إن المتجول في الأحياء العمرانية وبين "الفيلات" الكبيرة يخلص لنتيجة واحدة وهي أننا لا نجتهد كثيرا في تنويع أشكال مبانينا ونتفق حول المربع العمودي لنربح أكبر عدد من الغرف، طريقة أصبحت تأخذ بعدا كبيرا في يومياتنا حيث تصدمك الأشكال المحنطة وتكبح خيالك لتتمنى فقط أن تحصل على غرفة تسجن فيها أنفاسك وتقيد خيالك. موضوع لم يكن متداولا من قبل وقليلون جدا من بحثوا في هذا الجانب من العمارة ومنه تأثير الشكل على الحالة النفسية للإنسان من عدة نقاط، أولها المعاني الإيحائية لعناصر التشكيل وثانيها هو إيحاءات الأشكال الهندسية بالنسبة للإنسان ومدى علاقة ذلك بحالة الإنسان وطبعه. وأكثر ما توحي به عناصر التشكيل من معان وأفكار، الإيحاء بالعظمة والسمو، بالحركة والسكون، بالبهجة أو بالاندفاع دون أن يكون لهذه العناصر أي معنى ممنوح لها أو مرتبط بها مسبقا ً. فالأشكال ليس لها معنى إلا عندما يستعملها الإنسان فهو الذي يحدد معناها بالنسبة لنفسه. هذا المعنى الذي تترجمه أحاسيسه الشخصية إزاء رؤية الشكل، الذي طالما بقي دون وظيفة نفعية فإنه لا يوحي لنا إلا بما يصدر عن خواصه. فمثلا يمكن أن يختلف إيحاء السلّم بحركة الصعود باختلاف سمته. فالشكل الحلزوني له يوحي بفكرة الصعود الصعب في حيز ضيق ويدل بوضوح على دوره البسيط كعنصر ربط واتصال بين مختلف الطوابق، أما إذا استقامت درجاته وزاد عرضه وقلت زاوية الصعود فإنه يتضمن إحساساً بعظمة وسمو لم يستطع السلّم الحلزوني أن يعبر عنها. وهكذا فالإيحاء الذي ينبثق من الشكل يرتبط دائماً بالمضمون المحدد له، الذي يملي على المهندس المعماري اختيار الأشكال للحصول على التعبير والمعنى المطلوبين؛ فالمضمون الفكري لمقبرة مثلا لا يصح معه تجميع عناصر تشكيل ينبثق منها إحساس بالحياة والحركة. فإن عناصر التشكيل في استعمالاتها المختلفة تكتسب معاني ينتج عنها إيحاءات ربما تبقى حتى ولو اختفى المضمون الذي أحدث اختيار الأشكال وهذا ما نقف عنده بالنسبة للكثير من المباني القديمة والقصور التي أصبحت مقرات لمؤسسات ثقافية واجتماعية . وأيضا إذا تمعنا في التأثير الإيحائي للخطوط وأهميتها التشكيلية في الزخرفة الإسلامية للعصور المختلفة فإننا نجد الخطوط قد استعملت بطرق متنوعة حيث ارتبطت بعناصر معمارية أو حلي زخرفية هي من الشواهد القوية على الحضارات. إن ظاهرة الجاذبية الأرضية هي بالنسبة لإحساسنا الحركة الطبيعية، وكل حركة مضادة تتطلب مجهودا أكبر حتى نصل إلى الهدف، وصعود مستوى مائل أكثر مشقة من نزول وهكذا نفهم قيمة تحديد اتجاه خط لتحديد معناه وكيف يكون الشكل حيا في زواياه الأربع. ونحن لازلنا نبني وفقا لنفسية مقهورة لا تريد أن تتحرر من عقدها بل وجعلنا من طريقة اختيارنا للأشكال نموذجا لترجمة المستوى المحدود للجمال في حياتنا. فما فائدة أن نحيا مثل الأموات؟