الخوض مع الوجه التلفزيوني والإعلامي خالد بن سالم في مواضيع تتصل أساسا بمشواره المهني يشد النظر ويجلب الإنتباه، لأنه كان مميزا وثريا من حيث التنوع والفضاءات التي عمل بها قبل أن يستقر به المقام في التلفزيون الجزائري وبالضبط في البرامج الحوارية التي نال عنها جائزة في المدة الأخيرة. وقد سمحت لنا فترة الساعة والنصف التي تحدثنا فيها مع الأخ خالد باكتشاف شخص يحمل الكثير من الأفكار والتصورات لما يجب أن يكون عليه الإعلام الجزائري بشقيه المكتوب والسمعي البصري، وهو فوق كل ذلك يملك لغة سليمة وتسلسلا في الأفكار نابعين من ثقافته وإيمانه المطلق بأن السهل الممتنع هو أحد مفاتيح دخول مهنة الصحافة. المستقبل: ما نملكه من معلومات عن الصحفي خالد بن سالم هو أنه خاض تجربة في الصحافة المكتوبة قبل ولوج عالم السمعي البصري، فكيف حدث ذلك خالد بن سالم: أستطيع القول أن بداياتي مع مهنة المتاعب كانت في سنوات 1996،97،98... حيث عملت كمتعاون في صحف عديدة وأتذكر أن مقالاتي التي كنت أكتبها نشر بعضها فقط، ومن هذه الصحف أذكر "أخبار الأسبوع"، "العالم السياسي"، وفي ماي 1999 إلتحقت بأسبوعية الكرة الرياضية رغم أن تخصصي كان في السمعي البصري حيث نلت شهادة الليسانس سنة 1998. وأتذكر كذلك أنه كانت لي محاولة للعمل في الخارج لكن ظروفي المادية وكذا حاجة والدي إلي حالا دون ذلك. مكثت ثلاث سنوات بجريدة الكرة قبل أن ألتحق بالتلفزيون وتحديدا بالجزائرية الثالثة، التي سمعت بمشروعها، ويومها كان الأخ عبد القادر خرشي رئيسا للتحرير والمشروع كان قيد التجريب. ماذا استفدت من تجربتك مع جريدة "الكرة"؟ رغم أنني غادرت الأسبوعية الرياضية "الكرة" مباشرة بعد إنضمامي إلى التفلزيون إلا أنني أعتبرها تجربة مفيدة وسمحت لي بالوقوف على كيفية إعداد جريدة. هل كانت التجربة مع التلفزيون سهلة في البداية؟ لقد مكثت سنتين ونصف بالجزائرية الثالثة دون توظيف وقد لازمني رفقة زملائي هاجس التوظيف وهل تنطلق القناة أم لا، فكنا في حالة ترقب إلى أن جاء قرار جويلية 2001 الذي شهد ميلاد هذه القناة. أتذكر أنه في السنة الأولى عرض علي تقديم برنامج حواري ورفضت لأني أعتقدت يومها بأن أي صحفي لا بد أن يمر بالمراحل التالية: 1- بالإضافة إلى المظهر والشكل فلا بد أن يكون للصحفي تكوين وأن يتخرج في مدرسة وطنية أو معهد عال. 2- أرى بأن المرور بتجرية الصحافة المكتوبة ضروري من أجل أن تتعلم ما تقول، لأن في التلفزيون لا تتعلم ما تقول بل كيف تقول، وهناك عدة عوامل مثل التفاعل، الأسلوب والإيماء والإيحاء، والأهم كيف تنقل الرسالة إلى المتلقي. وعودٌ إلى السؤال، فقد حدث أن عرضت علي السيدة المديرة حورية خثير تقديم برنامج حواري من ساعة ونصف حول الإقتصاد في الجزائر، وكان الغرض من المشروع يومها هو خروج الجزائر من مرحلة التدمير والارهاب إلى مرحلة الإنتعاش والحياة والعودة، وأتذكر أنني كنت في تلك الأثناء في قاعة التحرير كصحفي مبتدئ في التلفزيون أشتغل على الروبرتاج والتحرير في القسم الوطني والدولي، وقمت بالمباشر من كذا منطقة من الجزائر، ومكثت سنتين بالتحرير، وخلال السنة الثالثة شرعت في تقديم البرنامج الحواري بعد أن أحسست أنني أستطيع تقديمه خاصة وأنه كان مسجلا مما سهل علي المهمة، ودام البرنامج أربع سنوات، وقبل ذلك وبالتحديد في جانفي 2003 بدأت تقديم الأخبار في نشرة الحادية عشرة والخامسة وفيما بعد قدمت برامج أخرى. دعنا نتوقف عند التتويج الذي نلته مؤخرا ممثلا في جائزة أحسن برنامج حواري هل كانت مفاجأة لك أم كنت تنتظرها؟ بصراحة لم أفاجأ لأن لدي تجربة إعلامية تمتد على مدار 11 سنة كاملة بين الصحافة المكتوبة والسمعي البصري، ولدي بالضبط سبع سنوات تقديم منها خمس سنوات في البرامج الحوارية، لهذا أقول إن هذا التتويج كان حصاد العمل لسنوات متتالية في البرامج السياسية، الإقتصادية بدءا ببرنامج "أسبوع الجزائر"، "الجزائر التنمية" البرنامج الإقتصادي الذي بث في البداية لمدة ساعة ونصف قبل أن يصبح 52 دقيقة، بالإضافة إلى برنامج "الأرز تحت النار" وبرنامج "في دائرة الضوء" الذي قدمت أعدادا منه وهو من ساعة ونصف مباشرا، ثم جاء برنامج "في الصميم"، وبرنامج "بين الشمال والجنوب" الذي يدوم 52 دقيقة مسجلا. وهذا البرنامج يعد عصارة خبرة جزائرية ألمانية واختياري لتقديمه جاء بعد عملية الغربلة التي تمت لاختيار أحسن مقدم ومنشط للبرامج الحوارية في التلفزيون، حيث اخترت ضمن الأربعة الأوائل، وقد وقع الاتفاق عليّ وهذا ليس إنقاصا من كفاءة الآخرين. وقد كانت التجربة في ألمانيا حيث أنجزت العدد الأول ونال استحسانهم خاصة وأن ملامحي تشبههم، والحمد لله لغتي سليمة، سلسلة وإعلامية لا أدبية. قمنا بعملية التجريب أولا حيث عملنا يومين متتاليين بمعدل حصتين في اليوم من 15 دقيقة فقط، وحصل أن كنت خلال التجارب متفهما، وهو ما شفع لي، فكنت متواطئا مع المخرج وبدرجة كبيرة، كما قمنا كذلك بتكوين تحت إشراف مؤطرين من القناة الألمانية تملك خبراء في التدريب، للأمانة أقول أنني لم أواصل التدريب بل كنت أتعاون مع الجماعة لتسهيل مهامهم، كما ساهمت في عملية تكوين الصحفيين الذين كانوا متواجدين معنا، أما عن التتويج الذي نلته فقد كان تحصيل حاصل للعمل السابق الذي قمت به. ما هو آخر برنامج حواري قدمته؟ هو برنامج "بين الشمال والجنوب" الذي نلت عقبه جائزة لسنة 2008، وهنا بودي إعطاء معلومة وهو أنه مباشرة بعد التتويج في القناة الألمانية تم إعادة برمجة الحصة حيث أصبحت تبث في الساعة السابعة بدل العاشرة ليلا بتوقيت ألمانيا. ومن جهة أخرى تم إبلاغ إدارة التلفزيون الجزائري من طرف القناة الألمانية تضمن تمديد سنة إضافية في العقد بدءا من مارس 2009، كما تلقيت تهنئة خاصة من رئيس الأقسام الأجنبية في القناة الألمانية تقييما وتقديرا لي وهو عرفان لما أقدمه اليوم. هل تذكر كيف تمت عملية الانتقاء من بين المترشحين في الجزائر؟ ما أذكره أن السيد ابراهيم صديقي مدير الأخبار عرفني بالوفد القادم من ألمانيا وتحديدا بمصطفى السعيد مدير القسم العربي بالقناة الألمانية. وكان ابراهيم صديقي يعرف بي وبمختلف المراحل التي تدرجتها في التلفزيون. أما المشرف على البرنامج فهو مدير القناة الثالثة السيد زكريا شعبان والذي عادة ما يؤكد لي بأنه ليس لي حل سوى النجاح لأنني صورة الجزائر أمام الألمان. ما مضمون برنامج "بين الشمال والجنوب" بالضبط ؟ هو برنامج حواري نتج عن اتفاق بين التلفزيون الجزائري ونظيره الألماني وفق عقد يمتد طيلة سنة مدته 56 دقيقة يبث شهريا مرة هنا بالجزائر ومرة في برلين بمعدل 12 حلقة، ويتطرق البرنامج إلى كل المواضيع التي تهم الشمال والجنوب بالقضايا الدولية ذات الطابع الإقتصادي، الإجتماعي، الثقافي والسياسي وفي الإستراتيجي بمفهومه الأوسع، بحضور خبيرين من الجزائر، أو من دول الجنوب، وغالبا ما يستفيدوا من الخبرةالجزائرية، لأن بلادنا تعد بمثابة بوابة للحوار والنقاش، كما أردنا أن نبين أن الجزائر تملك كفاءات وأساتذة مختصين وطاقات وحتى علماء يمكن استشارتهم والإستفادة من تحاليلهم. وهناك كذلك خبيران من أوروبا قد يكونا من ألمانيا أو أي بلد آخر ولهم الاختيار وحرية التصرف في الوجوه التي يقدمونها للبرنامج. وبالنسبة لنا فإن السيد المدير العام هو الذي يوافق على الضيوف الذين يشاركوا، كما أنه لا يمكن أن نعين شخصا له سمعة سيئة أو له خلفيات مع التاريخ أو الثورة أو المجاهدين أو الدولة، وعليه يجب أن يكون الضيف يمثل الجزائر وسفيرا حقيقيا لها، وللأمانة أقول بأنه لم تمر لحد الآن في البرنامج شخصية أقل من درجة دكتور. لقد ذكرت أن الصحافة المكتوبة ضرورية قبل اقتحام السمعي البصري، هل تعتقد بأن الصحيفة بهذا القدر من الأهمية؟ الصحافة المكتوبة تعلمنا ماذا نقول، والبحث عن الخبر بخلاف العمل في الإذاعة أو التلفزيون حيث أنك أنت جالس والخبر يصلك عن طريق الفاكس. كما أن الصحافة المكتوبة وبكونها خاصة، فهي تعتمد على ما تنتجه أنت من أخبار، ناهيك عن أنك تتعلم أسلوب الكتابة، وكيف تكتب وتطور موضوعك. لكن لما ندخل إلى التلفزيون نضيف الصورة والصوت إلى الخبر، ومعه تجد نفسك مهيأ للصياغة والأسلوب ويبقى الأمر في كيفية تعاملك مع الصورة وجلب المشاهد في دقيقة ونصف حول موضوع ما، فبدل نصف صفحة في جريدة أعطيه دقيقة ونصفا فقط في التلفزيون. ماذا استفدت مهنيا من التلفزيون حتى الآن؟ ما أريد الإشارة إليه عن مشواري في التلفزيون هو أنه أعطاني فرصا عديدة، حيث قمت منذ 2001 بستة تربصات ولدي أربعة ديبلومات تحصلت عليها في إطار تربصات التكوين، وهذا الأمر أثمنه لأن التلفزيون يحرص على التكوين خاصة في ظل تطور وسائل السمعي البصري، وصراحة أنا استفدت كثيرا من التلفزيون وتطورت آفاق معارفي وهذا ليس معناه أنني وصلت إلى المبتغى. في المدة الأخيرة بدأ الحديث عن تحويل قناة الجزائرية الثالثة إلى قناة إخبارية كيف ترى المشروع؟ لقد علمتنا التجارب من خلال القنوات الأجنبية، حيث يبدأ المشروع بالفكرة وهضمها، ثم التسيير بالأبيض لمدة معينة، لأن المرحلة تكون في طور الإنصهار حتى يهضم الكل الخط الإفتتاحي، والخطوط الحمراء للقناة ثم نشرع فيما يسمى "الريتم" أي المستوى العالي 24/24 ساعة أخبار. فمثلا قناة MBC بدأت البث بست ساعات وما أدراك ما هذه القناة و"الجزيرة" كذلك بدأت بست ساعات ثم تحولت إلى 12 ساعة ثم 24 ساعة، ناهيك عن أرمادة من الصحفيين الأكفاء. وكل هذا يعتمد أساسا على التحضير الدقيق والكبير على نحو ما حدث لقناة الجزيرة التي مرت بعامين تحضيرا على ما أعتقد. لهذا من المجازفة أن نقول بعد شهرين ستبدأ قناة إخبارية 24/24 ساعة، فقد علمتنا الرياضة أنه لا يمكن أن نخوض منافستي كأسي العالم وإفريقيا مثلا بفريق يلعب في القسم الأول أو دونه. حسب رأيك هل ستكون قناة الأخبار ذات مواصفات عالمية أم ستبقى حبيسة السمعي البصري في الجزائر؟ أعتقد أن التلفزيون الجزائري عندما يمشي في مشروع قناة بث اخبارية فإن الساحة الإعلامية العالمية مملوءة وإذا أردنا ذلك علينا بالتميز أو الاستثناء في هذه القناة. الآن عندما نتكلم عن إمكانية فتح السمعي البصري علينا أن نتساءل عن الإضافة التي سيأتي بها هذا التفتح، فإذا كانت المسألة تكمن في قرار سياسي، فحين يأتي ويحدث القرار سيكون مصير التلفزيون مثل مصير الجرائد العمومية اليوم. ثانيا يجب أن يلتزم السمعي البصري الخاص بالمسؤولية الأخلاقية وتقاليد المجتمع الجزائري والخطوط الحمراء ولنا المثال الحي عن الإنفتاح الذي عرفه الإعلام المكتوب حيث إنحرف في بعض الأحيان على منوال ما حدث في الإنتخابات الرئاسية سنة 2004، حيث تحول إلى منبر للأحزاب ومس حتى أعراض الرجال في جرائد ذات سحب كبير. ولعل الحديث عن انفتاح السمعي البصري يجرنا إلى الحديث عن المشهد اللبناني حيث أن هذا البلد له تجربة مريرة في السمعي البصري، إذ بمجرد أن يتحرك تيار يثور الآخر ويقذفه بعبارات وألفاظ قبيحة ولاذعة على المباشر. لذا أرى بأن المسألة مسألة وقت للانتقال إلى الإنفتاح وأنا أقول هل يستطيع الجزائري اليوم الصمود أمام أي قناة لمدة 30 ثانية، لقد بات يغير القنوات المتعددة بل الآلاف منها، والسؤال كيف سنحجز لأنفسنا مكانا في هذا الزخم. ثم إذا أردت أن تكون لديك قناة إخبارية جزائرية، فهناك النظرة المحلية لهذه القناة، إذ لا بد أن ترتكز على بعض الرسائل خارج الحدود، وهنا أقول ما عسى أن يكون شكلها، لونها، ماذا أريد، من أخاطب وكيف يتم ذلك. إن المعضلة تكمن في المضمون وكيف نسوق الخبر بصيغة جديدة لمتلق يعيش في سنة 2008، فلا يخفى على أحد اليوم أننا نتواجد في مجتمع يعيش في فترة حصاد العولمة وله خيارات كثيرة، فكل شيء تغير في الجزائر، أنماطنا المعيشية والاستهلاكية، وفي خضم هذا الزخم من حياتنا اليوم نريد أن ننشئ قناة تدافع عن ملامح ما تبقى من سيادتنا، قيمنا أو بصماتنا في العالم. فحتى الشباب اليوم أصبح يلبس قميص رونالدو بدل ماجر أو بلومي ويلبس قميص "سلين ديون" بدل خليفي أحمد، فالحياة تغيرت كليا، وفي هذا الزخم كيف يمكنني أن أجد هامشا أخاطب به هذا الشباب الذي يحس بالغربة وهو في بلاده. وأعتقد أن اليوم فيه نوعا من الجدران بين صاحب الرسالة وبين المتلقي. أي مستقبل للصحافة بصفة عامة والسمعي البصري بصفة خاصة؟ إذا حدث الانفتاح في السمعي البصري فأرى بأنه متأخر، وإذا تجسد فهو ضرورة لأننا لا بد أن نكسر الجدار الذي يقف حائلا بين الخطاب والرسائل التي نريد إيصالها للشباب وللمثقفين بلغتهم ومستواهم وانشغالاتهم. واليوم لا نستغرب إذا توجه شباب إلى قنوات أخرى ليجد الفتاوى التي يبحث عنها وكل الأمور التي تستهدف الجزائر وما أكثرها في تقاليدنا ومذهبنا السني ووحدتنا ومقوماتنا. ماهي مشاريع الصحفي خالد مستقبلا؟ بإذن الله سأواصل العمل بنفس العزيمة. ما نوع الكتب التي تطالع؟ أميل إلى الطابع القصصي والتاريخي والحضارات الرومانية والفارسية. ماذا تقول لقراء المستقبل؟ كونوا أوفياء للمستقبل ويجب أن تكون نظراتنا إلى المستقبل متفائلة بناءة وكل واحد يسأل نفسه ماذا قدم وخطط للمستقبل.