزائرية تعبر عن أملها في تسوية قضية الدبلوماسي الجزائري، وانتقدت تعامل الأمن الفرنسي معه. 1 سبتمبر- الدبلوماسي يقف مجددا أمام القاضي المكلف بالقضية ويجدد أن لا علاقة له بالقضية. 9 سبتمبر- تقرير لقناة "فرنسا 3" يظهر أولى الصور للدبلوماسي الجزائري في أروقة المحاكم وشهادة لمحمد سمراوي ضابط المخابرات الهارب من الخدمة، الشاهد الرئيسي في القضية، يوجه الاتهام إلى الدبلوماسي المعتقل ويؤكد انه المسؤول عن اغتيال المعارض علي مسيلي بباريس. 13 أكتوبر- أرملة مسيلي توجه رسالة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عبر وسائل الإعلام تدعوه لترك القضية تأخذ مجراها عبر القضاء. 14 أكتوبر- القضاء الفرنسي يرفض دعوى لرفع الرقابة القضائية عن الدبلوماسي زيان حساني، ويؤكد التهمة الموجهة إليه بالتواطؤ في عملية الاغتيال. 15 أكتوبر- وزير الخارجية مراد مدلسي في باريس للنظر في القضية مع نظيره الفرنسي، حيث طلب من السلطات الفرنسية أن تأخذ "كافة التدابير الضرورية" من أجل تسوية سريعة للوضع المفروض على الدبلوماسي الجزائري. صابر. ح اليسار واليمين الفرنسي يتبادلان الادوار ذيل الاستعمار لن يستقيم بينت قضية الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني الموجود تحت الرقابة القضائية بفرنسا منذ اوت الماضي في قضية تؤكد جميع الادلة المتوفرة انه غير متورط فيها، التوجه الجديد القديم للسياسة الفرنسية تجاه الجزائر. فالبداية تظهر في كيفية اعتقاله وطريقة تعامل الشرطة معه؛ فرغم ان مسؤول التشريفات في وزراة الخالرجية الجزائرية يملك وثائق هوية تؤكد انتماءه الى السلك الدبلوماسي الجزائري الا ان شرطة مطار مارسيليا عاملته كخارج عن القانون وكمهاجر سري من خلال اهانته بتصرفات لا تمت باية صلة بالشرطة، حيث جرد من ملابسه ووجهت له شتائم رغم تعاونه الكامل مع الاجراءات الواجب اتخاذها في تلك الحالات. وهذه المعاملة تثبت الخلفية التي تم الانطلاق منها لتوجيه التهمة لمحمد زيان حسني، وكان الامر حسم من قبل ولم يكن ينتظره سوى قدر النزول في اي مطار من مطارات المستعمر السابق للجزائر ليهان. لقد أرادت الحكومة الفرنسية أن تغسل يديها من تهمة القبض على الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني عن طريق تغليف القضية بغلاف العدالة، وتحينت المكان والظرف فاختارت ان يكون ذلك في عهد وزيرة العدل رشيد داتي ذوي الاصول المغاربية (اب مغربي وام جزائرية) وفي ذلك رسالة ان السياسيين لا يحركون العدالة وان الاستقلالية مضمونة، لان الامر يتعلق ببلد يحسن فن الفصل بين السلطات الذي انتجه الفرنسي مونتيسيكو في كتابه "روح القوانين"، لكن حقيقة الملف تبرز مرة اخرى ان فرنسا لم تتخلص بعد من نظرتها الازدراية نحو الجزائر وتجتهد حتى في فبركة الملفات وإيهام الرأي العام بان السياسة بعيدة كل البعد عن القضاء رغم ان ارهاصات الملف تؤكد عكس ذلك. عقدة فرنسا تجاه الجزائر لم تنته بعد رغم مرور 46 سنة عن الاستقلال، وسواء من طرف اليمين او اليسار فالعقلية واحدة حتى وان اختلفت الاساليب؛ فلا يمكن نسيان تلك السموم المتأتية من الشمال لما كانت الجزائر تحارب وحدها الارهاب، فمن يقتل من؟ كان من أفواه بعض الجزائريين الذين كانوا بيادق في "قصور باريس" بل كانت نتاج تواطؤ حكومة اليسار آنذاك التي وجدت في تلك الاوضاع فرصة للانتقام من الجزائر التي تحررت من تبعية فرنسا، ومن السيد الذي لا يرفض له طلب. ولم تكن رؤية اليمين مختلفة عن تلك التي كانت لدى اليسار وإن اختلفت الاساليب؛ ففي عهد الرئيس جاك شيراك وهو المكنى بصديق الشعوب العربية سن قانون العار ل23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار وكان ذلك التشريع بمثابة عودة العلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر كونه لم يسئ فقط للذاكرة الجماعية بقدر ما أعاد الطعن في مشاعر الجزائريين وآلاف الافارقة الذين ناضلوا من اجل ان تتحرر القارة من طغيان الاستعمار الاوربي بمختلف لغاته. ووصف ذلك القانون بأنه حنين فرنسي الى "استعباد" الشعوب مرة اخرى، واثبت مرة اخرى تصورات الهيمنة لدى السياسيين والمسؤولين الفرنسيين القدامى بثوب جديد . رياض .ب سجل سيئ لباريس في معاملة الدبلوماسيين الجزائريين أورد محمود خدري وزير العلاقات مع البرلمان السبت الماضي أمام المجلس الشعبي الوطني قائمة طويلة من الممارسات غير الدبلوماسية للفرنسيين في معاملة المسؤولين الجزائريين وخصوصا في المطارات. ولم يكن اعتقال الدبلوماسي حساني زيان إلا آخر مثال على هذه التجاوزات الممنهجة، حيث جرى حسب رواية الوزير خدري اهانة كثير من البرلمانيين والمسئولين الجزائريين في المطارات الفرنسية رغم حملهم وثائق دبلوماسية حيث كانوا يرغمون على الخضوع لتفتيش دقيق كما تم منعهم من استعمال مطار شارل ديغول وتم تحويل كل الرحلات نحو والى الجزائر إلى مطار أورلي الذي يعرف بمطار العالم الثالث. قامت فرنسا قبل اختطاف الدبلوماسي حساني زيان بأكبر عملة سطو جوي في التاريخ عندما حولت طائرة تربط الدارالبيضاء بتونس بالجزائر العاصمة رغم أنها كانت في المياه الدولية دون أدنى اعتبار للقانون الدولي ولسلامة الركاب، ولم تتردد في 14 أوت الماضي في اعتقال المسؤول بمديرية التشريفات بوزارة الخارجية في اختطاف مشابه رغم أن الرجل يحمل جواز سفر دبلوماسيا. وبالنظر إلى تاريخ العلاقات الثنائية المعقدة الممتدة في التاريخ لم يخل موقف السلطات الفرنسية من توظيف لقضية اغتيال منسية غامضة لإحراج الجزائر أولا لأسباب داخلية فرنسية تتعلق بمحاولة الاليزي استرجاع المبادرة والإيحاء باستقلال القضاء المحلي من جهة، ومن جهة أخرى تصفية حسابات مع تيار في الحكم الفرنسي سيطر على القرار بباريس في الثمانينيات ممثلا في وزير الداخلية الأسبق شارل باسكوا. والطريقة التي تعاملت بها تكشف عن توجه ابتزازي أي الحصول على تعويضات مالية مثلما حصلت عليها من ليبيا التي خضعت للضغوط الفرنسية ومنحتها تنازلات مالية هامة في قضية إسقاط طائرة في صحراء تشاد في سنة 1987. وبالعكس تعاملت الجزائر بحكمة كبيرة مع القضية ورفضت الدخول في مجادلات عقيمة فهي ليست في حاجة إلى مواجهة مع باريس والألوية هي لحل ودي سريع يحفظ كرامة الدبلوماسي الجزائري ويبقي على متانة العلاقات الثنائية ويغلق الباب أمام كل محاولات التوظيف في الجزائر وباريس لتأزيم العلاقات الثنائية. الواضح أن باريس ما زالت تتصرف مع الجزائر بنوع من الاستكبار بينما لا تسمح بالمساس تماما برعاياها البسطاء فما بالك بكبار مسئوليها ما يدعو إلى الاحتياط مستقبلا من مثل هذه الممارسات مادامت العلاقات مع باريس شرا لا بد منه. صابر.ح المؤرخ والباحث محمد القورصو ل المستقبل سعي ساركوزي لإحياء "حلم نابليون" في شمال إفريقيا مآله الفشل أكد المؤرخ والباحث محمد القورصو على ضرورة وضوح الرؤى الخاصة بمسألة الاعتذار ثم التعويضات التي تلزم الدولة الجزائرية القيام بإجراءات تجعل من فرنسا تستجيب لمطالبها في صيغة اعتذار رسمي. المستقبل إلتقت الباحث القرصو وأجرت معه هذا الحوار. المستقبل: تمر كل سنة ذكريات أليمة عن وحشية ما قام به الاستعمار الفرنسي في الجزائر وجرائم الحرب التي إرتكبها في حق الجزائريين أين وصلت مسألة التعويضات والاعتذار؟ المؤرخ والباحث محمد القورصو: أعتقد أن مسألة التعويضات ليست بنت اليوم وإنما هي قديمة بالنسبة إلى كوني عندما كنت على رأس جمعية الثامن ماي طالبنا بهذه التعويضات، وبرأيي لا بد أن تكون التعويضات على شكل استثمارات يستفيد منها الشعب الجزائري والأجيال القادمة ولكن لا وجود لتعويضات يمكنها أن تعوض الآلام التي سببها الاستعمار خلال فترة استعماره لأن مطلبنا الوحيد كان قبل كل شيئ الاعتراف والاعتذار . لكن هذا أيضا لا يمنع اتخاذ إجراء رسمي من قبل مسؤولين في اطار مفاوضات شفافة تطّلع عليها كل الأطراف. برأيكم من هي الجهة المخولة النظر في رفع هذه المطالب ومن سيستفيد منها في حال موافقة فرنسا على تقديمها؟ القناة الرسمية التي يلزم عليها التحرك وبصفة رسمية هي الدولة الجزائرية وحدها، والأشخاص المتضررون من حقهم الاستفادة من هذه التعويضات التي تريدها بعض الأطراف نقدا، وأظن أن التاريخ يعيد نفسه من جديد وبصفة أخرى علينا استعابها وأتحدث هنا عن مطالبة الأقدام السوداء بالممتلكات التي تركوها بعد الاستقلال ويجرهم الحنين حاليا لاسترجاعها علما أنها سلبت من أهلها وملاكها الحقيقيين عنوة. بصراحة ما هي قيمة التعويضات المالية التي ينبغي على فرنسا دفعها للجزائر ؟ بصراحة أكثر، الحديث عن هذا الموضوع سابق لأوانه، لسبب واحد وهو أن التقييم الخاص بالتعويضات المادية يجب أن تتكفل به مجموعة من الشخصيات والمتمثلة في رأيي في المؤرخين والسياسيين والباحثين والاقتصاديين والديمغرافيين الذين عليهم القيام بجرد كلي لما اقترفته فرنسا الاستعمارية في حق الانسان الجزائري والأرض الجزائرية والهوية والثقافة الجزائرية، وفي النهاية يصلوا الى تقييم الضرر المعنوي والضرر المادي وتحويله إلى تعويضات مالية. وهنا يؤول بنا الحديث الى ما اقترفته الآلة العسكرية الفرنسية في حق الجزائريين وهي أفعال بشعة ارتكبت في حق الشعب الجزائري، ولعل تصريح الرئيس نيكولا حول حقيقة الاستعمار وبشاعته هو نصف الحقيقة، فالاستعمار قضى على ثلث الشعب الجزائري وحجز مئات الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية وأتلف الآلاف من أشجار الزيتون التي أحرقت سواء في سهل متيجة أو في منطقة القبائل فضلا عن تقييم التراث الثقافي حيث أتلفت مكتبة الأمير عبد القادر وكذا تقييم المخطوطات التي تعد بالمئات والموجودة في المكتبة الفرنسية وأيضا الأرشيف الجزائري الموجود في دور الأرشيف الفرنسية. إنكم تعيدوننا الى الحديث عما قاله ساركوزي أن " الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء الآباء" إذن ممن نطالب بالاعتراف والاعتذار ؟ الاعتراف والاعتذار نطالب بهما فرنسا الرسمية من ورثة الجمهورية الخامسة ومن الكنيسة الفرنسية والفاتيكان . وعندما نقول الكنيسة نقصد من البابوية لأن " لافيجري " باعتباره كاردينالا تابعا للبابوية أرسل إلى الجزائر في عباءة الجنرال بيجو وأتباعه، فالاحتلال الفرنسي كان له وجهان عسكري والمسخ العقائدي، حيث أن الآباء البيض تغلغلوا في مجتمعنا واستطاعوا غزو مناطق شاسعة. من يُعوّض ومن يستلم؟ سؤال مهم لا بد أن يجيب عنه ذوو الاختصاص لاسيما ذوي الشهادات القانونية الذين لهم خبرة في التحري أو الدفاع عن حقوق الإنسان. اما التعويض من المفروض ان تستلمه الدولة الجزائرية وعائلات بكى اولادها ابن الاستعمار الغاشم. لكن في مقابل ذكر بشاعة الاستعمار يتم تكريم الحركى في فرنسا؟! تكريم الحركى اعتراف جد متأخر ومحتوم على الدولة الفرنسية لأنه لا ينبغي أن ننسى أن الحركى اعتبروا إلى تاريخ قريب من بقايا المجتمع الفرنسي المهمش، الا أن نضال ابناء الحركى الذين طالبوا بحقوق آبائهم جعل مسألة الحركى تطفو من جديد، اما تكريمهم فجاء في مناسبات تاريخية معينة وكانت الغاية منه ضرب الثورة الجزائرية، والدليل على ذلك هو اعتبار يوم 19 مارس يوما تاريخيا يحتفل به الحركى على طريقتهم الخاصة، وأغتنم الفرصة لأقول إن الحركى كانوا ضحايا أنفسهم وضحايا المصالح الاستخبارية الفرنسية، هذا لا ينسينا الاعمال البشعة من تعذيب وتنكيل شارك فيها الحركى في الجزائر وباريس تجاه بني جلدتهم، وكما أن للجزائر حركاها فلفرنسا ايضا حركاها، ونعني بذلك اولئك الذين تعاملوا مع ألمانيا. هذا الطرح ترفضه فرنسا رفضا باتا لأنها ترى في حركى الجزائر أبطالا ساعدوها في تعذيب المجاهدين والمجاهدات. من سيكتب لنا التاريخ؟ ما تعرض له تاريخ الجزائر من تحريف وتمجيد لبعض الشخصيات وإخفاء شخصيات أخرى هو ما تعرضت له تاريخ شعوب أخرى ناضلت ضد الاستدمار والاستبداد وستبقى عملية الكتابة التاريخية مستمرة لامتناهية تتطور وتتجدد مع اكتشاف وثائق جديدة وتطور البحث التاريخي وتجديد الاجيال عن الاشخاص والاحزاب. ألا ترون أن مجيىء الرئيس الشاب ساركوزي إلى قصر الاليزي وحمله لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط سيغير من أساليب فرنسا الدبلوماسية ويخلصها من العقدة الأبوية التى أرادت ممارستها على جيرانها في المنطقة المغاربية منذ عقود ؟ في الأصل المشروع يذكرني شخصيا بذلك المشروع الطموح الذي وضعه نابليون الاول والذي كان يرمي إلى ضم الشمال الإفريقي إلى فرنسا لكن نابليون لم ينجح في سياسته، فشل في الحروب القارية التي خاضها ضد الملوك والأمراء الاوروبين وحرص الفرنسية الحالية على تحقيق المشروع يدل على ارتباطها بتاريخها ومعرفتها الدقيقة لتاريخها القديم لتملك الرئيس الفرنسي رغبة ملحة في إحياء ذلك المشروع الكبير الذي لم يتحقق في عهد نابليون والذي أفشله في الجزائر أبناء ثورة أول نوفمبر.