بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل ما أحوجنا ولاسيما في هذه الأوقات إلى مناسبة جليلة كهذه، وإلى وقفة متميزة كالتي نقفها اليوم في حضرة الشهداء، وذكرى تلك الصفوة التي اختارت الحياة الأبدية راضية مرضية عند رب العالمين. لا شك أنه ما من يوم يرتقي في مقامه، ويعلو في قدره، ما يبلغه اليوم الوطني للشهيد من شرف وسموق وإكبار. يوم ليس كمثله بقية الأيام، لأنه برمزيته يحيلنا إلى نماذج بشرية ليست تشبه المواكب من البشر لا في درجة الأعمال ولا في المنتظر القادم من المآل. وليس من باب المبالغة في شيئ القول في هذا الخصوص أن شعوبا قليلة فوق هذه الأرض يمكن أن تضاهي أيام شهدائها ما تدل عليه عندنا، وما توحي به لدى شعبنا من المعاني، وما تثيره في جوانحه من الأحاسيس. أن يخصص شعب يوما أو أكثر من يوم للإحتفاء بمن ضحوا في سبيله فهو أمر دارج ومعقول، إلا أن قصة الشهداء ودلالات الشهادة وبشاراتها تأخذ معاني أخرى حينما يتعلق الأمر بالجزائر التي هي بحق هبة الشهداء. فربما تذهب بأبنائنا المشارب في الرأي مذاهب شتى، وقد يختلفون في شؤون يومياتهم فلا ضرر ولا ضير في ذلك، إلا أنهم يضحون كلمة سواء ويتحولون كلهم إلى جماع واجتماع حينما يتعلق الأمر بالمكانة التي يرونها لشهدائهم ولأفضالهم على الوطن وعلى أجياله، فيوم الشهداء الذي نتطيب بأنفاسه في هذه اللحظات هو عرفان متجدد، واعتراف لملايين الشهداء الذين تعاقبت مواكبهم الزكية خلفا عن سلف في كل شبر، وفوق كل بقعة من تراب الجزائر منذ أن دنس المحتلون أديمه وإلى أن أرغمه أبطال نوفمبر المنتصرون على الإندحار والانكسار. يوم الشهيد في الجزائر هو عيد الفداء، عيد الخلاص من الظلم والعدوان والاستعباد بالدم، وبالموت. وإذ يكاد يجتمع للجزائريين وحدهم هذا التراث العظيم من الفداء، ومن تقديم المهج التي تشرق بها صحائف التاريخ، فإنه واجب عليهم اليوم وغدا أن يحفظوا ذكرى تلك القوافل من الرجال والنساء الذين رفعوا عقائرهم بالنذير وكرسوا أنفسهم للكفاح وتقدموا الشعب في ميادين القتال مضحين بأنفس ما لديهم من أجله وفي سبيله. وإني وعدد ممن يحضرون اليوم الاحتفاء بالشهيد، قد أكرمنا الله بمؤاخاة ومرافقة أعداد من هؤلاء الأعزاء، وارتبطنا بهم منذ تلك الأيام العصيبة والمشحونة بالبطولة والصفاء والصدق بارتباطات متينة ستبقينا على ما تعاهدنا عليه معهم حتى يأتينا اليقين. وإننا كجيل تحمل عبء رسالة التحرير، سنكون أمام امتحانات لضمائرنا، إذا لم ننجح في نقل تلك الصلات إلى الأجيال الجديدة. وإذا كان الشهيد قد قدم حياته فداء للوطن، وللقضية، ولأبناء أمته، فإنه قد أراد حياة له ولهم، غير الحياة التي ثار ضدها، ولقد غدت الشهادة بهذا المفهوم وصية وأمانة. وصية لنا نحن جيل نوفمبر، وأمانة تتناقلها الأجيال المتعاقبة عبر علاقة مستمرة ومبايعة متجددة. كما أصبح الإخلاص للوصية وتأدية الأمانة وفق هذا المفهوم مرهونان بما نقوم به قولا يترجمه الفعل، على أرض الواقع من عمل يتطابق في منطلقاته وأهدافه مع المشحون القيمي الذي حفزهم على الثورة ويتناغم مع المرامي التي كانوا يتصورونها. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل لا شك في أن اختيار 18 فبراير يوما وطنيا للشهيد، منذ أن تأسس في مثل هذا التاريخ سنة 1989، هو دليل على وجود هذه الإرادة للتواصل وللوفاء. لقد تميز هذا الشهر بمحطات تاريخية هامة، وحوادث مؤلمة، ولعل تأسيس المنظمة السرية بتاريخ 18 فيفري سنة 1947، التي مهدت لخيار الكفاح المسلح، وكذا طرح القضية الجزائرية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 فيفري 1957، كانا من بين أهم تلك المحطات، هذا وتميز إضافة إلى ذلك بمحن شديدة تمثلت في بلوغ العدوان الاستعماري قمة وحشيته يوم قام بإعدام مجموعات كبيرة من المجاهدين أمام إخوانهم الجزائريين، ويوم تنفيذ فرنسا لواحدة من أبشع التجارب النووية السطحية في ناحية رقان، بتاريخ 13 فيفري 1960، ويوم أن قررت في مثل هذا الشهر إنشاء المناطق المحرمة، وإقامة الأسلاك الشائكة المكهربة، وزرع ملايين الألغام المضادة للأفراد التي ما زال جيشنا يعكف على إزالتها إلى اليوم، دون أن ننسى الجريمة المقترفة على ساقية سيدي يوسف، يوم 8 فيفري 1958، وغير ذلك كثير من وجوه وأنماط ضريبة المعاناة التي بلغ بعضها الأوج في هذا الشهر، وتوزع الباقي على كل يوميات الثورة التحريرية المباركة. وإذا كان لي أن أعيد ما أشرت إليه قبل قليل، فإنني، أؤكد على الأهمية التي يمثلها الرصيد الذي خلفه شهداؤنا الأبرار ليس فقط من جانب المعرفة التاريخية الصرف، في مقارعة الصعاب وفي مجابهة التحديات، ولكنها أيضا تفيد حتى في صياغة وعي جديد يتكامل ويكمل مسار تضحياتهم ولا ينقضها أو يتناقض معها. وفي تصوري، فإن هذا الأمر قد أصبح فرض عين على جميع إخواننا من المجاهدين الذين عرفوا أولئك الرجال وقاسموهم لحظات البطولات والأمجاد. فرض عين لا بسبب الحاجة التاريخية الصرف فقط، بل لأن معايير البقاء وإثبات الوجود على تضاريس الخريطة العالمية الجديدة، وتداخل النظم الاقتصادية والاجتماعية والعقائدية، من شأنه أن يحجب الرؤى ويحرف المسار عن جادته ما لم نتمسك بالقدر المطلوب من رصيد هؤلاء الأبرار، من آبائنا وإخواننا. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل إذا كنت أهتم بالجانب التاريخي في تشكيل الوعي بالحاضر، فإنني في ذات الوقت أميز بين الرؤية الماضوية الصرفة والرؤية التاريخية الناضجة والهادفة، الأولى تروم الثبات فتتوقف عنده، والثانية ترى الأمر حركة دائمة وتجددا مستمرا لا يتوقف. ولعلي لا أجانب الصواب، إذا قلت، أن العناية بالتاريخ والبحوث العلمية المتعلقة به التي شهدت حركة غير مسبوقة منذ بضع سنوات، هي التوجه الذي لا بد منه، لتوفير البيئة المناسبة لتشكيل هذا الوعي. وإني لأشعر بالإرتياح إزاء ما ألاحظه من اهتمام متزايد بالإنتاج والبحث واستغلال الوسائل والوسائط المختلفة المطبعية والإعلامية والسمعية والبصرية، من الإنتاج وتدوين التاريخ، وتقديمه بطريقة مدروسة وهادفة. إن ما حققناه من إثراء للمكتبة التاريخية، وما أسسناه من ورشات للبحث العلمي التاريخي، وما اقتحمناه من مجالات جديدة في ميدان التوظيف الفني والسينمائي والوثائقي، وفي السعي لاستغلال الفضاءات المناسبة لإقامة معالم تاريخية، تلك الإنجازات التي تزداد اتساعا وجودة أصبحت تمثل منظومة فنية وثقافية، تتكامل وتفرز العمل الذي تنجزه على الأصعدة الأخرى الرامية إلى الإبقاء على شواهد الثورة بأحداثها ومواقعها ومواقفها ماثلة بيننا تنبض بالدلائل، وتسترشد بها الأجيال فيما تقتحمه من مجالات وما تبذله من أعمال، وهي بعض من الغايات التي تستهدفها من إقامة المتاحف، تشييد المعالم، وصيانة مقابر الشهداء، وترميم مراكز التعذيب وغيرها من الآثار التي تشهد على معاناة الشعب الجزائري. وهي كلها تصب في المجرى الذي أوليه كل عنايتي، وهي التمكين وتوطيد أركان المدرسة الجزائرية للتاريخ، التي هي وحدها المخولة لأن تعبر بصدق عن تطلعات المواطنين إلى معرفة تاريخهم من مصادره الأصلية وبلا تزييف أو تحريف. وإني على يقين، بأننا كلما ثبتنا أقدامنا واكتمل وعينا بالقيم والدوافع التي حركت جيل الثورة، وزرعت في كيانه تلك الطاقة العظيمة للإنتفاض والإصرار على الخلاص، كلما ازددنا نجاحا في تحقيق الإضافات المطلوبة على ذلك المسار الذي ابتدأ في غرة نوفمبر 1954، وفي مقدمة ذلك إزالة آثار المسخ والتشوهات التي أصابت بعض الأجزاء من هويتنا والتي ما فتئت أنبه إلى الأهمية التي تمثلها عملية العناية بهذه الجوانب بالتصحيح أو الترميم أو الإثراء أو التجديد بحسب الأحوال. وأعتقد في هذا السياق وبصرف النظر عمن يتقولون بغير إدراك أو رؤية، أو غيرهم ممن تقودهم نوازع وأغراض يعرف الشعب الجزائري محركاتها ومصباتها، أن دسترة العلم الوطني، والنشيد الوطني، والعناية بتبريز التاريخ الوطني باتت من الأولويات الملحة لحفظ أركان مهمة من أركان الهوية الوطنية، والأمانة التي تركها لنا الشهداء وهي أن تبقى الجزائر حرة سيدة، مستقلة، عزيزة، موحدة لا ذائبة في الغير ولا مبتورة عن امتدادها الأصيل. إننا وبقدر ما أوليناه من عناية بتاريخ ثورة التحرير، والمقاومة الوطنية، حرصنا على تعبئة الموارد الموجهة إلى صون مكانة المجاهد ومكانة الشهيد عبر ذويه في سلم القيم من خلال العناية بتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية وتوسيع نطاق الرعاية الصحية والنفسية للمستحقين من المجاهدين وذوي حقوق الشهداء. موازاة مع هذه التدابير التي مست جميع المجاهدين وذوي الحقوق، وانتقلت بهم الى حال افضل، فقد نفذت برامج مكثفة وسريعة لمضاعفة طاقة الاستقبال في مراكز الراحة والمتابعة الطبية والنفسية بتوسيع الموجود منها واقامة مراكز أخرى جديدة مع الحرص على نوعية الخدمات وطريقة التكفل التي بات علينا ان تتكيف وفق الأوضاع العمرية والصحية لقاصديها من طالبي الخدمات. ولقد اتجه اهتمامنا علاوة على هذا بتوسيع وتطوير نطاق التكفل بالجانب الاجتماعي ونوعية الخدمات بتسخير التقنيات الحديثة، في مجال صرف المنح ومعالجة ودراسة الملفات والطعون والعناية بالتسهيلات المخولة للمجاهدين وذوي الحقوق في مجال النقل والسكن وغير ذلك مما يساعد على العناية بهذه الفئة ورفع الغبن عنها لاسيما وأنها اصبحت في حاجة الى هذه الخدمات نتيجة التقدم في السن وتطور المضاعفات الناجمة عن المعاناة الجسدية التي ورثتها من أعوام الثورة ومن العقود التي اعقبت الاستقلال وكانت فيها هذه الفئة في مقدمة من واصلوا العمل والتحول الى جبهة البناء والمساهمة في وضع أسس المرحلة الجديدة، والوقوف بعين الحارس المتيقظ والمبادر الملبي للنداء في كل مرة ينذر فيها المسار الوطني بخطر داهم او ضرر وشيك. ولم يعد هناك مجال من شك بان هذ الشريحة وقد نالت حقها المشروع، وشهدت في السنوات الأخيرة الاستجابة الجدية لما كانت تتمناه منذ سنوات لم تعد فقط تشعر بالعيش الكريم وحسن التكفل بظروفها الصحية والنفسية، ولكنها اطمأنت في نفس الوقت الى أن الاستجابة لاحتياجاتها اليومية والتخفيف من معاناة العيش لديها هو صورة أخرى للتعبير عن التقدير والاحترام لما قدمته من تضحيات وهو الى جانب ذلك يمثل وجها آخر للجهد الشامل الذي تبذله الدولة لتوسيع نطاق الاستجابة الفعلية والتدريجية للمطالب الحقيقية التي تشغل بال الأغلبية من المواطنين، وقد آثرنا ان تكون مرتبطة بما يتحقق من نتائج ملموسة على صعيد الانعاش الاقتصادي وتحريك دواليب الانتاج وتوسيع مجالات الاستثمار بدلا من التوزيع السهل الذي لا تؤمن عواقبه. وآثرنا في كل هذا أن يكون التجاوب مع هذه الاحتياجات قائما على منهجية تراعي الأولويات الملحة لدى هذه الفئة وتوفيرأدوات الاستجابة لها بصورة عادلة وفعالة وبدون أخطاء، كما تراعى قدرات البلاد والتطور وتقديم برنامج الانعاش الاقتصادي الذي يجعل هذه الاستجابة للمطالب جزءا من التحسن الاقتصادي والاجتماعي الشامل يخص جميع المواطنين، ولذلك توخينا اصدار القوانين والمراسيم التي تعطي لهذه الجوانب طابع الديمومة والاستمرار، وتوفر لها الأطر المثلى للعدالة والشفافية وحسن التدبير. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، ونحن نحيي في هذا اليوم ذكرى الشهداء، هؤلاء الذين انتفضوا من رماد القهر والتخلف الذي سلطه علينا الاستعمار، هؤلاء الذين أدركوا المفاتيح الصحيحة للحل، والمدخلات الحقيقية للقضية. حري بنا وهم القدوة والمنارة أن نستلهم منهم ما يجب من العزم والإدراك والتصميم. لا مراء في أننا نقطع كل يوم خطوات كبيرة على صعيد التعليم والصحة والمنشآت القاعدية. ولا يمكن حتى للمشككين والجاحدين ان ينكروا أن الجزائر تتقدم، وتتطور بنسب مطردة وفي مختلف المجالات، وبكيفية تجعلها بمنأى عن النكوص او الانكفاء. لكنني، أرى الحاجة الى المزيد من الإرواء بالوطنية لكل ما نقوم بارسائه واضافته إن على الصعيد البشري، أو على صعيد المرافق والمنشآت التي نبنيها وتستهلك منا الجهد والأموال. مفيد أن يصبح اليوم لدينا ربع السكان في مقاعد الدراسة بأطوارها المختلفة. ومفيد أيضا ان تقتطع الدولة النسبة الأعلى من الميزانية لكي توفر لكل جزائري يافع حقه وفرصته في التعلم والأخذ بأسباب القوة في العصر الحديث. الا أنه مع كل ذلك سيكون مفيد أكثر اذا تخرج هذا اليافع وقد تحول الى شاب مقتدر متحكم في الامكانيات والتجهيزات العلمية والعملية وعقله هنا في الجزائر ومصيره مرتبط بالجزائر. وسيكون مفيدا كذلك اذا نجح الوطن في تجنيد كل طاقته البشرية وامكانياته المتوفرة في عملية البنا ء على كل المستويات وفي جميع المجالات. وإني لأعتبر ادخال موقع المرأة الجزائرية في التعديل الدستوري الأخير لايمثل احقاقا لحق ظل مشوبا بالكثير من التأويل الخاطئ، والمد والجزر حيال المكانة التي يجب أن تتوفر لنصف المجتمع الجزائري، ولكنه كذلك سد أمام أي تراجع عن المكاسب التي حققتها المرأة على صعيد التعليم والعمل وتشجيع لها على اقتحام الميادين الأخرى وفتح مستقبل حافل لها في مدارج العمل، ومسالك المشاركة والابداع. إن الوطن برّمته يعيش مؤشرات اقتصادية واعدة، ويعرف تحولات ايجابية واقعية يلمسها الجميع. وباستثناء بعض الأصوات التي يحلو لها احتراف مهنة التغريد خارج السرب فانه لابد من الاشادة بجهود جميع الكفاءات الوطنية المخلصة التي استطاعت أن تحول القطاعات العديدة في المجال الاجتماعي، وفي مجال المنشآت الكبرى والنقل بأصنافه والمياه والطاقة وغيرها من المجالات الى ورشات نشطة والى حركة دؤوبة تجمع الليل بالنهار وتضيف يوما بعد يوم ما يدنو بنا نحو الأهداف التي ننشدها ويتطلع اليها جميع أبناء الأمة. تحققت هذه الحركية بالرغم من المعوقات الموروثة عن سنوات المحنة ومراحل الركود، التي عملنا على التغلب عليها وبالرغم كذلك مما طرأ على الأوضاع الاقتصادية العالمية من تدهور واضطراب مالي معقد لم تتضح مخارجه بعد. واذا كنا نجحنا على مدار السنوات السابقة في تذليل الصعوبات المتشابكة والمعقدة التي كانت مطروحة بحدة إما بفعل الارهاب والتخريب، وإما بسبب ما سبق او صاحب ذلك من لغو وغلو ولغط واضاعة للتوجهات والاحداثيات. واذا كنا قد توفقنا وللّه الحمد في إعادة العقول الى رؤيتها وهدوئها، ورسمنا اتجاهاتها، ووفرنا ما يلزم لكي تستعيد التنمية الحقيقية أنفاسها. والجزائر اليوم في كالم ربوعها تعيش نسائم الواقع الجديد وتتلمس الثمار المحققة في حقول المنشآت الضخمة من البرامج المكثفة للسكن والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها. وهي في هذا وذاك تزاوج بين تلبية المطالب اليومية للمواطنين والتقدم أكثر فأكثر في تنفيذ الاستراتيجية الشاملة التي تقوم على انجاز المشاريع الكبرى التي ستغير وجه الجزائر في الأجل القريب وتضعها بالفعل في المواقع المتقدمة ضمن كوكبة الدول التي نجحت في النهوض واثبات الوجود. وإذا كنا قد حققنا ذلك كله، فاننا بإذن اللّه، ومادامت النوايا صادقة والارادة موجودة والوفاء لتضحيات الشهداء قائما، فسنستطيع التأسيس لمراحل أخرى أكثر تطورا واشراقا. وبإمكاننا المضي في طريق التقدم والنهوض بالرغم من الاعصار الاقتصادي والمالي الذي يضرب أكبر القلاع الاقتصادية في العالم مادمنا معتمدين على طاقتنا وقدراتنا الذاتية، ومحافظين على جديتنا وعقلانيتنا ودقة حساباتنا. إن قناعتي بأنه طالما تشبثنا بارادتنا في البناء وعولنا على مواردنا وأحسنا توظيفها وكرسنا كل طاقتنا لخدمة اهداف محسوبة فان النجاح سيكون حليفنا لا محالة. كانت هذه هي كلمة القوة والتفوق عند الشهداء وعند المجاهدين الذين سطروا لثورة نوفمبر هؤلاء الذين لم يأبهوا بقوة العدو وترتيباته طالما اقتنعوا بما امنوا به وأعدوا له ما يلزم ليحولوه الى فعل ينبض بالحياة. وحقيق بالجيل الحاضر ايضا أن يتأسى بذلك الرعيل وفي يده ما لم يكن في أيدي أسلافه من مصادر القوة والتفوق والانتصار، أقول حقيق به وواجب عليه ان يمضي حيث يريد، وسيرى كم هو مفيد التأسي بالشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، وهكذا هم أيضا بيننا، وينبغي ان يظلوا احياء نعطيهم حقهم ونقتدي بمسارهم عبر الوفاء لمنهجيتهم في مجابهة الصعاب واقتحام التحديات والاستعانة بمناقبهم في المعارك الراهنة لاثبات الوجود في عالم يعج بالرهانات المتعددة، ويحتاج بالرغم من اختلاف الوسائل وطبيعة التحديات الى قبس من الارادة والاقدام الذي حرك ذلك الرعيل الفذ من جيل نوفمبر الخالد فخاضها معركة للمصير وحقق على يديه ما أراد من المصير. فرحم الّله شهداءنا الأبرار وأسكنهم واسع الجنات وجزاهم عنا بجنات الرضوان وحفظ اللّه المجاهدين ووقاهم من كل مكروه. وشكرا للجميع على وقفة الذكرى هذه وعلى كرم الإصغاء. والسلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته