يتنا حين نقرأ أو نسمع كلاما حكيما، سواء من ما أنزل اللّه في محكم كتابه أو ما ثبت عن نبيه أو ما جادت به قريحة العلماء والمفكرين الذين يريدون الإصلاح في الأرض ليسعد الإنسان فيها حينا من الدهر، نتمعن هنيهة في كنهه ونتدبر معانيه علنا نستنير بهداه... ولقد استوقفني حديث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.. "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وتخيلوا لو طبق هذا الحديث لمنع مجتمعاتنا عن الضياع ولكانت بلداننا، مدننا، قرانا وعائلاتنا واحات نعيم وأمن لا يخاف فيها الإنسان إلا اللّه أو الذئب على غنمه، ولربما لو أصلحنا ذات بيننا لأصلح اللّه بين الذئب والغنم. فمن البيت إلى الشارع إلى المعمل إلى المدرسة إلى الإدارة، كل واحد من الرعية يحس بمسؤولية تجاه مجتمعه، ولا يردد تلك العبارات التي تجذرت في مجتمعاتنا وجعلتها مرتعا للمفسدين: "ما دخلي! لا يهمني! ليس رزق أبيك! رزق »البايليك«!... إلخ" وجعلوا منها حججا للتخريب وعدم الاكتراث بما يجري حولنا من فساد، وأخرصوا بها كل من سولت له نفسه أن يقول هذا منكر وفساد.. ولقد جلت في رحاب العالم من أقصاه إلى أدناه ورأيت كيف تعيش معظم الشعوب والمجتمعات المتخضرة، وربما حتى الأقل تحضرا نوعا من التعاضد والمسؤولية تجاه بلدانها وما فيها... وراعني أن أجد العكس في مجتمعنا... حتى أصبح الجار يرى بأم عينه كيف يخرب بيت جاره فيأمر أولاده برفع صوت التلفزيون حتى لا يصله ما يجري بعتبة داره. أو يعتدي على امرأة في وضح النهار وهي تستصرخ فلا يجرؤ أحد أو تهزه الأريحية أو الشهامة لأن يرد عنها يد المعتدي... وشتان بين اليوم ويوم "وامعتصماه"!! يقول أحد العالمين من الرعيل الأول، قرأت في الكتب القديمة أن اللّه عزّ وجل يقول: "يا راعي السوء أودعتك غنما سمانا، فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت السمن ولبست الصوف، وتركتها عظاما، ولم ترد الضالة ولم تجبر الكسيرة، اليوم أنتقم لها منك".