تعتبر الصحفية سامية بورماد من الأقلام النسوية الأولى التي اقتحمت عالم الصحافة الرياضية، رغم كون هذا المجال كان مقتصرا ولوقت طويل على الرجال فقط، ولم يكن الأمر صعبا على إعلامية اختارت منذ نعومة أظافرها الفضاءات الرياضية كهواية قبل أن تنتقل إلى ممارستها. ندعو القارئ الكريم إلى تتبع بعض الجوانب الشخصية من حياة هذه الصحفية، بدءا بمرحلة عشق الرياضة ومرورا بظروف التحاقها بالصحافة وانتهاء بآرائها حول واقع هذا الميدان اليوم. *بعد 17 سنة في حقل الإعلام الرياضي.. كيف تنظر الصحفية سامية بورماد إلى مشوارها الرياضي؟ - بعد تخرجي في معهد علوم الاعلام والاتصال سنة 1990 التحقت بجامعة باب الزوار كملحقة إعلامية، غير أن الرحلة لم تدم طويلا في ذلك المنصب الإداري فقررت المغادرة والاتجاه نحو الكتابة الصحفية، وبالضبط بجريدة "الخبر" سنة 1991، حيث عملت في قسم المجتمع ثم غيرت مساري فاتجهت إلى القسم الرياضي ومكثت هناك حتى سنة 1997. ثم اشتغلت في عدة عناوين منها "الجزائر غدا"، "الأصيل"، "اليوم" ،"صوت الأحرار" و"أخبار العاصمة" وآخر محطة كانت جريدة "الفجر" سنة 2000 والتي ما زلت بها إلى يومنا هذا. * لماذا غادرت جريدة "الخبر" بعد قضاء خمس سنوات بها؟ - خلافا لما قد يتبادر إلى ذهن البعض فإن مغادرتي ل "الخبر" لم يكن بسبب مادي بقدر ما كان مشكلا يخصني أنا بالدرجة الأولى، فقد حصل في فترة ما أن طُلب مني مغادرة القسم الرياضي والالتحاق بقسم الإشهار بدعوى أن الجريدة بحاجة إلي في هذا الميدان الحساس، ورغم أنني كنت على علم بأنني سأبتعد عن الميدان الرياضي لمدة عام فإنني قبلت المهمة على مضض وكلي أمل في العودة إلى القسم الرياضي كما وعدني به المسؤولون آنذاك، لكن ما حدث لم يكن في الحسبان، حيث منعت من العودة إلى القسم الرياضي المذكور وقوبلت برفض قاطع، وهو الأمر الذي لم أتحمله فاخترت مغادرة الجريدة وعدم المكوث في فضاء لا أحبه، خاصة وأنني منذ بداية مشواري كنت أحلم بالعمل في القسم الرياضي. وفي جانب آخر كنت كذلك على يقين بأن مغادرتي لجريدة "الخبر" سوف لن تكون نهاية العالم، وأن أفق العمل في الرياضة ممكن جدا، وهو ما ترجمته لاحقا عندما التحقت بالجرائد المذكورة التي عملت بها قبل استقراري في جريدة "الفجر". *المتمعن في مسارك المهني يلفت انتباهه عدم الاستقرار الذي ميز رحلتك مع الصحافة، هل يعود هذا إلى طبيعة مزاجك؟ - دعني أوضح بعض الأمور، فمثلا بالنسبة لجريدة "الجزائر غدا" أتذكر أننا كهيئة تحرير قمنا بدورنا كما يجب في التحضير لانطلاقتها، غير أن ذلك لم يحدث لأسباب خارجة عن نطاقنا، وأعتقد أن هذا يبرر سبب مغادرتي لها. ثم جاءت تجربة "صوت الأحرار" ومغادرتي لها كانت بسبب مبدأ يكمن في عدم تلبية القائمين عليها للطلبات التي تقدم بها الصحفيون، ومنها الزيادة في الأجور وتحسين ظروف العمل، فلم يكن لي مخرج سوى المغادرة والبحث عن فضاء آخر لممارسة مهنتي، وكانت المحطة التي تلتها بجريدة "أخبار العاصمة" التي كان يسيرها السيد ناصر الدين سعدي، والحق يقال كانت تجربة فريدة في مشواري، باعتبار أن الجريدة كانت تعتمد أساسا على الإعلام الجواري وتهتم بالشأن العاصمي ووسط البلاد بصفة عامة، لكن مع الأسف توقفت الجريدة بعد عام من الصدور بسبب خلافات نشبت بين مالكيها، وهو ما اعتبرته نذاك خسارة كبيرة للإعلام الجواري. أما تجربتي في جريدة "الأصيل" فقد كانت قصيرة، لكنها غنية من حيث التجربة، وهنا بودي ذكر اسم الأخ فيصل الشريف الذي كان يديرها، حيث تشرفت بالعمل معه، وهو بكفاءته يفرق بين المهنة وما يحدث خارجها. * يبدو أن التموجات التي عرفها مشوارك الصحفي انتهت بانضمامك إلى جريدة "الفجر".. هل يمكن القول إنك مرتاحة بها إلى حد ما بعد ثماني سنوات؟ لا أنكر أن بداياتي بالجريدة كانت جيدة على كل المستويات، ولا أنسى فترة تعاملي مع المرحوم زايدي سقية رئيس التحرير، حيث أتذكر أنه كان ملمّا بالميدان الرياضي على غرار الميادين الأخرى، ولعلّ التجربة النوعية التي استفدت منها وأنا أتحدث عن تجربتي في جريدة "الفجر" كانت تعينني من فترة إلى أخرى كرئيسة القسم الرياضي، الأمر الذي سمح لي بمعايشة تجربة أخرى من خلال تلك المسؤولية رغم أنه سبق لي أن تقلدت هذا المنصب في عناوين أخرى، وربما يعود ذلك إلى الظروف والمعطيات التي رافقت ذلك ساهمت في تأكيدي على أهمية ما قمت به في جريدة "الفجر" لحد الآن. * إن ما يميز تجربتك مع "الفجر" ويجعلها كذلك فريدة هو أنّك لأول مرة تتعاملين مع امرأة في منصب مدير النشر، فهل كان لهذا العامل أثر في مشوارك؟ - بصراحة أودّ القول في البداية إن أهم نقطة استفدت منها من خلال احتكاكي بمديرة النشر السيدة حدّة حزّام هو التحدي، إذ رغم المشاكل التي واجهتها إلا أنها تمكنت من تجاوز كل الصعاب وتوصل هذا العنوان إلى مرحلة معينة من الاستقرار، وكان لهذا الانجاز أثره الطيب في نفسي، حيث أنني اتخذتها كقدوة في التحدي والاصرار على تحقيق النجاح والهدف المسطر، فكان لي ما أردت رغم أنني أحس بأنني ما زلت لم أصل بعد إلى المستوى المطلوب، وهو ما يجعلني دائما تواقة إلى اكتشاف أشياء جديدة في مهنة تتطلب قدرا معينا من التضحية في سبيل القارئ. * نحن نعلم أن ولوعك في ميدان الرياضة لم يكن فقط عند تخرجك في المعهد، بل هو يمتد إلى سنوات قبل ذلك بكثير، فكيف تعلقت بهذا الميدان؟ في الواقع علاقتي بالرياضة بدأت مبكرا وبالتحديد منذ عام 1975 بمناسبة نهائي ألعاب البحر الأبيض المتوسط في كرة القدم بين منتخبنا الوطني ونظيره الفرنسي، وكان عمري آنداك لا يتجاوز الثماني سنوات، وأتذكر كيف تفاعلت مع ذلك الحدث وعشت اللقاء مثل بقية الشغوفين باللعبة والألوان الوطنية. وأستطيع القول إنه منذ ذلك اللقاء التاريخي أصبحت شغوفة بكل ما يتعلق بالرياضة وصرت متابعة وفية للأخبار الرياضية في الراديو والتلفزيون وجريدتي "المجاهد" و"الشعب". كما عشت كذلك لحظات فوز مولودية الجزائر على حافيا كوناكري في نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1976 وبعدها بعامين تابعت الألعاب الإفريقية التي نظمتها بلادنا. * رغم أنك بدأت العمل في بداية التسعينيات إلاّ أنك لامست واقع الصحافة الرياضية قبل ذلك، بدءا بالتربص الذي أجريته بجريدة "المنتخب" الرياضية أي الفروقات الموجودة بين الكتابات الرياضية الماضية والحالية؟ - نعم بالإضافة إلى التربص الذي خضته مع "المنتخب" الرياضية فقد كانت لي ملامسة أخرى مع الإعلام الرياضي من خلال مجلة "الوحدة الرياضية" فبفضل الصحفية وهيبة بلحوى استطعت الوقوف على بعض مبادئ العمل في الصحافة الرياضية، والحمد لله أنني تعلمت تلك المعارف والمبادئ يومها، لأن ما يوجد حاليا يختلف تماما، لأن في الماضي كان العمل الميداني مقدسا وكل جهود الصحفيين تسخر للمعلومة الرياضية الصحيحة، واليوم أستطيع القول إن مهنة المتاعب أصبحت مهنة المكاتب، من خلال اعتماد الصحفي على الانترنت والاتصالات التي تتم بين الصحفيين، وهو ما ساهم في تهميش العمل الميداني في الصحافة الرياضية. فإذا استثنينا الأسبوعيات الرياضية التي تنتقل إلى عين الحدث، فإن أغلب الصحافة الرياضية تعتمد على الأساليب المذكورة، مع إفراط بعض الأسبوعيات في التجاوزات المنافية لأخلاقيات المهنة من خلال إجراء حوارات وهمية مع رياضيين، فكم من لاعب ومدرب أو رئيس فريق اشتكى من هذه الظاهرة، أما جنوح بعض العناوين الرياضية إلى انتهاج أسلوب اللغة »الدارجة« فقد أدى بها إلى فقدان قيمتها، لأن الصحافة كما تعلمناها تستعمل لغة سليمة وهي قبل كل شيء وسيلة تثقيفية. * الكثير من مسؤولي الجرائد لا يعيرون اهتماما بالقسم الرياضي، هل يختلف الأمر في جريدة "الفجر" مثلا؟ - القضية في اعتقادي لا تتعدى هذه المعادلة، إذا كنت تملك رئيس تحرير يفقه في الرياضة فإنه يفتح لك المجال واسعا، أما في حالة العكس فيحدث العكس. * لكن هذا لم يمنع بعض الصحف وخاصة اليوميات من تخصيص حيز معتبر للرياضة، خاصة في السنوات الأخيرة، هل تعتقدين أن هذا الاهتمام نابع من مكانتها العالمية كعنصر اقتصادي وسياسي؟ - أولا، لا أضيف شيئا إن قلنا إن الصفحة الرياضية تحوز على مقروئية واسعة، وهذا الأمر يؤدي منطقيا إلى رواج الصحيفة، ناهيك عن بعض الملاحق الرياضية التي يتم إصدارها بتوقيع أقلام تحوز عليها الجريدة متخصصة في هذا المجال، كما أن الإمكانات الموجودة تسمح بإصدار ملحقات عديدة. * بصراحة هل أنت راضية عن مسيرتك المهنية؟ - أنا ما زلت أتعلم والطريق ما يزال طويلا، لكن أحمد الله كوني عاشرت الجيل القديم وأقلاما معروفة مثل المرحوم مختار شرقي، ويزيد وهيب الذي اعتبره اليوم صحافيا محترفا لأنه يعتمد على كتابات مركزة ومختصرة وهادفة.