وصل بنا الوقت إلى أن صرنا نبكي على انقراض شيم وأخلاق كانت في مجتمعنا، كما بكى الشعراء على الأطلال، وقد ذقت مرارة فقدانها عدة مرات، لأني من الذين آمنوا بها، وأحيانا كانت تكلفني خسارة مال، وفقدان اصدقاء، وحسرة وامتعاضا بل والشك في من حولي... يأتيك الرجل، وغالبا ما يكون من الأصدقاء الذين قد تأمنهم على أهلك، منكسر الخاطر ترهق وجهه ذلة الحاجة، تأبى أخلاقك أن تراه على تلك الحال، فترفع عنه الغبن، وتقضي حاجته، ليعود من عندك كمن انتشلوه من غرق،... ولكن... تمر الأيام وكلما دنا أجل قضاء الدين كلما قلل من لقائك ويذهب به الأمر إلى إقفال الهاتف في وجهك، وإذا تجرأت فذهبت تفتش عنه يرسل طفله الصغير فيقول لك بعفوية الاطفال وبالحرف الواحد " أبي يقول لك لست هنا... " فإن أنّبته على ذلك إذا حصل لك شرف لقائه فإنه يصرخ في وجهك :" أتحسبني كذابا؟! أم أنك قضيت ليلتك جائعا بدون عشاء لتستعجل باسترداد دينك؟! " ثم يختلق الأعذار ويخاصمك حتى لا تكلمه في هذا الشأن ثانية، وهكذا تكبّر على مالك أربعا... وشكوت مثل هذه التصرفات إلى جار لي طاعن في السن، فقال لي يا بني كان الرجل منا إذا ذهب ليستدين من شخص آخر فإنه ينزع شعرة من شاربه، ليتركها عند الدائن حتى يفي بوعده ويؤدي دينه فيستعيدها... وينسى الهارب من قضاء دينه بأن حقوق الناس لا تسقط بالتقادم، وإن لم يعدها لهم القانون الوضعي فإنه يدفعها يوم لا ينفع شاك، ولا نقد، ولا بطاقة اعتماد... فقد روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أتي له بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه، فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه ويقول صلوا على صاحبكم" فالرسول (ص) لا يشفع في حقوق الناس. وعن أبي هريرة عن النبي (ص) قال : "من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن استدان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق." للأسف كل هذا الكلام لن يجد أذنا صاغية، ولا قلبا واعيا عند هذه الفئة وما أكثرها اليوم، فعندهم أكل مال الغير والاحتيال يعتبر "شطارة" والدائن مغفلا و الأمانة مغنما... و لله در من قائل:- بمن يتقي الإنسان فيما ينوبه ومن أين للحر الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئابا على أجسادهن ثياب