يعتبر المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي من الأسماء الجادة والفاعلة بالمشهد السينمائي الفلسطيني والعربي ان لم نقل الدولي، وكذا صانع نجاحات الشاشة الفضية الفلسطينية بالمهرجانات السينمائية العربية والأجنبية، إذ افتك مؤخرا فيلمه الاخير "عيد ميلاد ليلى" جائزة اللؤلؤة السوداء للإبداع الفني بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي بأبو ظبي، ثم التانيت الفضي بأيام قرطاج السينمائية والتي تحصل خلالها بطل الفيلم محمد بكري على جائزة أحسن دور رجالي، إلتقته المستقبل خلال المهرجانين المذكورين وسألته عن سر هذا النجاح، والاسباب التي تجعله دوما يؤمن ويعمل على تجسيد الشراكة العربية والاجنبية في أفلامه، وكذا نظرته لراهن السينما الفلسطينة فكان الحوار الموالي: ما هي الرسالة التي أردت قولها من خلال فيلمك الأخير"عيد ميلاد ليلى"؟ حاولت وصف الفوضى المهيمنة حالياً على حياة الفلسطينيين، وإظهار جماليات المدن الفلسطينية التي لم تسلط الأضواء عليها من قبل، وكل فيلم يأتي متراكماً على ما قبله، وهو نابع من الإحساس بالمسؤولية تجاه قضيتنا وشعبنا ومتفرجينا على حد سواء. كل هذا من اجل بث روح الأمل في المستقبل بإلقاء الضوء على العناصر الايجابية التي تبشر بمستقبل أفضل وان اعطي الجمهور فرصة ليشعر كيف نجح الاحتلال في شقنا ايديولوجيا وجغرافيا في هذه الحقبة من حياتنا. الفيلم مزيج من الواقع والخيال. وقررت أن آخذ من الواقع عبثه وقسوته وأن أستمد من الخيال بهجته وجماله. الجمال لا يزال أحد أقوى خصائص بلدنا، صور بلادك جميلة لتصبح اجمل. فيلمكم "عيد ميلاد ليلى" صور بالكامل في مدينة رام الله لماذا هذه المدينة بالتحديد وليس غزة مثلا؟ ببساطة لأني لا استطيع الذهاب لغزة لأنها محاصرة وكنت قبل سنوات اعبر اليها من خلال معبر رفح على الحدود المصرية الفلسطينية، والان الحصار والاحتلال يمنعني عنها، ورغم هذا المنع أعمل كل ما بوسعي لتكون هذه المدينة موجودة من خلال الصوت والصورة. "انتظار" ثم "عيد ميلاد ليلى" بماذا سيفاجئنا مستقبلا المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي ؟ أنا بصدد التحضير لعمل وثائقي عنوانه"صباح الخير يا غزة" هو أول فيلم سيكون مباشرة بعد فيلم "عيد ميلاد ليلى"، كما أحضر لعملين روائيين طويلين أحدهما سيكون عن فلسطين عنوانه" المؤقت العرس" وطموحي أن أنجز أعمالا بعيدة كل البعد عن الصورة القاتمة لفلسطين والتي تتولى الفضائيات العربية ووكالات الأنباء مهمة نقل ما يحدث هناك، أما مهمتي أنا كمخرج فلسطيني فهي زرع الأمل في هذا الشعب البائس وكذا نقل ما يستحق الأمل . تظاهرة القدس عاصمة الثقافة العربية ما رأيك فيها وهل لديك مشاركة ضمنها؟ أنا أحاول دوما التواجد مهما اختلفت تسمية النشاطات الثقافية التي تدافع وتذكر في الأساس بنا، لست موجودا هناك جسديا ولكنني أسعى دوما أن أتواجد من خلال أعمالي السينمائية التي لها علاقة بفلسطينوالقدس، فبرصيدي حوالي 20 فيلما. كيف تصف واقع السينما الفلسطينية الآن؟ السينما الفلسطينية بالمقارنة مع الوضع الفلسطيني الحالي أظن أن وضعها جيد خصوصا أنها أصبحت تحاسب من قبل النقاد، التلفزيونات، والمهرجانات بقيمتها السينمائية الفنية وليس من منطلق التعاطف مع القضية والشعب الفلسطيني، وحتى تمكنا من تحقيق هذه المعادلة الصعبة، عملنا كثيرا كسينمائيين وفنانين فلسطينيين لتحقيق ذلك، وجاء هذا بفضل ما كتب بالصحف وتم مناقشته بالملتقيات والندوات وما تحدثنا عنه خلال المهرجانات السينمائية، مؤكدين في كل مناسبة انه لا يجب أن ينظر إلينا بعين الشفقة والرحمة أو كقضية انتهك حقها لان مثل هذا الأمر يضر بالسينما الفلسطينية أكثر مما ينفعها، وكنا نحرص دوما أن نعامل كسينمائيين . لو كان لك أن تحدد لنا المراحل التي مرت بها السينما الفلسطينية فماذا ستقول؟ السينما الفلسطينية مرت بمراحل مختلفة، ونستطيع القول: في هذه الأيام تشهد السينما الفلسطينية حركة نشطة، هناك أيضا عدد جيد من المخرجين الفلسطينيين، وبعضهم لديه مواهب وقدرات لإنجاز أعمالهم السينمائية التي تتعامل مع مواضيع مهمة ومع لغة سينمائية فنية راقية. صحيح أن أغلبهم ينتج أفلاما وثائقية، وأفلاما قصيرة، لكن ذلك مرده إلى عدم وجود إمكانيات كافية لإنتاج الفيلم الروائي الطويل. في الفترة الأخيرة ظهرت تصورات كثيرة بعيداً عن الوضع السياسي، وهذا شيء مطمئن يجعلنا نشعر بوجود أمل للسينما الفلسطينية. هناك تضييق على العمل السينمائي الفلسطيني، وظروف الاحتلال لم تسمح له بالخروج إلى النور، هل يمكن أن نقول: إن السينما الفلسطينية تعيش الآن تحت الحصار؟ السينما الفلسطينية تشبه الشعب الفلسطيني، وهي جزء في الضفة وغزةوالقدس والعالم، أي في الشتات والمهجر، كما هو الشعب الفلسطيني تماما، الحصار يمكن أن يحاصرنا جغرافياً بحيث لا نستطيع التحرك من مكان إلى مكان أو لا نستطيع إنجاز أعمالنا السينمائية بسهولة، السينما كحلم وخيال صعب أن يحاصرها الاحتلال الإسرائيلي، ولا يستطيع أحد أن يمنعنا من أن نحلم، وأن نطلق العنان لخيالنا، أو أن نمتلك مواهب وطموحات، من الممكن أن يشكل الاحتلال صعوبة أمام تنفيذ المشاريع، وإذا نفذت فهي حتماً ستكون أعمالا رائعة. هل هذه الظروف تعيقكم كثيرا أو تحد من إنتاجكم السينمائي؟ تعوّدنا تحقيق وإنجاز مشاريعنا في مثل هذه الظروف، ولن ننتظر انتهاء الحرب؛ ولذلك طورنا آليات للتنقل عبر الطرق الالتفافية وحمل الأجهزة كإرسال الكاميرا في سيارة والشريط في سيارة أخرى والطاقم يصل لاحقاً وهكذا.. لقد اتبعنا خططا إنتاجية تلائم وضع الحرب. بغض النظر عن أية ظروف أخرى، التمويل هو عصب معظم الأعمال وسمعت من مخرجين فلسطينيين يعانون من قلة مصادر الدعم.. هل هناك صعوبات في التمويل؟ ضعف التمويل أو عدم وجود مصادره في الأصل هو السبب في أن الأفلام الفلسطينية في معظمها قصيرة وتجريبية، وهي عمليًّا تكلفتها أقل من الأفلام الروائية الطويلة، نعم هناك صعوبات في التمويل ولا نستطيع الحديث كأننا دولة لها مؤسسات ودوائر معنية في الإنتاج السينمائي على خلاف دول أخرى لديهم -أي المخرجين- الدعم وليس لديهم مشاكلنا السياسية، مع علمي بأن العديد من الأفلام السينمائية في الدول العربية ليست مدعومة من قطاع الحكومة وأحيانا من مؤسسات أجنبية، لكن عموما ظروفها أفضل بكثير من حيث التمويل من ظروف السينما الفلسطينية. هل تعتبرون الأفلام الفلسطينية التي تنتج داخل مناطق 48 جزءا من السينما الفلسطينية، خاصة وأننا سمعنا تذمر مخرجين فلسطينيين يعيشون هناك من النظرة لهم على أنهم "مواطنون إسرائيليون" ويعتبرون مجرد التعامل معهم "تطبيعا"، وبالتالي يرفضون استضافة أفلامهم في المهرجانات العربية؟ في مشروعنا السينمائي تم إزالة الخط الفاصل بين فلسطينيي 48 و 67. الفلسطينيون في داخل مناطق ال48 هم نفس الأشخاص الموجودين في كل فلسطين ولديهم نفس الطموحات والمشاكل ونفس الأحلام أيضاً، والاحتلال الذي أعطانا الهوية العسكرية هو نفس الاحتلال الذي قرر أن يكونوا "مواطنين إسرائيليين" ويحاول طمسهم في المجتمع الإسرائيلي، ولكن الأيام تثبت عكس ذلك، وانتفاضة الأقصى كشفت أنهم يعيشون تحت الاحتلال، فإسرائيل التي تعتبرهم مواطنين صوبت البنادق تجاههم، هم فلسطينيون وأفلامهم في مهرجان الشاشة المستقلة الثاني شاهد على هويتهم الفلسطينية وذاكرتهم التي لم تمحَ. بالتأكيد إنتاجهم جزء مهم من السينما الفلسطينية. "المقاومة بالكاميرا" ما رأيك في هذه العبارة؟ وما الذي تقدمه الكاميرا للفلسطينيين؟ من خلال السينما والكاميرا يمكن إبراز الحالة الفلسطينية، والأفلام لم ولن تحرر فلسطين؛ الأفلام يمكن أن تستمر في طرح الأشياء وتغير وجهات النظر في العالم العربي والعالم الغربي، وتساهم في نشر الوعي من وجهة نظر فلسطينية؛ لأننا نحن موجودون في المكان، وهذا يمنحنا فرصة لمعرفة الأشياء والقدرة على الكلام عنها بصدق.السينما أيضا لها دور مهم في النضال الفلسطيني؛ لأنك تتكلم عن الشعب الفلسطيني كشعب وكمجتمع ممنوع طرحه إلا في بعد واحد، وهذه هي الصورة المتناولة في الأخبار؛ إذ لا يعرف عن الشعب الفلسطيني سوى مشاهد العنف والاحتلال. بوجود هذا الانفتاح اليوم الفلسطينيون بحاجة للتركيز عليهم كمجتمع، لغتهم.. صورتهم.. لونهم.. تاريخهم.. عاداتهم.. تراثهم سواء في حالة الحرب أم في حالة السلم. وبالنسبة لنا فالفيلم يمكن أن يساعد المخرج الذي قام به نفسه بأن يعبر عن شعوره، وهذه نعمة من الله أن تستطيع التعبير عن شيء تراه وتسمعه وتتعامل معه، ونحن جزء يعبر عن هموم الناس؛ لذلك السينمائيون -برأيي- محظوظون، وأنا لا أتخيل نفسي عاجزا عن عمل فيلم. علمنا أن العديد من أفلامكم وحتى فيلمكم الأخير شراكة بين العديد من البلدان أوربية وعربية حدثنا عن هذه التجربة وعن مدى إيمانك بها؟ أنا أعمل شراكات حقيقية من حيث المفهوم حيث تعاملت مع المغرب لثاني فيلم الأول فيلم "إنتظار" والثاني "عيد ميلاد ليلى" حيث قدمت المغرب أشياء تعد في الحقيقة مبالغ كبرى للفيلم، فعملية التحميض التي أوكلت لهذا البلد الشقيق في إطار الشراكة التي اتحدث عنها، أما تونس فشراكتها يمكن أن نقول أنها تقنية، من ناحية المونتاج والفريق التقني للفيلم والمصور تونسي والموسيقي تونسي "قيس سلامة" ، انا أحاول خلال كل فيلم ان اجسد فكرة الشراكة واعمل دوما على توسيعها داخل فلسطين من خلال المؤسسات الفلسطينية المختلفة وكذا خارج فلسطين وخير مثال على هذه الشراكة فيلمي "عيد ميلاد ليلى". حاورته في أبو ظبي: أمل/ب المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في سطور رشيد مشهراوي، من مواليد مخيم الشاطئ في قطاع غزة ومقيم حالياً في رام الله. مخرج سينمائي، عمل منذ سن الثامنة عشرة في صناعة السينما. له 15 فيلما بين روائي ووثائقي وطويل، منها: "جواز سفر" ، و"رباب"، و"حيفا"، و"خلف الأسوار"، "تذكرة الى القدس"، " الانتظار". شارك في عدة مهرجانات سينمائية عربية ودولية منها: مهرجان الشرق الاوسط السينمائي الدولي، أيام قرطاج السينمائية، ومهرجان كان السينمائي، ويعمل حاليا مديرا لمركز الإنتاج السينمائي في رام الله، ويقوم بالإنتاج السينمائي والمشاركة في المهرجانات وتطوير مهارات مخرجين جدد من خلال دورات تدريبية.