التقى المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي (47 سنة) ومواطنته المخرجة الشابة "أسماء بسيسو" في حتمية قيام سينما فلسطينية مثقفة ومتعددة، وتقاطع مشهراوي وبسيسو في ضرورة نشوء سينما فلسطينية مقتدرة وفاعلة تساعد القضية الأمّ. وفي أعقاب اليوم الثالث من مهرجان وهران الذي كان فلسطينيا على طول الخط، حيث تميّز بعرض فيلمي "عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشهراوي، و"أنا غزة" لأسماء بسيسو، قال مشهراوي في لقاء صحفي، أنّ القدسوفلسطين لا ينبغي أن تبقى همّ الفلسطينيين لوحدهم، معتبراً العرب جميعا "شركاء في (ورطة) فلسطين"، وأضاف مشهراوي أنّ الفلسطينيين لا يرضوا أن يكونوا أسرى 12 شهرا، في إشارة إلى حساسية عدم الاكتفاء بما تتيحه احتفالية "القدس عاصمة للثقافة العربية". ورأى صاحب "تذكرة إلى القدس" و"خلف الأسوار" وغيرهما، بأهمية التجنّد بشكل تلقائي للاهتمام بالقضية، مشيراً إلى أنّ العمل السينمائي في فلسطين لا يزال ينطوي على مخاطرات كبرى، طالما أنّ الكاميرا، بمنظاره، خطر كبير على إسرائيل، وعلّق مشهراوي على المشكلات التي تعترض عمله كمقيم بقطاع غزة، أنّ المعرفة بجغرافية المكان، جعلته يطوّر طرق لنقل الأجهزة رغم مئات الحواجز وما تفرزه التقسيمات المفروضة بغزة والضفة ورام الله، وتواجد 1.5 مليون فلسطيني تحت الحصار، وأوعز الرجل:"كمواطن من غزة، أحس بكوني في سجن، لكن السينما هي عنصر المغامرة".وإعتبر مشهراوي أنّ "عيد ميلاد ليلى" الذي يروي حكاية "أبو ليلى" وارتسامات غزة في قالب من السخرية الدامعة والروح النقدية المتوثبة، هو قيمة مضافة، من حيث كونه أضاف معرفة على معرفة، ونظر للأشياء من زاوية أخرى حملت دقات الشارع الفلسطيني الموجوع بنير الاحتلال ومعاناة المحاصرين واللاجئين. وشدّد مخرج "دار ودور" أنّ التوحد سيعين على طرد الاحتلال، وعلّل مشهراوي جرأة الفيلم في مقاربة الراهن الفلسطيني، بعدم جواز إدارة الظهر للجراح والمشكلات التي يحفل بها الشارع هناك، مشيراً إلى كون الفيلم محاولة للخروج عن النمطي من حيث تقديمه مدينة غزة كشخصية في حد ذاتها، لأنّ العبث الموجود والمفارقات هي التي تدفع: سائق التاكسي، والشرطي، والمسلح، والمواطن العادي إلى مآلات مغايرة، بيد أنّ مشهراوي أكّد على أنّ "عيد ميلاد ليلى" ليس خطاباً سياسياً، بل نقد عالي للنفس وحكاية تثير النقاش وتسعى لأنسنة الموضوع بدل الانسياق وراء الشعارات. وانتهى مشهراوي إلى إعلان رفضه للأعمال المموّلة من دول غربية، كما جزم أنّ أي إنتاج مشترك فلسطيني إسرائيلي سينتج اللبس، بجانب تصوره أنّ الكاميرا ليست سلاحا، بل أداة للتغيير والتفكير بصوت عال والمقاومة التي يمكن أن تكون بالفن، بالشعر .. بالتعليم.. وبوسائل كثيرة، مستطردا أنّه اشتغل مطوّلا على ملابسات رحيل الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، ولاحظ أنّها تحتمل كثير من الأشياء المظلمة والمتشابكة، ما شجعه على إنتاج فيلم وثائقي حول آخر أيام عرفات. من جانبها، أكدت المخرجة الفلسطينية أسماء بسيسو، أنّ الحديث عن مقاومة الشعب الفلسطيني من خلال مختلف وسائل الإعلام والنتاجات السينمائية يجب أن يبرز التراث الثقافي الذي تزخر به فلسطين، وأوضحت بسيسو أنّ لعب دور الضحية دائما لا يأتي بنتيجة، بل يجب إبراز الجانب الفلسطيني القوي والمقاوم والمناضل، مضيفة أنّ المجتمع الفلسطيني غني جداً وله تراث ثقافي واسع يحمل عادات وتقاليد عديدة يمكن إبرازها والمحافظة عليها كنوع من المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي الذي يحاول مسح الهوية الفلسطينية وتهويد كل ما ينتمي للشعب الفلسطيني من تراث وتنوع ثقافي.وأكدت بسيسو المتخصصة في الأفلام الوثائقية، إنّ هناك كثير من الأفلام عن القضية الفلسطينية، وصار هناك تكرار كبير من حيث المواضيع التي تظهر دائما فلسطين والفلسطينيين كضحية وهذا لم يخدم، بحسبها، القضية، ولم يغيّر أي شيء من الأوضاع، معتبرة أنّ هذه الأفلام تنتج دون دراسة سيكولوجية الجماهير الغربية أو الإفريقية. وترى المخرجة الفلسطينيةالشابة أنّ المجالات الاجتماعية والثقافية في فلسطين، تحتوي كلها على مواضيع يمكن تصوير أفلام عنها وتوصل من خلالها صوت القضية الفلسطينية من دون إظهار أي قطرة دم. في غضون ذلك، استمتعت الجماهير، سهرة الأحد، بفيلم "أنا غزة" الذي يتمحور حول الآثار النفسية للحرب التي شنتها مؤخراً إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من خلال شخصية الدكتور النفسي إياد السراج الذي حرص على إظهار مدى همجية الدولة العبرية باعتدائها ليس فقط على الأبرياء، بل وأيضا الحيوانات والأشجار. ويعد فيلم "أنا غزة" أول فيلم وثائقي طويل لأسماء التي ارتضت بعد دمار الشتاء الماضي، معانقة مسقط رأسها لتصوّر العمل هناك وتؤدي جزءاً بسيطاً من واجبها الإنساني مثلما قالت. سعاد طاهر / م