لا أعتقد أنّ شهداءنا الأبرار رحمة الله عليهم، كانوا ليرضوا بما تعيشه البلاد اليوم من حالة فوضى وتوتر على مستوى الجبهة الاجتماعية على وجه الخصوص، ولا أعتقد أنّ شهداءنا الأبرار كانوا ليرضوا بحالات الانسداد التي تشهدها الإدارة الجزائرية بشكل عام، ولا أعتقد أنّ شهدائنا الأشاوس كانوا ليرضوا بالتهميش والحقرة التي يتعرّض لها المثقفون والنخبويين بأرض المليون والنصف مليون شهيد.. كيف يرضوا بذلك وهم من دفعوا حياتهم رخيصة من أجل أن تعلى كلمة الله والوطن، ومن أجل أن تعيش الجزائر حرّة مستقلة، وأن ننعم نحن جيل الاستقلال بالهدوء والسكينة وراحة البال، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد نقدت المواثيق والعهود ولم يعد حلم الشهيد يؤخذ بعين الاعتبار.. عودوا أيها الشهداء ولو من باب المنام لتشهدوا ضياع الحلم الأزلي، ولتقفوا على مآسي المثقفين والعلماء في أرض لم تكل ولم تمل من إنجاب العباقرة.. اليوم واليوم فقط يحق لنا أن نرفع أصواتنا ليسمعنا ''الشهداء'' قولوا عنّا مجانين ولكن الحقيقة غير ذلك، إنّنا نعاني التهميش ونعاني الحقرة، لا حياة لمن تنادي، فالكل يسمع والجميع لا يرى.. قانون الإعلام لم يعد له معنى في ظل الفهم ''القانوني'' الحالي، فقد تحوّل إلى قانون عقوبات وبالرغم من أنّ القاضي الأول في البلاد كان قد دعا إلى مراجعته إلاّ أنّ الإدارة لها رأي آخر، فقد سكتت عن حق الإعلاميين وحرمتهم حق الممارسة في ظل قوانين تحكمها ضوابط مهنية لا غير شأننا شأن العالم بأسره. الإعلامي يعيش فوضى الأفكار ويعيش فوضى الممنوعات ويعيش فوضى التهميش.. الإعلامي الجزائري اليوم لا يختلف عن السارق أو السكير أو حتى القاتل عندما يمثل أمام هيئة المحكمة ويواجه نفس المعاملة، بل أحيانا أكثر من ذلك فكثيرا ما يكون عرضة لأسئلة لا يجد لها محلا في قاموسه الإعلامي، فهو ليس سارقا ولا سكيرا ولا قاتلا، وإنّما مجرّد صحفي دفعت به يد الأقدار لامتهان الصحافة التي لا تشبع ولا تغني من جوع، فهي على حد قول المثل الشعبي ''شيعة بلا شبعة''. الصحفي اليوم يجد نفسه وللأسف بين مطرقة قانون العقوبات وسندان ملاّك الجرائد، فأين نحن من حرية الفكر والتعبير إذا كانت الصحافة الوطنية لا تملك حصانة ولا ميثاق شرف ولا قانون أساسي ولا حتى قانون إعلام وتلك هي الطامّة الكبرى، فمن يراقب من؟. لقد آن الأوان لوضع الأمور في نصابها، ونحن نحتفل بشهر الشهداء وبذكرى عزيزة على كل جزائري غيور على وطنه الأم الجزائر، ألا وهي ذكرى 91 مارس أو وقف إطلاق النار، هذه الذكرى وجب اغتنامها لتحقيق حلم الشهداء الأبرار، بالتكفل بكل أبناء هذا الوطن المفدى وعدم إقصاء أي أحد منهم، خاصة الشريحة المثقفة التي تعتبر عماد البلاد، ولا أقصد هنا الصحفيين فحسب، فالأمر يعني الجامعيين والباحثين والعلماء وغيرهم، فهم كوادر البلاد وعقلها المدبر، ومن هذا المنطلق لا يحق لأحد العبث بحلم الشهداء، '' وما يبقى فالواد غير حجارو''.. حلم الشهيد كان ولازال يتمثل في ضرورة مواكبة الأمم المتقدمة، بتعليم الجزائريين والقضاء على الأمية التي نخرت جسد الأمّة في العهد الاستعماري، تعليم الذكور والإناث على حدّ سواء للرقي بالأمّة إلى مصاف الكبار، كان حلمه رؤية الشعب واحدا موحدا، يعيش في كنف الحرية في هناء، على أن يحمل كل واحد من أبناء هذا الوطن العزيز على كاهله مسؤولية الرقي بالبلاد بعيدا عن المصالح الشخصية، كان حلم الشهيد قطع الجزائر دابر الشر المحدق بها من كل حدب وصوب ولن يتأتى ذلك إلا في كنف المحبة والإخاء والوحدة التي تطبع أبناء البلد الواحد، كان حلم الشهيد مثل حلمنا اليوم تماما، التمسك بحب الوطن والعمل على رقيه، لكن في ظل الاحترام والتقدير لا في ظل التهميش واللامبالاة.. إنّ حلم الشهيد يمكنه أن يتحوّل إلى حقيقة لونتخلى عن البيروقراطية الإدارية والنرجسية العمياء لبعض المسؤولين على مستوى الإدارات، بعيدا عن المحسوبية وحبّ الذات وروح الاتكال على الغير دون أن يتلقى حقّه المشروع.. إنّ حلم الشهيد ليس كبيرا فهو لا يعدو أن يكون مجرّد إيمان بالوطن وبأبنائه وبقدراتهم وإخلاصهم، فالجزائر ملك للجميع وتسع الجميع.