محمود سعد فرص مصر في الترشح لكأس العالم ضئيلة، لكن هذا لا يعني أن الجزائر صعدت للمونديال استطعت الخلط بين المتدينيين والراقصات والساسة في حواراتي محاور، يجيد جلب الانتباه، تتابعه ولا تتوقع ماذا سيقول لضيفه، كيف سيجعله يعترف، ما لم يكن يجرؤ أن يبوح أو يعترف به، الضيف أمامه لا يقوى على كتمان شيء، يجلس وكأنه منوم مغناطيسيا، لايرفض له سؤالا، بسيط لا يتصنع التواضع. * * استخدام الإثارة في الحوارات وسيلة لجذب الانتباه لكنني لا أعتمد عليها بشكل أساسي، وجرأتي سببها أن ضيوفي أصدقائي ويتقبلون ما أقوله بعيدا عن الحياة الشخصية * حياته لم تتغير رغم الأضواء والشهرة والشعبية الواسعة التي يتمتع بها، فهو مازال يسكن في شقته بحي السيدة زينب الشعبي، رافضا الانتقال لفيلته بمنطقة الشيخ زايد الراقية، يعيش حياة ببساطة تامة، عندما تأخذ موعدا منه لتحاوره سيتملكك شعور بالخوف، كيف ستحاوره وهو المحاور الأول عربيا؟، من أين ستأتي بالأسئلة، وكيف ستصمد أمامه وهو الذي انتزع اعترافات العشرات ممن التقى بهم عبر مسيرته في التلفزيون، محمود سعد أحد الشخصيات التي تحظى بحب الجمهور، يطل على المشاهدين من خلال برنامج البيت بيتك على التلفزيون الحكومي المصري، يعتبره رجل الشارع صوته المدافع عنه، فهو ببساطة ينقل عبر فقرته هموم الناس وأوجاعهم، لا يرى حدودا ولا توقفه الضغوط، من وجهة نظره أن حرية الإعلام شيء لا يمكن المساس به ومن حق الإعلامي أن ينتقد كيفما يشاء دون أن يكمم أحد فمه، سعد الذي اعتاد أن يتواصل مع الناس يشعر بألمهم يزورهم في مرضهم، يشاطرهم أحزانهم، بدأ حياته صحفيا عام 1978 ثم تدرج في المناصب حتى بدأ نجمه يلمع في التلفزيون، ليصبح أحد أقوى الإعلاميين في الوطن العربي، بكاريزما يحسده عليها منافسوه في المجال، وتعامله دون تكبر مع ضيوفه منحه ثقتهم، الحوار مع محمود سعد مختلف، فالأسئلة تتوه أمامه، ولا تملك إلا أن تستمع له، وستنسى كل شيء بمجرد أن يبدأ هو الحديث، فالحوار معه أشبه بمغامرة، ستخرج منه بالعديد من الفوائد. * · في البداية نريد أن تحدثنا عن قصة نجاحك، وكيف وصلت إلى هذه المكانة؟ * ** بدأت حياتي الصحفية في مجلة صباح الخير والتحقت بها عام 1978 كصحفي في الصفحة الفنية، وتدرجت بها حتى أصبحت رئيس القسم الفني ثم عضوا في مجلس إدارتها، ثم أصبحت رئيس تحرير مجلة الكواكب في عام 2001 حتى 2006، وأثناء عملي بمجلة صباح الخير كنت رئيس مكتب جريدة الوطن الكويتية في القاهرة على مدار عشر سنوات وبالتحديد من عام 1984 إلى 1994 وحاليا أنا مدير مكتب مجلة لها في القاهرة. أما بدايتي كمذيع فقد كانت في برنامج على ورق وقمت بإعداد وتصوير أول حلقة في البرنامج عام 2001، وتمت إذاعتها في11 أكتوبر عام 2001 بقناة دريم، ثم تركت دريم واستكملت ماتبقى من حلقات البرنامج في قناة MBC، وأقدم حاليا برنامج البيت بيتك في التليفزيون المصري. أما كيف وصلت لما أنا فيه، فهذا أمر بيد الله ولم أتخيل في يوم أن أكون مذيعا، خاصة أنني بدأت العمل في التلفزيون متأخرا بعد نحو 23 عاما من العمل في الصحافة، والشهرة أمر لا يهمني بقدر ما يهمني حب الناس وتقديرهم لي. أما نجاحي فكله كان فضل من الله إلى جانب وقوف والدتي رحمها الله إلى جانبي وزوجتي الكاتبة الصحفية نجلاء بدير لها دور كبير أيضا فيما وصلت إليه والحمدلله أنني استطعت أن أصل إلى الجمهور الذي يحبني ويتفاعل معي. * · وهل كان استخدامك للإثارة في حواراتك مع ضيوفك أحد أسباب نجاحك وهل مازلت تعتمد عليه حتى الآن؟ * ** لا خلاف على أن استفزاز الضيف واستخدام الإثارة في الحوارات وسيلة لجذب الجمهور، وربما يكون أحد أسباب النجاح، لكنه ليس السبب الرئيسي، بدليل أنني لم أعد أتعامل مع ضيوفي بنفس الطريقة التي كنت أتعامل بها معهم، ثم إن لجوئي في بداية عملي إلى إثارة الجمهور بمعلومات عن الضيف وطرح أسئلة جريئة عليه كان سببه أنني كنت صديقا لضيوفي، خاصة وأنني بدأت عملي التلفزيوني مع الفنانين ومعظمهم من أصدقائي، لذلك كنت أعلم عنهم كل شيء ولم يكن يغضبهم أن نتحدث في هذا على شاشة التلفزيون بعيدا عن حياتهم الشخصية، أما الآن فأعتمد على الحصول على أكبر كم من الاعترافات من ضيفي وأحاول انتزاع المعلومات منه انتزاعا حتى لو كان حريصا ألا يقولها، كما أن تنوع مجالات عمل ضيوفي لا بد أن يقابله تنوع في أساليب الحوار، أحاول جاهدا أن أكون مميزا فيها جميعها. * · لكن كيف استطعت الخلط بين المتدينيين والراقصات والمغنيين أي أنك نجحت في التعامل مع الجميع وأثبت نجاحا ملموسا شعر به المشاهد؟ * ** أنا أساسا بدأت حياتي بالعمل صحفيا ومن الطبيعي أن يتقن الصحفي التحاور مع الجميع ومن السهل على الصحفي حتى لو كان يعمل في القسم الفني أن يحاور سياسيا وأن يتعامل معه ويخوض معه في كافة المجالات لأن هذا هو عملي ويتوجب أن أكون على كفاءة تمكنني من اتقانه، لذلك فعندما أحاور فنانا فإن الأسلوب يختلف عن الحوار مع وزير أو أحد رجال الدولة، لكن الأخطر كان الحوار مع رجال الدين لأنني عندما أستضيف شخص بمكانة الشيخ خالد الجندي، لم أفعل مثل الذين يستضيفون الشيوخ ليستمعوا لهم دون تعليق، بل استطعت أن أجادله وأسأله لأنني قرأت كثيرا في الدين، وليس الأمر بالنسبة لي مجرد حوار سيمر، فكل خطوة يجب أن تكون محسوبة، وللعلم أنا دائما ما أكون قلقا قبل خوض أي تجربة، وعندما أقدمت على الحوار مع الشيخ خالد كنت أعلم أنني قد أفشل في هذه التجربة، لكنني وفقت فيها بدليل أن أحدا لم يتحفظ على أنني ألتقي الشيخ خالد الجندي اليوم، ثم أستضيف فنانة قديرة مثل أنغام أو ألتقي بوزير الصحة المصري، فالمشاهد تقبلني هكذا، ولم يزعجه الخلط بين المتدينيين والفنانيين والساسة وحتى الراقصات لأن عملي يقتضي أن أتعامل مع الجميع دون أن تكون لدي تحفظات على التعامل مع فلان أو فلانة، لأن مهنتي تستدعي البحث عن المعلومات، والحقيقة ولا يمكن أن أنجح إذا لم أستطع تحقيق المطلوب مني في الخلط بين كل هؤلاء. * · ومن هو مثلك الأعلى من مقدمي البرامج القدامى؟ * ** لم يكن لي مثل أعلى في التلفزيون، لأنني لم أتخيل يوما أن أعمل مذيعا وأن أظهر على الشاشة، لكنني تأثرت بكثيرين ممن أثروا التلفزيون المصري عبر تاريخه. * · وسط نجاحك العربي وتواصلك مع المشاهدين، هل تمتلك جمهورا في الجزائر؟ * ** بالطبع وأكثرهم التقيت بهم في السعودية، ورغم المرات القليلة التي زرت فيها الجزائر، إلا أنني شعرت بحب الجزائريين وأخبروني أنهم يتابعونني حتى أنهم طلبوا مني أن أتطرق للجزائر في برامجي ووعدتهم بذلك في أقرب فرصة. * · وماهو انطباعك عن الشخصية الجزائرية؟ * ** الجزائريون شعب رائع ويعشق المصريين، ولا صحة لما يقال عن وجود خلافات أو ذرة كره بين مصري وجزائري، فنحن المصريين نحب الشعب الجزائري لما تعرض له من أحداث تاريخية، والطبيعي أن يحبوننا لأنهم مروا بنفس ظروف الاستعمار التي مررنا بها، والتعاطف بيننا مشترك، وصدقني عندما يجد الجزائريون مصريا في بلدهم يوقفونه ليستمعوا منه إلى اللهجة المصرية التي يحبونها، كما أن الشعب الجزائري مازال يتمسك بما تبقى من التراث العربي، خاصة وأن الشعب الجزائري تأثر كثيرا بالاستعمار الفرنسي، وهم يحبون مصر لأنها مازالت تحمل روح العروبة، وكل الكلام عن عداوات أو خلافات بين البلدين مجرد مهاترات لا طائل منها، ولن تؤثر في العلاقة المتينة بين الشعبين، والدليل أننا عندما نزور الجزائر نلقى أفضل معاملة وبالعكس عندما يزورنا الجزائريون نحملهم فوق رؤوسنا لأن هذه هي حقيقة العلاقة بيننا. . * · وما رأيك في الحساسية التي تشهدها المقابلات الرياضية بين المنتخبين المصري والجزائري؟ * ** طبيعية جدا، ولا يمكن وضعها في حجم أكبر من أنها مجرد تشجيع كروي عادي جدا، يحدث في كل الفرق وكل البلدان والدليل أن الأهلاوي والزملكاوي يتشاجران ويختلفان حول الكرة، رغم أنهما مصريين، وهذا ليس معناه أنهما يكرهان بعضهما، وفي الجزائر أنصار الفرق يختلفون في وجهات النظر، وفي تشجيع فريقين مختلفين، وهذا طبيعي جدا وليس معنى أن مصر وقعت مع الجزائر في مجموعة واحدة أن الجزائريين يكرهون المصريين أو العكس، الكرة يجب ألا تكون مقياسا لحجم العلاقة بين بلدين مهما كانت نتائج المبارايات، فالطبيعي أن الشعب العربي متعصب لكرة القدم ويكره الخسارة، لكننا لا نكره بعضنا البعض. * · كيف ترى فرصة مصر في الصعود لكأس العالم العام المقبل؟ * ** صعبة للغاية، لكن ليس هناك مستحيل، ورغم الفوز على رواندا بثلاثية فإن المستوى غير مبشر ولا يؤهلنا للمونديال فالمشوار صعب. * · هل يعني هذا أن الجزائر الأقرب للمونديال؟ * ** لا، لم تضمن الجزائر بعد الترشح لكأس العالم لأن الكرة لاتعرف المستحيل، وأنا أتمنى أن تتأهل مصر حتى يفرح المصريون، وليس صحيحا أن الجزائر تضمن الفوز على رواندا وزامبيا لأن كل شيء وارد في الكرة فهل كان أحد يصدق أن تفوز مصر على إيطاليا.. ولا في الأحلام. *
* · بعيدا عن كرة القدم، من أهم الشخصيات التي وصلت إليها وحاورتها؟ * ** كل الشخصيات التي استضفتها منذ بدأت العمل مهمة وجميعهم مميزون، كل في مجاله، لكن الأهم على الإطلاق يدعى "مو إبراهيم"، ربما يكون غير مشهور بالنسبة للناس وهو سوداني مصري يمتلك ثروة تقدر بالمليارات من العمل في التجارة بأوروبا، فجأة عندما وصل لسن الستين تخلى عن كل هذه الأعمال واكتفى بما جمعه وقرر إنشاء جائزة الحكم الرشيد تمنح للحكام الأفارقة الذين تركوا الحكم في بلادهم وحققوا فيها انجازات تذكر وأنا أرى أن هذه الجائزة أفضل مليون مرة من جائزة نوبل، لأنها تبحث عن حكام يتنازلون عن الحكم ولا يتشبثون به وقيمة الجائزة 5 ملايين دولار تمنح من خلال لجنة تضم نيلسون مانديلا وكوفي أنان وشخصيات بارزة أخرى. * · هل يمكن أن يناقض محمود سعد نفسه؟ * ** من الوارد جدا، لكن ليس بمعنى التناقض، فأنا لا أحمل وجهات نظر شخصية ناحية أحد، لكنني يمكن أن أقول رأيي في شخص ثم أكتشف أنه كان خاطئا بتغير المواقف، هنا يمكنني أن أتراجع عن رأي مسبق وأقول رأي جديد لا يحمل أي وجهات نظر شخصية، لأنني لا أحمل داخلي شيئا لأحد. * · حاورت داخل السجن الرجل الذي قتل زوجته وأولاده وتم الحكم عليه بالإعدام كيف كانت هذه التجربة؟ * ** طلبت من وزارة الداخلية إجراء حوار معه وحصلت على الموافقة وكنت أهدف لأن يكون هذا الحوار عبرة لغيره، كما أن الموضوع يستفز مشاعر أي إنسان، كيف لأب أن يقتل أبنائه وزوجته، أردت أن أرى عن قرب هذا الإنسان وعندما التقيت به لم أشعر تجاهه بأي شفقة رغم أنه محكوم عليه بالإعدام، التجربة كانت مهمة بالنسبة لي فالحوار مع شخص سيموت ويعلم أنه يموت يختلف عن الحوارات الأخرى فمنه ستمع كلاما لن تسمعه من الآخرين. * · في النهاية هل أنت راض عما وصلت إليه سواء مع قنوات mbc أو التلفزيون المصري؟ * ** راض عن الفترة الماضية وأشعر أنني حققت ما أريد من النجاح، وليس صحيحا أنني تركت قنوات mbc لأنني قد أعود إليها قريبا، وكل ما في الأمر أنني أخذت إجازة وسأعود لأنني مرتبط بهذه المحطة الكبيرة التي منحتني جزءا كبيرا من نجوميتي عربيا. * · كانت لك تجربة إذاعية في الإذاعة المصرية ببرنامج »اسمع الخبر« هل ترى أنها حققت النجاح المطلوب؟ * ** الناس يريدون أن يكون نجاحي في الإذاعة بنفس مقدار نجاحي في التلفزيون، وهذا مستحيل عمليا وعندما تركت البرنامج جاءتني ردود أفعال تطالبني بالعودة مما يدل أن التجربة نجحت، كما إنني راض شخصيا عن التجربة لأنها مختلفة بعيدا عن الصحافة والتلفزيون، وللعلم فالمنتج يفاوضني الآن لمعاودة إذاعة حلقات جديدة من البرنامج على إذاعة الشرق الأوسط.