يشكل الأرشيف لكل أمة ذاكرتها الرسمية وتراثها التاريخي، إنه ذاكرتها الرسمية لأنه يشهد على وجود أمة أو دولة وعلى سيادتها وعمل مؤسساتها وهو تراثها التاريخي لأنه شاهد على تاريخ الأمة وعلى مكونات هويتها وذاتيتها، ويؤكد الدكتور محمد لحسن الزغيدي في هذا الحوار بأن الأرشيف بعد مسؤولية الجميع، لكن تحت تأطير رسمي لأن البحث العلمي يحتاج إلى تمويل ومراقبة، مضيفا بأن الجزائر من حقها الحصول على خرائط التجارب النووية التي أجريت بالصحراء في ستينيات القرن الماضي لأخذ احترازها ما دامت فرنسا قد وقعت على اتفاقيات الحد من التجارب النووية . : بداية ماذا نقصد بكلمة الأرشيف؟ الزغيدي: الأرشيف هو الذاكرة الرسمية لكل شعب وهو الشاهد الوحيد على خلود هذه الأمة وأثارها وأعمالها ونضالاتها وجهادها أيضا. فالأرشيف هو تلك الوثيقة الملموسة أو المنظورة والمكتوبة أوالشفوية التي ترمز إلى ذلك الموروث الثقافي النضالي الثوري العلمي والعملي لما خلفه الإنسان. والأرشيف هو الوثيقة أو المصدر الأساسي للمعلومة والغرض منه هو تصحيح معلومات أو إثبات أخرى أو حتى إبطال معلومات دخيلة أرادت تشويه مصادر امة أو حقيقة شعب. - لو نعود قليلا إلى الوراء وبالتحديد إلى قانون 1971 تاريخ إرساء مؤسسة الأرشيف الوطني حدثنا عن هذه الانطلاقة. بعد استرجاع السيادة الوطنية أرادت الدولة أن تضع يدها على أرشيفها حتى لا تطاله يد الإهمال أو التزوير أو السرقة لذلك جاء قانون 1971 لوضع هذا الأرشيف تحت رعاية مؤسسة وطنية هي مؤسسة الأرشيف الوطني كي لا يتعرض إلى الآفات التي قد تتلف هذا المخزون لأننا قد نجد في ورقة واحدة ما يصحح مسار أمة بأكملها لذلك فإن هذا القانون عالج هذه القضية وأعطاها أبعادها المستقبلية. تأخر إنشاء مؤسسة للأرشيف الوطني قرابة عشر سنوات بعد الاستقلال هل كانت فترة انعدام للسياسة الأرشيفية؟ الدولة في الحقيقة غداة استقلالها وجدت نفسها في مفترق طرق رهيب، فرنسا تركت الجزائر دولة فارغة لا شيء فيها، متخلفة اقتصاديا واجتماعيا تعيش ظروفا صعبة، دولة مؤسساتها فارغة ولكي تعيد هذه الدولة إعادة بناء نفسها فإنها تحتاج إلى وقت وكانت البداية ببناء المؤسسات الحيوية للدولة وهي المؤسسات الثقافية التعليمية والمؤسسات الأخرى كالدفاع الوطني، مؤسسات اجتماعية ومحلية، كل هذا تطلب الإسراع في الإعداد للهياكل النظامية والإدارية وإذا ما قارنا الجزائر بدول أخرى وجدناها سباقة في هذا المجال. فهذا التأخير جاء نتيجة ترتيبات أولويات الدولة لا غير. في ديسمبر 1972 أنشأت على مستوى الرئاسة مديرية الأرشيف الوطني وبين 1973 و1974 شكلت النواة الأولى للأرشيفيين الجزائريين. حدثنا دكتور عن هؤلاء الأرشيفيين، قدراتهم وتكوينهم؟ فعلا سنة 1972 تشكلت هذه النواة والجزائر حديثة الاستقلال، وجاء هذا الإطار الإداري ليحمي قانون 1971 والكل يعلم أنه لابد لكل قانون نصوص تطبيقية. فالنصوص التطبيقية لقانون 1971 نصت على إيجاد هيئة وطنية تحميه وهكذا تكونت مديرية الأرشيف على مستوى رئاسة الجمهورية وكان بالإمكان أن تسند إدارة الأرشيف إلى هيئة أخرى تابعة لوصاية أخرى، لكن نظرا لأهمية هذا الأرشيف فقد أسند لأقوى مؤسسة هي مؤسسة ذات السيادة الأولى وبذلك كان لمديرية الأرشيف قوة التأثير على الغير في الجمع والحفظ والرعاية والمتابعة أيضا. بما أنك أستاذ جامعي كيف ترى وعي الطلبة بقيمة هذا الأرشيف وهل هو موضوع بين أيديهم للتعرف عليه؟ سؤال مهم جدا فالأرشيف هو المصدر الأول والأساسي لكتابة أي مشروع تاريخي علمي جاد. فالطالب يعي قيمة الأرشيف لأنه عليه دراسة منهجية البحث العلمي. فالمنهجية هي المادة الأساسية التي يتعلمها الطالب في كيفية البحث وهنا نجد الأستاذ يركز دائما على الوثيقة وعلى دلالاتها الرمزية التي تحملها فالبحث الذي يرتكز على وثائق أساسية يعكس حقائق تاريخية مطلقة وثابتة لا مجال للطعن فيها، ومن هنا تصبح الوثيقة ضالة الطالب وهذا هو واجبنا ونجعل الطالب دائما باحثا عن المعلومة التي يجدها في المصدر والمرجع، ونتمنى أن يسعى الطالب إلى المصدر قبل أن يرجع إلى المرجع وبالتالي مصادر الطالب هي تلك الوثائق التي نتحدث عنها. ماذا عن دعوة الجزائرفرنسا لفتح الأرشيف النووي للكشف عن المناطق التي تأثرت بالإشعاعات جراء التجارب النووية؟ هذا موضوع هام فعلا لأنه يتعلق بموضوع بشقين أساسيين أوله السيادة الوطنية، ثانيه يتعلق بحياة الإنسان. فهذه التفجيرات النووية تركت سلبية دائمة بالنسبة للشعب والأرض معا وأعطت آثارا إيجابية ريادية وزعامتية لفرنسا، من حق الجزائر أن تكون لها الخرائط والمتسببات والدراسات التي أجريت قبل وأثناء وبعد التفجير لتتخذ احترازها، وهذا الأمر وارد إنسانيا في إطار المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحمي الإنسان خاصة وأن فرنسا هي من الدول التي وقعت الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أثناء بيانه الأول كما وقعت على الحد من التجارب النووية. من أبرز النقاط التي خرج بها المشاركون في المؤتمر الدولي الثاني والثلاثين للمائدة المستديرة للأرشيف التي انعقد باسكتلندا سبتمبر 1997 ضرورة انفتاح الأرشيف. ما المقصود بهذه العبارة؟ هذا المؤتمر أعطى لهذه النقطة أهمية كبرى. دعينا نتحدث عن العلاقة بين الدول المستعمِرة والمستعمَرة فالأولى قامت بنهب كل المقومات الحضارية والتاريخية للثانية، والمشهور أن الأرشيف إذا تجاوز 50 سنة أصبح مشاعا وللغير الحق في الاطلاع عليه وبالتالي فتح الأرشيف أصبح حقا وليس تصدقا من الدول المستعمِرة. وعلى هذه الدول كفرنسا مثلا أن تعيد أرشيف الغير حتى تضمن لنفسها مسارا مستقبليا نظيفا مع هذه الشعوب وإذا أرادت لأجيالها المستقبلية ''و أشك في ذلك'' أن تعيش في جو من الصداقة الإنسانية النظيفة ذات الأبعاد الثقافية عليها أن تطلق الأرشيف من السجن الذي تتحكم فيه. في اعتقادك لو استرجع هذا الأرشيف ماهي الطريقة المثلى لاستغلاله ؟ هي طريقة واحدة: البحث العلمي الذي مجاله الجامعة التي إذا انفردت بمسؤوليته فإن دراسة التاريخ واستنطاقه من مصادره وهي الوثائق والأرشيف يرجع بالأساس إلى هؤلاء الباحثين عبر وحدات البحث والأطروحات العلمية التي يتقدم بها الطالب وعبر ما ينشر من دراسات في مجلات علمية متخصصة، فهذا الزخم إذا وجد التشجيع والمراقبة والإسناد والتفعيل والدعم اللامتناهي أيضا سيضمن مستقبل الأجيال حيث لا يمكن تحصين الأمة وضبط ولاء الأجيال إلا بنشر الثقافة التاريخية النظيفة. كلمة أخيرة دكتور الأرشيف هو مسؤولية كل الأطراف لكن بقيادة الدولة، لأن البحث العلمي بقدر ما يحتاج إلى تمويل فإنه يحتاج إلى مراقبة أيضا. حاورته: عقيلة بوزيان