ظل الجوع منذ فجر التاريخ سببا للحروب ونتيجة ناجمة عنها أيضا، ولهذا السبب بالذات ينبغي النظر إلى الكثير من الصراعات الحديثة على أنها ''حروب طعام''، وهي فكرة تطرح تحديات فريدة أمام الدول المانحة للمساعدات الغذائية في العالم، حيث يتفق المختصون بأنه لا يمكن إقامة الأمن الغذائي في الأماكن التي دُمر فيها عن طريق النزاعات المسلحة، إلا إذا توفر الأمن، وهذه هي المعضلة الكبيرة التي يواجهها الكثير من مشاريع توزيع الثروات وإعادة الأعمار والمصالحة في أنحاء العالم، لأن الطعام له ثقل أخلاقي هائل في مجتمعنا، وتقاسم الطعام جزء من تاريخ طريقة حياتنا، ولا شك في أن التأكد من أن لدى الجميع ما يكفي من الطعام هو جزء من جميع التقاليد الدينية التي تشكل العالم. وقد تحدث عملية اقتتال طرفين متحاربين للسيطرة على مصادر الإمدادات الغذائية لمكافأة مؤيديهما ومعاقبة أعدائهما. ويعيش أكثر من 65 مليون شخص في 72 بلدا اضطرابات أمن غذائي بينها قطع وصول الإمدادات ونقص المواد الغذائية وسوء التغذية بسبب النزاعات المسلحة، حيث أقرت منظمة الأغذية والزراعية الدولية (الفاو) أن مستوى ما تسببه الحروب من انعدام الأمن الغذائي يرتفع في بعض الدول بحيث يصل إلى 07 بالمئة وأكثر، ويمكن استخدام الأغذية كخطاب لتعزيز القدرات الأخرى، البرامج الصحية والبرامج المولدة للدخل والبرامج التعليمية حيث يمكن للمساعدات الغذائية من خلال ضمانها للأمن الغذائي الأساسي أن تعزز الاستقرار، وأن تساعد المجتمعات المحلية في مقاومة الدعوات الجديدة للقيام بعمليات عنف مسلح، والأمن الغذائي هو نتيجة مباشرة للأمن الاقتصادي الذي يعني غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية، وهو يعني أيضا التنمية، وبدون تنمية لا يكون هناك أمن، وبدون أمن لا تكون هناك تنمية، وإن الظاهرتين، أي الأمن والتنمية، مترابطتان لدرجة أنه من الصعب أحيانا التمييز بينهما، ولذا كما تقدمت التنمية تقدم الأمن، وكلما نظم المجتمع أموره الاقتصادية لمد نفسه بما يحتاج إليه وتعود على التوفيق السلمي بين المطالب المتنافسة في إطار المصلحة الوطنية الكبرى، فإن درجة مقاومته للعنف والفوضى ومقاومة المهددات الخارجية سوف تتزايد بدرجة كبيرة. وعلى ذلك فإن كلمات الأمن التي وردت في القرآن الكريم عادة ما تكون مقترنة بالأمن الغذائي، كما في قوله تعالي (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). فالإطعام من الجوع هو الأمن الغذائي بينما الأمن من الخوف هو الأمن العام والذي يعني الاطمئنان الذي يعني الاستقرار الاجتماعي في علم الاجتماع بأنه استمرار وجود التمازج الاجتماعي والثقافي في مجتمع محلي او مجتمع كبير دون تعرضه لتغيير مفاجئ أو جذري، والاستقرار الاجتماعي لا يعني بالضرورة وجود حالة من الثبات تسود المجتمع، مع أن المجتمع الثابت (إذا افترض وجوده) ينبغي أن يكون مستقرا، وبناء على ذلك يكون المجتمع الذي يطرأ عليه تغيرات تدريجية وبطيئة وكافية لإعداد التوافق دون أن تؤدي إلى أي اضطرابات أو تفكك، مجتمعا مستقر. وتشهد المجتمعات عموما درجات متفاوتة من التغيير وهناك ملامح محددة لهذا التغيير في كل مجتمع، ولا يمكن عزل التغيرات من حيث الزمان والمكان لأنها تحدث في سلسلة متعاقبة ومتصلة الحلقات أكثر من حدوثها على شكل أزمات وقتية تتبعها مراحل إعادة البناء. والتغيرات المعاصرة يمكن أن تحدث في أي وقت ويمكن أن تنشر نتائجها في أي مكان. لذلك يبقى السلاح الأخضر الوسيلة القوية لضمان كرامة الإنسان.