نقل أول أمس موقع "أغورا فوكس" مزيدا من التفاصيل التي أدت إلى بعث حادثة مقتل الرهبان الفرنسيين، وشكك الموقع في أن القضية لا تعدو أن تكون تواطؤا تم بين قصر الإليزي وجريدة "لو فيغارو" الجد مقربة من الرئيس الفرنسي ساركوزي، وذلك بهدف تمهيد الطريق لفتح هذا الملف مجددا. حيث أوردت أهم مراحل تطور الحدث في فرنسا، كاشفة في ذات السياق أن جريدة لوفيغارو نشرت على موقعها الإلكتروني شهادة حول مقتل رهبان تيبحيرين من العام 1996 لجنرال فرنسي متقاعد كان عضوا في المخابرات الفرنسية وقائدا في القوات البرية الفرنسية، كما أنه عمل خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و1998 كملحق عسكري بسفارة فرنسا المعتمدة بالجزائر، ليأتي قرار الإليزي لتدخل على لسان ساركوزي الذي تحدث في القضية بعدما أن أصبح الموضوع حسب أغاورا فوكس "دسما" في إشارة إلى وقوف الإليزي وراء تحريك هذا المل واستغربت أغورا الحملة الإعلامية التي تبعتها إذاعة الخبر حيث رصدت نشره في العديد من المواقع الإلكترونية لوسائل إعلام فرنسية على غرار جريدة "ليبسراسيو" في حين قالت إن بعضا من القنوات التلفزيونية الفرنسية تحدثت عن رهبان تيبحرين شهر مارس من السنة الماضية وتساءلت المصادر عن ما هو السبب الذي جعل من الجينرال الفرنسي ينتظر كل هذا الوقت ليعطي الانفراد لجريدة لوفيغارو "لتسخين الحدث" مجددا دون غيرها؟ في إشارة إلى سعي الإليزي إلى أهداف أخرى قد تكون على علاقة بملف التعويض والاعتراف بالتاريخ الفرنسي الاستعماري بالجزائر. وأضاف المصدر أن إعادة بعث حادثة مقتل الرهبان الفرنسيين تم بطريقة خيالية، مقللة من حجم تصريحات الجينرال الفرنسي مشيرة إلى أنه لا يتوفر على أي دلائل في هذا الشأن. يأتي هذا في وقت تشن وسائل الإعلام الفرنسية حملة مغرضة ضد الجزائر لطالما حاولت في وقت سابق المناورة بإدخال الشك في مثل هذه القضايا وإن كانت ترقى إلى تبرئة الارهابي زيتوني من قطع رؤوس الرهبان السبعة وتبييض "الجيا" من جرائمها الارهابية، غير أنها بذلك ثبتت من ناحية أخرى فرضية وقوف جهات أجنبية عدة وراء دعم الإرهاب في الجزائر أيام التسعينيات. وقد روى عبد الحق لعيادة مؤسس التنظيم الارهابي المسمى "الجيا" ليومية "الخبر" بعض تفاصيل المفاوضات التي تمت يومها بين المخابرات الفرنسية والارهابي زيتوني، لتبادل الرهبان مقابل إطلاق سراحه، وقد حمل العيادة المسؤولية للاجهزة الامنية الفرنسية التي فشلت في تحقيق تقدم لإضاعتها كثيرا من الوقت حول هل تفاوض الجيا أم لا؟ موضحا، في ذات الوقت أن واقعة اغتيال الرهبان كانت نتاج "خيانة مزدوجة من صنع المخابرات الفرنسية" وأن هذه الازدواجية كانت بفعل "تجاوز المخابرات الفرنسية للدولة الجزائرية بعد أن ذهبت للتفاوض مع جماعة مسلحة" وتابع مخاطبا النظام الفرنسي قائلا "لو كان ساركوزي يستحي لستحى من اغتيال أكثر من 45 ألف شهيد جزائري في أحداث الثامن ماي 1945". وفي سياق حمى التصريحات السياسية والمتاعب المالية التي تحوم حول رئيس قصر الاليزي، كشف مارك تريفيديك وإيف جانيي، وهما قاضيان فرنسيان متخصصان في محاربة الإرهاب، أن التفجير الانتحاري الذي استهدف مدينة كراتشيالباكستانية سنة 2002 والذي راحت ضحيته سبعة فرنسيين كانت وراءه أسباب سياسية ومالية، ولم يكن ناتجا عن هجوم إرهابي من تنفيذ ما يسمى "القاعدة". وأضاف المصدر القضائي أن السبب الحقيقي للانفجار هو رفض السلطات الفرنسية تقديم رشاوى تتمثل في مبالغ مالية كبيرة تحت الطاولة لسياسيين وعسكريين باكستانيين في إطار صفقة بيع غواصة عسكرية فرنسية قيمتها 85 مليون يورو في 1994 لإسلام آباد. وردا على ما ورد من معلومات جديدة في هذا الملف، قال أوليفي موريس، وهو محامي الضحايا السبعة" ل "فرانس 24" نهاية الاسبوع: "أنا مصاب بالدهشة إزاء صمت وموقف السلطات الفرنسية التي فضلت توريط تنظيم القاعدة في هذه العملية من خلال إخفاء السبب الحقيقي للحادث"، مضيفا أن "السلطات كانت تدرك المخاطر التي يتعرض إليها رعايانا في باكستان بعد أن توقفت الحكومة عن تقديم هذه الرشاوى"، واصفا عدم الفصح عن الحقيقة لعائلات الضحايا بأنه "خطير جدا". وكان أسر المهندسين قد أكد خلافا للرواية الرسمية التي رجحت بعد الاعتداء الذي طال حافلة كانت تقل المهندسين من الفندق الذي كانوا يقيمون فيه إلى مقر عملهم في كراتشي. وأوضح محامي أسر الضحايا الذين قتلوا يوم 8 ماي عام ألفين واثنين أن التحقيقات التي جرت في الموضوع بينت أن لعملية القتل هذه علاقة بعمولة كانت قد رافقت إبرام الصفقة شريطة أن تقتسم بين فرنسيين وباكستانيين وأن ترسل الحصة الفرنسية منها إلى الخارج وتعود بعد ذلك إلى فرنسا لتمويل حملة إدوارد بالادور الانتخابية الرئاسية. وتقول المعلومات التي حصل عليها المحامي والتي لم ينفها القضاة المكلفون بالتحقيق في ملف اغتيال المهندسين الفرنسيين، أن نيكولا ساركوزي الذي كان وقتها وزيرا للمالية ومتعاطفا مع بالادور ضد جاك شيراك الذي كان وقتها مرشحا هو الآخر لرئاسة الجمهورية، وافق على طلب من بالادور رئيس الوزراء آنذك لإنشاء شركة تمر عبرها هذه العمولات. وتفيد هذه الرواية أيضا أن الرئيس الفرنسي السابق شيراك أمر بوقف صرف هذه العمولات بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية عام 1995. ولكن ساركوزي نفى هذا من بروكسيل في أعقاب قمة أوروبية، وطالب بتقديم حجج دامغة للعدالة لتأكيد الرواية بدل الاكتفاء بالشهادات الشفهية. كما نفى رئيس الحكومة السابق بالادور بدوره في مقابلة مع قناة "فرانس 3" أن تكون هناك اتفاقيات قد وقعت بين فرنسا والحكومة الباكستانية، منوها "أن كل الإجراءات المتعلقة بهذا الملف كانت شرعية وقانونية". ويعتقد أن السلطات الفرنسية قد أوقفت تقديم الرشاوى مباشرة بعد انتخاب جاك شيراك رئيسا جديدا للبلاد عام 1995 وكان هدف هذا التوقيف هو منع بعض المسؤولين السياسيين الفرنسيين من الاستفادة من جزء من هذه الرشاوى التي كانت مقررة أن تذهب لصالح بالادور الذي وقع على صفقة بيع غواصة فرنسية، فضلا عن انه كان منافس شيراك خلال الانتخابات الرئاسية سنة 1994 بحسب نفس المحامي الذي انهى قوله ب "لقد تجاوزنا مرحلة بعد ان تعرفنا عن سبب اغتيال الفرنسيين السبعة. وهذا سيمكننا من المطالبة بتفسيرات إضافية للسيد بالادور الذي أعلن انه تحت تصرف العدالة. كما ينبغي أيضا الاستماع الى شهادة الرئيس السابق شيراك". وتأتي "فضيحة كراتشي" في ظرف يتواجد فيه رئيس فرنسا السادس في أسوأ رواق في سباقه المبكر نحو قصر الاليزي في رئاسيات 2012 والتي بدأ العد التنازلي وكشف الاوراق والفضائح فيها مبكرا، وتضيف نفس المصادر أن إحياء قضية رهبان تيبحيرين تدخل ضمن صراع المواقع والمصالح داخل "بيت الاليزي". وأن تراجع ساركوزي خطوات إلى الوراء بتصريحه تؤكد أن العلاقات بين الدول تبنى على الثقة المصالح المتبادلة، خاصة وأن على الرئيس الفرنسي أن يدرك جيدا أن الجزائر ليست جزيرة فرنسية وإنما جار يفوقه أربع مرات، وأن إلقاء "التهم الرسمية" عليه يعود على صاحبه بمتاعب أخرى باريس في غنى عنها.