اعتبر المدير العام للأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي اتفاقيات إيفيان التي وقّعتها الجزائر مع المستعمر الفرنسي وهي الاتفاقيات التي كلّلت المفاوضات التي تمّت بين الجزائروفرنسا بين العامين 1960 و,1962 ومن خلالها حصلت الجزائر على استقلالها من فرنسا، بأنّها مفاوضات ملغّمة بقوله ''عندما نقرأ اتفاقيات إيفيان نجد تحت كلّ كلمة عقربا''. وردّ الدكتور شيخي ذلك إلى كون المفاوضين الجزائريين كانوا أمام ضرورة التوصّل إلى اتّفاق دون الخوض في التفاصيل الصغيرة للاتفاقيات بهدف تجاوز كلّ العقبات التي قد تعرّض المطلب الأساسي للجزائريين وهو الاستقلال للخطر. واعتبر شيخي في محاضرة ألقاها نهاية الأسبوع بالجاحظية، أنّ الاستقلال الذي تحقّق كان لا بدّ أن يستكمل من خلال تحقيق السيادة على مستويات مختلفة وهي الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية، لكنّه أعاب على السلطات الجزائرية التي تولّت السلطة بعد الاستقلال اقتصار اهتمامها على تحقيق السيادة الاقتصادية وإهمال الجوانب الأخرى التي يقف على رأسها الاهتمام بالإنسان، إلى درجة استفحل الخطر، ونحن اليوم نعيش أسوأ تداعياته. وقدّم شيخي في ذات السياق عرضا وافيا للعلاقة التي كانت تربط اتفاقيات إيفيان وقرارات مارس 1963 التي تقوم أساسا حول نقطة جوهرية وهي الأرض ومن يملكها. وفي عرض تناول الجوانب التاريخية الهامة والخفية لهذه العلاقة، أكّد شيخي أنّ الاستعمار الفرنسي ركّز مباشرة عقب احتلاله للجزائر سنة 1830 على الاستيلاء على الأرض وتجريد الجزائريين (ملاّكها الأصليون) منها، حيث وصلت نسبة الأرض المستولى عليها عقب الاحتلال إلى 93 بالمائة فيما بقي للجزائريين نسبة 7 بالمائة فقط. ومن هنا حاولت فرنسا قطع الجزائريين عن أرضهم واجتثاثهم منها، وهي المحاولات التي باءت بالفشل بعد انطلاق الثورة التحريرية، وتحقّقت أكثر بنيل الجزائر لاستقلالها وهروب المعمّرين من الجزائر ما جعل الجزائريين يحتلّون تلك الأراضي، على اعتبار أنّ الطبيعة لا تقبل الفراغ. وأكّد مدير الأرشيف الوطني على أنّ الجزائر المستقلّة ارتكبت خطأ فادحا حين جعلت الجزائريين مجرد عمال بالأراضي ولم تمنحهم ملكيتها، الأمر الذي جعل حاجزا منيعا أمام قيام العلاقة العاطفية بين الجزائري وأرضه، وهذا ما جعل الثورة الزراعية التي أعلنت في سبعينيات القرن الماضي تفشل في نهاية الأمر. وذكر شيخي بأنّ اتفاقيات إيفيان كانت تنصّ على ضرورة احترام حقوق المعمّرين الفرنسيين، لكنّ خروجهم من الجزائر عقب الاستقلال دفع الجزائريين إلى عدم ترك أراضيهم بورا، وسارعوا إلى خدمتها تلقائيا، واعتبر شيخي أنّ من التعسّف أن نقول للجزائريين اتركوها على حالها بعد كلّ الذي حصل، مضيفا أنّ قرارات مارس 1963 جاءت لتكريس وضع قائم تمثّل في شغور الأراضي الفلاحية.