يضطّر بعض المواطنين أحيانا إلى العمل بعيدا عن بيوتهم، بل في ولايات أخرى كذلك، ما يجعل العودة مساء كلّ يوم إلى البيت والأسرة صعبا ومرهقاً جدا، بل مستحيلا أحياناً، ولا يكون الحل إلاّ في استئجار شقة، وعادة ما يكون ذلك مشتركا بين الزملاء او الأصدقاء. لأنهم لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم، فإنهم يفضلون استئجار شقة، خاصّة إن وجدوا من يشاركهم فيه، وبالتالي في دفع الإيجار، والذي عادة ما يكون باهظا خاصّة في المدن الكبيرة، لهذا فانك تجد جماعات من العمال والموظفين، بل وأصدقاء كذلك قدموا للعمل سوية، يكترون شققا وغرفا، ويتشاركون في كل شيء، في دفع ثمن الإيجار والطهي والأثاث، وكلّ ما يلزمهم لحياة عادية. يحكي لنا سليم عن مجيئه إلى العاصمة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وعن قراره بالاستقرار، لأنه وجد فيها العمل والرزق الذي لم يعثر عليهما في بلدته، وكانت البداية صعبة بالنسبة له، خاصة وانه كان يدفع الإيجار لوحده، لكن بعد أن تعرف إلى مجموعة من الأصدقاء، والذين قدموا مثله إلى الجزائر بغرض العمل، اتفقوا على أن يشتركوا في كل شيء، يقول لنا: "لقد اتحدت أنا وأربعة من الأصدقاء في كل شيء، ورغم أننا لا نعمل معا، إلاّ أننا اتفقنا على أن نشترك في دفع إيجار البيت الذي كنت استأجرته، وذلك بعدما دعوتهم مرة للإقامة عندي، ولم تكن لي نية في أن افرض عليهم أن يدفعوا شيئا، لكنهم اقترحوا علي الفكرة فسعدت بها". لكن مثل هذا التجارب لا تكون ناجحة دائما، فالبعض فشل في أن يجد الأشخاص الذين يتفق معهم، والذين يمكن أن يشكل معهم ما يشبه الأسرة، خاصّة وأنه سيضطر إلى أن يتقاسم معهم كل شيء، مثل البشير الذي قال: "استأجرت مع بعض الزملاء شقة لمدة سنة، لكن لم يمض شهر واحد حتى بدأت المشاكل بيننا، وصرنا لا نتفق على أمر من أمور البيت، بل صرنا نتشاجر أحيانا، ثمّ افترقنا في كلّ شيء، في الأكل والأواني وحتى الإيجار اختلفنا حوله، بحجة أن بعضنا ينام في غرفة اكبر من الأخرى، حتى اتخذت قرارا بأن اترك كل شيء وأعود إلى بيتي، فلم يكن بالإمكان أن أواصل كذلك، ولا أن استأجر شقة أخرى لوحدي، ولا أن ابحث عن أشخاص آخرين، لأنني صرت أؤمن بمبدأ "الشركة هلكة". وعلى غرار الرجال، فإن بعض الفتيات اللواتي جئن من ولايات داخلية ويعملن في العاصمة فعلن ذلك، استأجرن شقة او منزلا وبقين فيه، رغم أنّ المجتمع لا يرحم، ولا يتقبل أن تسكن المرأة لوحدها، او حتى مع صديقات لها في شقة دون وجود رجل إلى جانبهن، لكن للضرورة أحكاماً، وهو الأمر الذي تؤكده لنا بهية، 29 سنة، التي قدمت إلى العاصمة، لتحظى بفرصة عمل لم يكن بالإمكان أن تجد مثلها في بلدتها، ولكي تستقر كان لزاما عليها إما أن ترتبط وتتزوج أو أن تجد من تقاسمها الشقة التي تستأجرها، وكانت تظن ذلك صعبا، لكنها اكتشفت مع الوقت أن الكثير من الفتيات مثلها يعملن ولا يجدن أماكن يقضين فيها لياليهن، تقول: "دفعتني ظروف قاهرة إلى أن أغادر قريتي، وعندما قدمت إلى العاصمة، كنت أخشى أن استأجر بيتا، وأبقى فيه لوحدي، ولكنني مع الوقت اكتشفت أنني لست وحدي، فالكثير من الفتيات الشريفات يبحثن هن كذلك عن مأوى لهن، ومنهن زميلات لي في العمل، عرفنني بدورهن على فتيات يقاسمننا نفس المأساة، فاتفقنا على أن نشترك في السكن".