خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم الشهيد هو عيد الفداء والخلاص من الظلم والعدوان والاستعباد
رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم الوطني للشهيد من البليدة
نشر في الشعب يوم 18 - 02 - 2009

(الشعب): القى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كلمة قيمة بمناسبة اليوم الوطني للشهيد بولاية البليدة هذا نصها كاملا.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه الى يوم الدين
أيها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
ما أحوجنا ولاسيما في هذه الأوقات إلى مناسبة جليلة كهذه، وإلى وقفة متميزة كالتي نقفها اليوم في حضرة الشهداء وفي ذكرى تلك الصفوة التي اختارت الحياة الأبدية راضية مرضية عند رب العالمين.
لاشك انه ما من يوم يرتقي في مقامه، ويعلو في قدره، ما يبلغه اليوم الوطني للشهيد من شرف وسموق وإكبار.
يوم ليس كمثله بقية الأيام، لأنه برمزيته يحيلنا الى نماذج بشرية ليست تشبه المواكب الاخرى من البشر لا في درجة الأعمال ولا في المنتظر القادم من المآل.
وليس من باب المبالغة في شيء القول في هذا الخصوص ان شعوبا قليلة فوق هذه الارض يمكن أن تضاهي أيام شهدائنا ما تدل عليه عندنا، وما توحي به لدى شعبنا من المعاني، وما تثيره في جوانحه من الأحاسيس.
ان يخصص شعب يوما او أكثر من يوم للاحتفاء بمن ضحوا في سبيله فهو أمر دارج ومعقول، إلا أن قصة الشهداء ودلالات الشهادة وبشارتها تأخذ معاني أخرى حينما يتعلق الامر بالجزائر التي هي بحق هبة الشهداء.
فربما تذهب بأبنائها المشارب في الرأي مذاهب شتى، وقد يختلفون في شؤون يومياتهم فلا ضرر ولا ضير في ذلك، الا أنهم يضحون كلمة سواء ويتحولون كلهم إلى اجماع واجتماع حينما يتعلق الامر بالمكانة التي يرونها لشهدائهم ولأفضالهم على الوطن وعلى أجياله، فيوم الشهداء الذي نتطيب بأنفاسه في هذه اللحظات هو عرفان متجدد، واعتراف لملايين الشهداء الذين تعاقبت مواكبهم الزكية خلفا عن سلف في كل شبر، وفوق كل بقعة من تراب الجزائر منذ أن دنس المحتلون أديمه والى أن أرغمه أبطال نوفمبر المنتصرون على الاندحار والانكسار، يوم الشهيد في الجزائر هو عيد الفداء، عيد الخلاص من الظلم والعدوان والاستعباد بالدم، وبالموت.
وإذ يكاد يجتمع للجزائريين وحدهم هذا التراث العظيم من الفداء، ومن تقديم المهج التي تشرق بها صحائف التاريخ، فإنه واجب عليهم اليوم وغدا ان يحفظوا ذكرى تلك القوافل من الرجال والنساء الذين رفعوا عقائرهم بالنذير وكرسوا أنفسهم للكفاح وتقدموا الشعب في ميادين القتال مضحين بأنفس ما لديهم من أجله وفي سبيله.
وإني وعدد ممن يحضرون اليوم الاحتفاء بالشهيد، قد أكرمنا الله بمؤاخاة ومرافقة أعداد من هؤلاء الأعزاء، وارتبطنا بهم منذ تلك الأيام العصيبة والمشحونة بالبطولة والصفاء والصدق بارتباطات متينة ستبقينا على ما تعاهدنا عليه معهم حتى يأتينا اليقين.
وإننا كجيل تحمل عبء رسالة التحرير، سنكون أمام امتحانات لضمائرنا، اذا لم ننجح في نقل تلك الصلات الى الأجيال الجديدة.
وإذا كان الشهيد قد قدم حياته فداء للوطن، وللقضية، ولأبناء أمته، فإنه قد أراد حياة له ولهم، غير الحياة التي ثار ضدها، ولقد أغدت الشهادة بهذا المفهوم وصية وأمانة.
وصية لنا نحن جيل نوفمبر، وأمانة تتناقلها الأجيال المتعاقبة عبر علاقة مستمرة ومبايعة متجددة.
كما أصبح الإخلاص للوصية وتأدية الأمانة وفق هذا المفهوم مرهونان بما نقوم به قولا يترجمه الفعل، على أرض الواقع من عمل يتطابق في منطلقاته وأهدافه مع المشحون القيمي الذي حفزهم على الثورة ويتناغم مع المرامي التي كانوا يتصورونها.
إرادة التواصل والوفاء
أيها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
لاشك في أن اختيار 18 فبراير يوما وطنيا للشهيد، منذ أن تأسس في مثل هذا التاريخ سنة 1989 هو دليل على وجود هذه الإرادة للتواصل وللوفاء.
لقد تميز هذا الشهر بمحطات تاريخية هامة، وحوادث مؤلمة، ولعل تأسيس المنظمة السرية بتاريخ 18 فيفري سنة ,1947 التي مهدت لخيار الكفاح المسلح، وكذا طرح القضية الجزائرية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 فيفري ,1957 كانا من بين أهم تلك المحطات، هذا وتميز إضافة إلى ذلك بمحن شديدة تمثلت في بلوغ العدوان الاستعماري قمة وحشيته يوم قام بإعدام مجموعات كبيرة من المجاهدين أمام إخوانهم الجزائريين ويوم تنفيذ فرنسا لواحدة من أبشع التجارب النووية السطحية في ناحية رڤان، بتاريخ 13 فيفري ,1960 ويوم أن قررت في مثل هذا الشهر إنشاء المناطق المحرمة، وإقامة الأسلاك الشائكة المكهربة، وزرع ملايين الألغام المضادة للأفراد التي ما زال جيشنا يعكف على إزالتها الى اليوم، دون أن ننسى الجريمة المقترفة على ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958 وغير ذلك كثير من وجوه وأنماط ضريبة المعاناة التي بلغ بعضها الأوج في هذا الشهر، وتوزع الباقي على كل يوميات الثورة المباركة.
وإذا كان لي أن أعيد ما أشرت اليه قبل قليل فإنني، أؤكد على الأهمية التي يمثلها الرصيد الذي خلفه شهداؤ نا الأبرار ليس فقط من جانب المعرفة التاريخية الصرف، في مقارعة الصعاب وفي مجابهة التحديات، ولكنها ايضا تفيد حتى في صياغة وعي جديد يتكامل ويكمل مسار تضحياتهم ولا ينقضها أو يتناقض معها.
وفي تصوري، فإن هذا الأمر قد أصبح فرض عين على جميع إخواننا من المجاهدين الذين عرفوا أولئك الرجال وقاسموهم لحظات البطولات والأمجاد.
فرض عين لا بسبب الحاجة التاريخية الصرف فقط، بل لأن معايير البقاء وإثبات الوجود على تضاريس الخريطة العالمية الجديدة، وتداخل النظم الاقتصادية والاجتماعية والعقائدية من شأنه أن يحجب الرؤى ويحرف المسار عن جادته ما لم نتمسك بالقدر المطلوب من رصيد هؤلاء الأبرار، من آبائنا وإخواننا.
أشعر بالارتياح للاهتمام بالانتاج والبحث
أيها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
إذا كنت أهتم بالجانب التاريخي في تشكيل الوعي بالحاضر فإنني في ذات الوقت أميز بين الرؤية الماضوية الصرفة والرؤية التاريخية الناضجة والهادفة، الأولى تروم الثبات فتتوقف عنده، والثانية ترى الأمر حركة دائمة وتجددا مستمرا لايتوقف.
ولعلي لا أجانب الصواب، إذا قلت، أن العناية بالتاريخ والبحوث العلمية المتعلقة به التي شهدت حركة غير مسبوقة منذ بضع سنوات، هي التوجه الذي لابد منه، لتوفير البيئة المناسبة لتشكيل هذا الوعي.
وإني لأشعر بالارتياح إزاء ما ألاحظه من اهتمام متزايد بالانتاج والبحث واستغلال الوسائل والوسائط المختلفة المطبعية والاعلامية والسمعية والبصرية، من الانتاج وتدوين التاريخ، وتقديمه بطريقة مدروسة وهادفة.
ان ما حققناه من اثراء للمكتبة التاريخية، وما اسسناه من ورشات للبحث العلمي التاريخي، وما اقتحمناه من مجالات جديدة في ميدان التوظيف الفني والسينمائي والوثائقي، وفي السعي لاستغلال الفضاءات المناسبة لاقامة معالم تاريخية، تلك الانجازات التي تزداد اتساعا وجودة اصبحت تمثل منظومة فنية وثقافية، تتكامل وتفرز العمل الذي تنجزه على الاصعدة الاخرى الرامية الى الابقاء على شواهد الثورة باحداثها ومواقعها ومواقفها ماثلة بيننا تنبض بالدلائل، وتسترشد بها الاجيال فيما تقتحمه من مجالات وما تبذله من اعمال، وهي بعض من الغايات التي تستهدفها من اقامة المتاحف، تشييد المعالم، وصيانة مقابر الشهداء، وترميم مراكز التعذيب وغيرها من الاثار التي تشهد على معاناة الشعب الجزائري.
وهي كلها تصب في المجرى الذي اوليه كل عنايتي، وهي التمكين وتوطيد اركان المدرسة الجزائرية للتاريخ، التي هي وحدها المخولة لان تعبر بصدق عن تطلعات المواطنين الى معرفة تاريخهم من مصادره الاصلية وبلا تزييف او تحريف.
واني على يقين، بأننا كلما ثبتنا اقدامنا واكتمل وعينا بالقيم والدوافع التي حركت جيل الثورة، وزرعت في كيانه تلك الطاقة العظيمة للانتفاض والاصرار على الخلاص، كلما ازددنا نجاحا في تحقيق الاضافات المطلوبة على ذلك المسار الذي ابتدأ في غرة نوفمبر ,1954 وفي مقدمة ذلك ازالة آثار المسخ والتشوهات التي اصابت بعض الاجزاء من هويتنا والتي ما فتئت انبه الى الاهمية التي تمثلها عملية العناية بهذه الجوانب بالتصحيح او الترميم او الاثراء او التجديد بحسب الاحوال.
واعتقد في هذا السياق وبصرف النظر عمن يتقولون بغير ادراك او رؤية، او غيرهم ممن تقودهم نوازع واغراض يعرف الشعب الجزائري محركاتها ومصباتها، ان دسترة العلم الوطني، والنشيد الوطني، والعناية بتدريس التاريخ الوطني باتت من الاولويات الملحة لحفظ اركان مهمة من اركان الهوية الوطنية، والامانة التي تركها لنا الشهداء وهي ان تبقى الجزائر حرة سيدة، مستقلة، عزيزة، موحدة لا ذائبة في الغير ولا مبتورة عن امتدادها الاصيل.
إننا وبقدر ما أوليناه من عناية بتاريخ ثورة التحرير، والمقاومة الوطنية، حرصنا على تعبئة الموارد الموجهة الى صون مكانة المجاهد ومكانة الشهيد عبر ذويه في سلم القيم من خلال العناية بتحسين الاوضاع المعيشية والاجتماعية وتوسيع نطاق الرعاية الصحية والنفسية للمستحقين من المجاهدين وذوي حقوق الشهداء.
موازاة مع هذه التدابير التي مست جميع المجاهدين وذوي الحقوق، وانتقلت بهم الى حال افضل، فقد نفذت برامج مكثفة وسريعة لمضاعفة طاقة الاستقبال في مراكز الراحة والمتابعة الطبية والنفسية بتوسيع الموجود منها واقامة مراكز أخرى جديدة مع الحرص على نوعية الخدمات وطريقة التكفل التي بات علينا ان تتكيف وفق الاوضاف العمرية والصحية لقاصديها من طالبي الخدمات.
ولقد اتجه اهتمامنا علاوة على هذا بتوسيع وتطوير نطاق التكفل بالجانب الاجتماعي ونوعية الخدمات بتسخير التقنيات الحديثة، في مجال صرف المنح ومعالجة ودراسة الملفات والطعون والعناية بالتسهيلات المخولة للمجاهدين وذوي الحقوق في مجال النقل والسكن وغير ذلك مما يساعد على العناية بهذه الفئة ورفع الغبن عنها، لا سيما وانها اصبحت في حاجة الى هذه الخدمات نتيجة التقدم في السن وتطور المضاعفات الناجمة عن المعاناة الجسدية التي ورثتها من اعوام الثورة ومن العقود التي اعقبت الاستقلال وكانت فيها هذه الفئة في مقدمة من واصلوا العمل والتحول الى جبهة البناء والمساهمة في وضع اسس المرحلة الجديدة، والوقوف بعين الحارس المتيقظ والمبادر الملبي للنداء في كل مرة ينذر فيها المسار الوطني بخطر داهم او ضرر وشيك.
ولم يعد هناك مجال من شك بان هذه الشريحة وقد نالت حقها المشروع، وشهدت في السنوات الاخيرة الاستجابة الجدية لما كانت تتمناه منذ سنوات لم تعد فقط تشعر بالعيش الكريم وحسن التكفل بظروفها الصحية والنفسية، ولكنها اطمأنت في نفس الوقت الى ان الاستجابة لاحتياجاتها اليومية والتخفيف من معاناة العيش لديها هو صورة اخرى للتعبير عن التقدير والاحترام لما قدمته من تضحيات، وهو الى جانب ذلك يمثل وجها آخر للجهد الشامل الذي تبذله الدولة لتوسيع نطاق الاستجابة الفعلية والتدريجية للمطالب الحقيقية التي تشغل بال الاغلبية من المواطنين. وقد اثرنا ان تكون مرتبطة بما يتحقق من نتائج ملموسة على صعيد الانعاش الاقتصادي وتحريك دواليب الانتاج وتوسيع مجالات الاستثمار بدلا من التوزيع السهل الذي لا تؤمن عواقبه.
وآثرنا في كل هذا ان يكون التجاوب مع هذه الاحتياجات قائما على منهجية تراعي الاولويات الملحة لدى هذه الفئة وتوفير ادوات الاستجابة لها بصورة عادلة وفعالة وبدون اخطاء، كما تراعي قدرات البلاد والتطور وتقديم برنامج الانعاش الاقتصادي الذي يجعل هذه الاستجابة للمطالب جزء من التحسن الاقتصادي والاجتماعي الشامل يخص جميع المواطنين. ولذلك توخينا اصدار القوانين والمراسيم التي تعطي لهذه الجوانب طابع الديمومة والاستمرار، وتوفر لها الاطر المثلى للعدالة والشفافية وحسن التدبير.
الجزائر تتقدم وتتطور
أيها السيدات الفضليات.
أيها السادة الافاضل.
ونحن نحيي في هذا اليوم ذكرى الشهداء، هؤلاء الذين انتفضوا من رماد القهر والتخلف الذي سلطه علينا الاستعمار، هؤلاء الذين ادركوا المفاتيح الصحيحة للحل، والمدخلات الحقيقية للقضية.
حري بنا وهم القدوة والمنارة ان نستلهم منهم ما يجب من العزم والادراك والتصميم.
لا مراء في اننا نقطع كل يوم خطوات كبيرة على صعيد التعليم والصحة والمنشآت القاعدية.
ولا يمكن حتى للمشككين والجاحدين ان ينكروا ان الجزائر تتقدم، وتتطور بنسب مطردة وفي مختلف المجالات وبكيفية تجعلها بمنأى عن النكوص او الانكفاء.
لكنني، ارى الحاجة الى المزيد من الإرواء بالوطنية لكل ما نقوم بارسائه واضافته ان على الصعيد البشري، او على صعيد المرافق والمنشآت التي نبنيها وتستهلك منا الجهد والاموال.
مفيد ان يصبح اليوم لدينا ربع السكان في مقاعد الدراسة باطوارها المختلفة.
ومفيد ايضا ان تقتطع الدولة النسبة الاعلى من الميزانية لكي توفر لكل جزائري يافع حقه وفرصته في التعلم والاخذ بأسباب القوة في العصر الحديث.
إلا انه مع كل ذلك سيكون مفيد اكثر اذا تخرج هذا اليافع وقد تحول الى شاب مقتدر متحكم في الامكانيات والتجهيزات العلمية والعملية وعقله هنا في الجزائر ومصيره مرتبط بالجزائر.
وسيكون مفيدا كذلك اذا نجح الوطن في تجنيد كل طاقته البشرية وامكانياته المتوفرة في عملية البناء على كل المستويات وفي جميع المجالات.
وإني لاعتبر إدخال موقع المرأة الجزائرية في التعديل الدستوري الاخير لا يمثل احقاقا لحق ظل مشوبا بالكثير من التأويل الخاطىء، والمد والجزر حيال المكانة التي يجب ان تتوفر لنصف المجتمع الجزائري، ولكنه كذلك سد امام اي تراجع عن المكاسب التي حققتها المرأة على صعيد التعليم والعمل وتشجيع لها على اقتحام الميادين الاخرى وفتح مستقبل حافل لها في مدارج العمل، ومسالك المشاركة والابداع.
تحولات ايجابية واقعية
إن الوطن برمته يعيش مؤشرات اقتصادية واعدة، ويعرف تحولات إيجابية واقعية يلمسها الجميع.
وباستثناء بعض الاصوات التي يحلو لها احتراف مهنة التغريد خارج السرب فانه لا بد من الاشادة بجهود جميع الكفاءات الوطنية المخلصة التي استطاعت ان تحول القطاعات العديدة في المجال الاجتماعي، وفي مجال المنشآت الكبرى والنقل باصنافه والمياه والطاقة وغيرها من المجالات الى ورشات نشطة والى حركة دؤوبة تجمع الليل بالنهار وتضيف يوما بعد يوم ما يدنو بنا نحو الاهداف التي ننشدها ويتطلع اليها جميع ابناء الامة.
تحققت هذه الحركية بالرغم من المعوقات الموروثة عن سنوات المحنة ومراحل الركود، التي عملنا على التغلب عليها، وبالرغم كذلك مما طرأ على الاوضاع الاقتصادية العالمية من تدهور واضطراب مالي معقد لم تتضح مخارجه بعد.
وإذا كنا نجحنا على مدار السنوات السابقة في تذليل الصعوبات المتشابكة والمعقدة التي كانت مطروحة بحدة إما بفعل الارهاب والتخريب، واما بسبب ما سبق او صاحب ذلك من لغو وغلو ولغط واضاعة للتوجيهات والاحداثيات.
وإذا كنا قد توفقنا ولله الحمد في اعادة العقول الى رؤيتها وهدوءها، ورسمنا اتجاهاتها، ووفرنا ما يلزم، لكي تستعيد التنمية الحقيقية انفاسها.
والجزائر اليوم في كامل ربوعها تعيش نسائم الواقع الجديد وتتلمس الثمار المحققة في حقول المنشآت الضخمة من البرامج المكثفة للسكن والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها.
وهي في هذا وذاك تزاوج بين تلبية المطالب اليومية للمواطنين والتقدم اكثر فأكثر في تنفيذ الاستراتيجية الشاملة التي تقوم على انجاز المشاريع الكبرى التي ستغير وجه الجزائر في الاجل القريب وتضعها بالفعل في المواقع المتقدمة ضمن كوكبة الدول التي نجحت في النهوض واثبات الوجود.
وإذا كنا قد حققنا ذلك كله، فإننا بإذن الله، وما دامت النوايا صادقة والارادة موجودة والوفاء لتضحيات الشهداء قائم، فنستطيع التأسيس لمراحل اخرى اكثر تطورا واشراقا. وبامكاننا المضي في طريق التقدم والنهوض بالرغم من الاعصار الاقتصادي والمالي الذي يضرب اكبر القلاع الاقتصادية في العالم ما دمنا معتمدين على طاقتنا وقدراتنا الذاتية، ومحافظين على جديتنا وعقلانيتنا ودقة حساباتنا.
إن قناعتي بأنه طالما تشبثنا بارادتنا في البناء وعولنا على مواردنا واحسنا توظيفها، وكرسنا كل طاقتنا لخدمة اهداف محسوبة فان النجاح سيكون حليفنا لا محالة.
كانت هذه هي كلمة القوة والتفوق عند الشهداء وعند المجاهدين الذين سطروا لثورة نوفمبر، هؤلاء الذين لم يأبهوا بقوة العدو وترتيباته طالما اقتنعوا بما آمنوا به واعدوا له ما يلزم ليحولوه الى فعل ينبض بالحياة.
وحقيق بالجيل الحاضر ايضا ان يتأسى بذلك الرعيل وفي يده ما لم يكن في ايدي اسلافه من مصادر القوة والتفوق والانتصار، اقول حقيق به وواجب عليه ان يمضي حيث يريد، وسيرى كم هو مفيد التأسي بالشهداء الذين هم احياء عند ربهم يرزقون، وهكذا هم ايضا بيننننا، وينبغي ان يظلوا احياء نعطيهم حقهم ونقتدي بمسارهم عبر الوفاء لمنهجيتهم في مجابهة الصعاب واقتحام التحديات والاستعانة بمناقبهم في المعارك الراهنة لاثبات الوجود في عالم يعج بالرهانات المتعددة، ويحتاج بالرغم من اختلاف الوسائل وطبيعة التحديات الى قبس من الارادة والاقدام الذي حرك ذلك الرعيل الفذ من جيل نوفمبر الخالد فخاضها معركة للمصير وحقق على يديه ما اراد من المصير.
فرحم الله شهداءنا الابرار واسكنهم واسع الجنات وجزاهم عنا بجنات الرضوان وحفظ الله المجاهدين ووقاهم من كل مكروه.
وشكرا للجميع على وقفة الذكرى هذه وعلى كرم الاصغاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.