أكد عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني على نجاح المفاوضين الجزائريين في »إتفاقية إيفيان«، بفضل الذكاء والحكمة السياسية التي اكتسبوها من خلال الممارسة السياسية الطويلة رغم أنهم لم يتلقوا تكوينا جامعيا ولا متخصصا على غرار الفرنسيين، لا سيما وأن السياق الذي جرت فيه عملية التفاوض كان صعبا للغاية بالنظر للخلافات الحادة التي اشتدت على مستوى كل طرف. قدم شيخي خلال الندوة التي احتضنتها أمس جريدة »المجاهد« حول موضوع »اتفاقية إيفيان« وكرم خلالها عنتر شربال المدير العام للمجاهد عائلة أحد رموز الثورة وموقع الاتفاقية كريم بلقاسم، قراءة مفصلة حول فحوى إتفاقيات إيفيان التي تم اللجوء إليها تحت ضغط جبهة التحرير الوطني وفي ظل الإنتصارات المتكررة للثورة المظفرة. ولم يفوت الفرصة لتوضيح بعض المسائل وفي مقدمتها الكتابات التي تناولت الموضوع منذ سنة 1962 الى يومنا هذا والتي غلب عليها برأيه طابع الإنتقاد وليس النقد وكأننا من الأمم التي تتلذذ بجلد نفسها، ولإعطاء الاتفاقية حقها لا بد من العودة الى السياق وكذا المنطلقات التي أحاطت بها والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حققت الاستقلال وفي حالة الاجابة بنعم أضاف يقول، فان كل ما يأتي بعدها ثانوي. وأفاد عبد المجيد شيخي الذي نشط الندوة التي تظمتها جمعية مشعل الشهيد الى جانب المؤرخ محمد عباس بحضور مجاهدين عرفوا عن قرب الراحل كريم بلقاسم، بأن ما ورد في البيان الأساسي أي بيان أول نوفمبر تحقق، اذ أنه ينص على عدم التفاوض الا في حالة الاعلان صراحة عن استقلال الجزائر، وهو يؤكد تحقق الهدف. ومن بين النقاط التي تم التفاوض حولها الاستفتاء وشروط توقيف الكفاح، كما طرحت فرنسا مسألة أخرى تتعلق بما ستكون عليه الدولة الجزائرية بعد الاستقلال، لكن كريم بلقاسم وعندما سئل عن النظام السياسي الذي سيتم اعتماده بعد الاستقلال رد على الفرنسيين بأنه شأن داخلي ويأتي هذا الانشغال كون فرنسا كانت تبحث عن ضمانات للفرنسيين. ووضعت فرنسا من أجل ذلك عدة شروط منها قبول التصريح العالمي لحقوق الانسان ورد عليه الوفد الجزائري بأنه كان سباقا لذلك في عهد حزب الشعب وحزب انتصار الحريات الديمقراطية، أما الشرط الثاني فيخص الليبرالية، ولفت الانتباه الى أن الشروط والأحكام والترتيبات الواردة في »اتفاقيات ايفيان« لم تأت من باب التنازل للتنازل ولكن لتكريس أمر واقع وموجود وتحديد مسائل كان على الثورة أن تعالجها مهما كان الأمن، وعلى هذا الأساس لا يمكن التحدث عن تنازلات لأن الظروف كانت مغايرة تماما. وأقر المتحدث بالخلافات الحادة التي وقعت لدى طرفي المفاوضات على حد سواء، لكن ما يجب التوقف عنده أن المفاوضين قادوا السفينة الى شاطئ الأمان، وأن فرنسا رتبت الأمور بطريقة تسمح لها بالبقاء بطريقة أو بأخرى في هذا البلد وهذا ما جعلها تعمد مرتين الى مرحلة انتقالية تمتد الأولى بين وقف الكفاح المسلح والاستفتاء فيما تنطلق الثانية من الاستفتاء الى تعيين أول حكومة جزائرية ودوافعها في ذلك واضحة اذ كانت تعول على الخلافات الداخلية في تشتيت الصفوف لتبقى في الجزائر، إلا أن آمالها خابت. من جهته أشاد الوزير السابق والمجاهد عبد الحفيظ امقران بنضال كريم بلقاسم الذي كان أحد مهندسي الثورة وقاد اتفاقية ايفيان الى النجاح بالاضافة الى نضال الشهيد عميروش الذي اشرف على مؤتمر الصومام وغيرهم من الشهداء، وتطرقت المجاهدة موساوي الى العمل الجبار الذي قام به كريم بلقاسم الذي اغتيل في ألمانيا. من جهته أكد أحمد كريم ابن الراحل في كلمة مقتضبة بعد تكريم رمزي من جريدة »المجاهد« أنه يصعب الاطلاع على حقيقة الادارة الفرنسية لأنها التزمت السرية. جدير بالذكر أن المجاهد عبد القادر بوسلهام انتقد بشدة الادارة الإستعمارية وكذا فرنسا الحالية التي تمجد استعمار وتدعي أنها أدخلت الحضارة متسائلا كيف لدولة كونت على مدى قرن و32 سنة 99 طبيبا فقط وحرمت الجزائريين من التعليم أن تتكلم عن الحضارة، وتأسف في سياق متصل للقبول بتوقيع »اتفاقية ايفيان« التي التزمت من خلالها الجزائر بعدم متابعة المجرمين في المحاكم. ومن جهته قدم المؤرخ محمد عباس نبذة تاريخية عن حياة كريم بلقاسم.