هجوم كاسح على أسواق الخضر والفواكه ومختلف محلات بيع اللحوم والمواد الغذائية في العاصمة.. أعداد معتبرة من المستهلكين تعج بهم الأسواق بشكل ملفت للانتباه في اليوم الأول من رمضان مقارنة ببقية الأيام السابقة.. السعادة تغمر وجوه البائعين كيف لا وسلعهم تكاد تنفد بسرعة من كثرة توافد الزبائن عليهم رغم ارتفاع الأسعار، فالزبون هنا لا يساوم ولا يناقش، ولا بأس إن بعته أكثر مما طلب فهو في كل الأحوال سيدفع ولو ممتعضا من جشع بعض هؤلاء البائعين. جريدة المستقبل زارت سوق ميسوني في أول يوم من رمضان ووقفت عند حجم إقبال الناس على هذه السوق المتواجدة بقلب الجزائر العاصمة غير بعيد عن شارع ديدوش مراد أو الأحياء الشعبية القريبة منه مما يجعله رفقة سوق علي ملاح بالقرب من ساحة أول ماي وسوق "كلوزال" غير بعيد عن ساحة موريتانيا أحد أكبر الأسواق من حيث عدد إقبال الزبائن والمستهلكين عليه. الدخول إلى هذه السوق ليس متيسرا بسبب الاكتظاظ الحاصل عند مدخلها الرئيسي بسبب حركة الداخلين والخارجين منها أو إليها ناهيك أن التجار لم يتركوا أي فسحة إلا وملأوها بطاولاتهم الممتلئة بمختلف أنواع الفواكه خاصة عنب المائدة الذي حضر بقوة في رمضان هذا العام الذي تزامن مع موسم جنيه محصوله، ورغم تنوع أنواع العنب إلا أنها تباع جميعا بثمن واحد (100 دينار) في كل المحلات والطاولات التي زرناها سواء داخل السوق أو خارجه. ولوحظ هذا العام اقتراب الليمون من سعر اللحوم البيضاء والحمراء والأكيد أن الأسر الجزائرية ستفتقده خاصة وأنه مادة أساسية في المائدة الرمضانية المتميزة بالبوراك والشوربة والسلاطة. التمر لمن استطاع على عكس العنب فإن موسم جني التمور لن يدخل إلا في شهر أكتوبر أو نوفمبر ولن يستهلك الجزائريون إلا تمور الموسم المنصرم، وهذا ما جعل الأسعار تلتهب حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من دقلة نور أجود أنواع التمور في العالم إلى أزيد من 350 دينار، أما الأنواع الأقل جودة فتصل إلى 200 دينار ورغم كل هذا الغلاء إلا أن ذلك لم يمنع بعض العائلات الجزائرية من اقتنائه والتي ينصح بها علماء الدين والأطباء كأول ما يفطر به الصائم. البطاطا تتحدى الفواكه عادت البطاطا عروس الخضر الجزائرية لترفع من شأنها وتزاحم الفواكه في علو قيمتها رغم أن منبتها تحت الارض، فبعد أن تنفس الجزائريون الصعداء في بداية الصيف عندما نزلت أسعارها إلى أدنى من 30 دينارا للكيلوغرام ها هي في رمضان تقفز إلى 60 دينارا، لكن ذلك لم يمنع المواطنين من اقتنائها. فلازال العاصميون لم ينسوا ذكرى تجاوز البطاطا سقف 80 دينارا مما اعتبر سابقة في تاريخ "تفاح الأرض" وأحدث صدمة لدى الجزائريين وجعل وزارة الفلاحة تنشأ آلية لضبط الأسعار بعد أن سقط سعر البطاطا إلى 5 دنانير وهو ما أضر بالفلاحين، لذلك كانت آلية ضبط الأسعار أحسن حل لمواجهة الميول المتطرفة لأسعار البطاطا صعودا أو نزولا. سقوط إمبراطورية السردين معروف عن الجزائريين أنهم لا يستهلكون السردين بكثرة في شهر رمضان على غير العادة في الشهور الأخرى وترجع السيدة عائشة (ربة بيت 54 سنة) هذا إلى أن أغلب العائلات تستهلك الحلويات مثل الزلابية والمأكولات الحلوة مثل "اللحم الحلو" مما يجعل شهيتهم نحو السردين مسدودة، كما أن أغلبية الأطباق الرمضانية خاصة الشربة والطواجن بأنواعها تطلب اللحوم الحمراء أو البيضاء والأسر الجزائرية تحب الاقتصاد في ميزانيتها "فإذا حضر اللحم بطل السردين". وما لاحظناه في سوق ميسوني عدم وجود باعة السمك باستثناء بائع أو اثنين ولم يكن سعره يتجاوز 100 دينار للكيلوغرام بل إنه كان يباع حتى وهو منزوع الأحشاء بنفس الثمن، رغم أنه قبل نحو أشهر وصل سعر إلى 300 دينار ثم نزل قبل أيام إلى 150 دينار، والأغرب من ذلك أن البائع كان يبيع السردين بدون ميزان فلما سألت المستقبل عن سر ذلك رد أحدهم "عينك هي ميزانك". فالسردين الذي يعوض اللحوم الحمراء لانخفاض أسعاره نسبيا ولغناه بالبروتينات، يفقد أهميته مع استعادة الجزائريين لعشقهم للحوم الحمراء والبيضاء رغم أسعارها الجنونية التي تجاوزت 700 دينار للحوم الحمراء بل إن شرائح الديك الرومي ارتفعت هي الأخرى قبيل رمضان إلى 650 دينار للكيلوغرام ومع ذلك عجز السردين عن استعادة مملكته في سوق اللحوم. الشرطة تحرر السوق من اللصوص أبرز ما يميز سوق ميسوني توفر الأمن بشكل كبير بفضل التواجد الكثيف لأفراد الشرطة بالقرب من السوق والدوريات الراجلة وفي سيارات الشرطة تمنح المتسوقين الإحساس بالأمان بعد أن كانت أسواق العاصمة أكبر مصدر "للرزق" للصوص والمتشردين، فحتى العائلات والعجائز والسيدات من مختلف الأعمار يزرن السوق في أمان دون الخوف من محترفي السرقة واللصوصية أو من التحرشات التي قد تحدث هنا أو هناك.حتي في هذاالشهر الكريم. ومعلوم أن التعزيزات الأمنية حول الأسواق والمساجد والأماكن التي تكثر فيها حركة الناس خلال شهر رمضان تزداد لتفادي كل ما قد يعكر صفو العائلات الجزائرية والتي ترفع فيها من حجم ميزانيتها الاستهلاكية، فمائدة رمضان لا بد أن تكون ممتلئة بما لذ وطاب من المأكولات، حيث تستعرض المرأة الجزائرية قدراتها في فن الطبخ فيما يستعرض الرجل قدرات جيبه في الإنفاق. والسؤال الذي طرحناه على أنفسنا ونحن نخرج من سوق ميسوني الذي ترتاده العائلات الغنية ومحدودة الدخل على حد سواء "هل فعلا مازلنا نعاني من تراجع القدرة الشرائية للمواطن؟". العدد الكبير من الزبائن في السوق والقفف المملوءة بمختلف أنواع المواد الاستهلاكية جعلنا نشعر بأن القدرة الشرائية للجزائريين عادت للانتعاش في الايام الاولى من رمضان، لكن البعض يرى أن هذه القدرة لن تصمد كثيرا أمام غلاء المعيشة واقتراب موعد الدخول المدرسي ونفقاته الباهظة.