من القضايا التي لم تعد تسبب حرجا للعائلة وللمجتمع على حد سواء، الطلاق حيث تغيرت نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، خاصة وأن في أربع حالات زواج توجد ثلاث حالات طلاق. الطلاق مشكلة لها طابع الخصوصية، وفي الوقت الذي كرّه الإسلام الطلاق ونفّر منه... والرسول عليه الصلاة والسلام قال : '' تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمان '' واعتبر الحياة الزوجية لها قدسية خاصة لا بد من احترامها وان هدمها ليس بالأمر السهل فهي ميثاق غليظ ينبغي عدم نقضه بسهولة. فقد قال عز وجل: ''وأخذنا منكم ميثاقا غليظا '' وهذا دليل على حفظ الزوجية من العبث بها لما يترتب عن ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع بأكمله. ومما لا شك فيه أن الطلاق هو عملية هدم لبناء الأسرة وقد يأتي هذا الهدم عند بداية الطريق وتأسيس الحياة الزوجية أي قبل الدخول بالزوجة.... أو قد يأتي متأخرا بعد اكتمال البناء لهذه الحياة وولادة الأولاد وكثرة أعباء الزواج، وفي كلتا الحالتين يترك الطلاق بصمته وآثاره السلبية على المطلقين وعلى أولادهما وعلى المجتمع بأسره، والضرر الذي يقع على هذه الفئات نتيجة الطلاق لهو أكبر بكثير من فوائد ومقاصد الطلاق. وبنظرة فاحصة مدققة على الجوانب الاجتماعية والتربوية وإخراج الآثار المزعجة والخطيرة على المجتمع بصفة عامة تجد أن الضرر يقع أولا على المرأة المطلقة؛ فنظرة المجتمع إلى المطلقة نظرة فيها ريبة وشك في سلوكها وتصرفاتها مما تشعر معه بالذنب والفشل العاطفي وخيبة الأمل والإحباط مما يزيدها تعقيدا ويؤخر تكييفها مع واقعها الحالي. حتى وإن فكرت مرة أخرى في الزواج لاعتبارات اجتماعية متوارثة من جيل لآخر فتكون فرصتها الوحيدة هي الارتباط من رجل أرمل أو مطلق أو مسن، وبناء عليه فإن مستقبلها غير واضح ومظلم فتعود بعد الطلاق حاملة جراحها وآلامها ودموعها في حقيبة ملابسها.. خاصة وأن مجتمعاتنا التقليدية وللأسف وليس الدين طبعا، تعتبرها الجنس الأضعف، فإن معاناتها النفسية تكون اكبر فينعكس عليها ذلك بالخوف والقلق من المستقبل ونظرة المجتمع السيئة وتبقى دائما محاطة بعلامة استفهام لماذا طلقت؟ وما هو السبب ؟ ... ويقع الضرر أيضا على المطلق حيث يصاب بالإكتئاب والانعزال واليأس والإحباط وتسيطر على أفكاره أوهام كثيرة وأفكار سوداوية وتهويل الأمور وتشابكها، وهذا الأمر يخلق عنده الشك والريبة من كل شيء، فيفقد أفكاره والاتزان بأحكامه والاستقرار والتوازن لأنه يفقد أنس الصحبة وسكينة الدار ورحابة الاستقرار لينتقل إلى دائرة بلا مركز يشوبها القلق من فكرة فشل زواج آخر وأنه سيكون رجلا غير مرغوب فيه ومشكوكا فيه من قبل الثانية لطلاقه بالأولى. وأكبر ضرر يتحمله الأطفال؛ فالأسرة هي المنبع الأول للطفل في مجال النمو النفسي والعقلي، والطلاق له آثار وخيمة على الأطفال وذلك في بعدهم عن إشراف الأب إن وجدوا مع الأم وفي البعد عن حنان الأم إن وجدوا مع الأب وفي هذه الحالة يكون الأطفال عرضة لتأثيرات نفسية كالإحباط والتوتر والقلق والاضطراب فضلا عن أسئلتهم واستفساراتهم عن سبب حرمانهم، إما من الأب أو الأم وشعورهم بالنقص أمام أقرانهم في المدرسة .... ولأجل هذه الآثار الناتجة عن الطلاق يجب أن يدرك كل فرد في المجتمع أن الطلاق إذا خرج عن المفهوم والغرض الذي أباحه الله عز وجل له واعتبره ابغض الحلال إليه فإنه سيوصل المجتمع إلى المهاوي والردى، لان الله سبحانه وتعالى يريد الحياة السعيدة والمستمرة والمستقرة للأسرة، لذلك جعل الطلاق في أضيق الحدود وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية وصعوبة العلاج إلا به، وحتى يكون مخرجا من الضيق، لا أن يصبح شيئا عاديا ومرغوبا فيه دون الانتباه للخطر الذي يهدد استقرار الأسرة في زمن نحن بحاجة لتحصين وتمتين علاقاتنا الأسرية.