يهدد التصحر ثلث مساحة العالم، واستنفذ 3٪ من طبقة الأوزون، وارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسبة 31٪، وبدأ الإنتاج العالمي من الحبوب يتناقص بمعدلات كبيرة، وأصبح حزام الجوع يضم 039 مليون نسمة، ويتعرض 053 ألف شخص سنويا لسرطان الجلد، ويصاب 7,1مليون نسمة بإعتام عدسة العين كل عام، كما يتسبب تلوث الهواء في الوفاة المبكرة لنحو عشرة ملايين نسمة سنويا. تعد مشكلة تلوث البيئة من أكثر المشكلات إلحاحا في الوقت الحاضر، نظرا لتفاقمها السريع، وتضاعف نتائجها، وأيضا بالنظر إلى تعقيدها، حيث تمتد لتشمل مختلف أوجه الحياة الإنسانية متجاوزة الحدود السياسية، فآثارها بعيدة المدى إلى درجة التهديد بفناء الجنس البشرى بأسره. وتتميز مشكلة التلوث بجملة من الخصائص، أهمها أنها تتسم بالحداثة النسبية، وبالتالي بصعوبة تحديد آليات المواجهة الأكثر فعالية، على كل المستويات المحلية والعالمية. ويعد السلوك غير الرشيد للإنسان في التعامل مع البيئة هو السبب الرئيس لتلوثها، وبالتالي يكون الإنسان في دائرة البيئة جانيا وضحية في الوقت ذاته، وبالتالي يبقى الوعي الإنساني بمشكلة التلوث من أهم أساليب المواجهة وضبط السلوك، بالتركيز على التنمية البشرية كأساس لتحقيق التوازن المطلوب. وتتطلب مواجهة مشكلة التلوث إمكانيات كبيرة لا تتوافر للدول النامية الأكثر معاناة من التلوث، حيث يجب تحديد التكاليف النقدية للتلوث ومواجهته، ليس فقط تكلفة التلوث، بل تكلفة السياسات اللازمة للتصدي له. ووفقا لدراسات معهد الاقتصاد الألماني، فقد أنفقت الولاياتالمتحدة عام 5002 نحو 081 مليار دولار لحماية البيئة داخل حدودها، وأنفقت ألمانيا 82 مليارا، وبريطانيا 81 مليارا. كما تشير إحصاءات اللجنة العالمية للبيئة إلى أن حماية البيئة في الدول النامية تحتاج سنويا إلى أكثر من 500 مليار دولار كبرامج محدودة تخص التلوث الصناعي فقط، ولا تشمل ظروف الجفاف والتصحر. والتكلفة الاجتماعية للتلوث، أي التكلفة التي يتحملها المجتمع من جراء النشاطات المسببة للتلوث كبيرة للغاية، وتفوق المنافع الآنية والمحدودة، وإذا كانت البيئة تبدو هي ضحية التلوث، فإن الإنسان وبحكم تعلق حياته بالبيئة من حوله ترتد عليه آثار التخريب والاستنزاف، فمن يرصد التغيرات البيئية التي شهدها العالم خلال نصف القرن الأخير، يجد أن العالم قد خسر خمس التربة الصالحة للزراعة، وخمس غاباته المدارية، وعشرات الآلاف من الأنواع النباتية والحيوانية. وإذا كانت حماية البيئة حقا من حقوق الإنسان، فهي واجب على الدولة يقتضي القيام به، أن تكفل النظام الأمثل لتحقيقه على أراضيها باستخدام كافة الوسائل والسياسات الوقائية والتنظيمية والجزائية، لتنظم السلوكيات الجماعية والفردية من أجل حماية الضحايا المحتملين. وإذا كان التلوث في الدول المتقدمة يرجع أساسا إلى الأنشطة الصناعية المتقدمة، فإنه في الدول النامية يعود إلى ضآلة الوعي الفردي والجماعي بوسائل الحماية البيئية، إضافة إلى الممارسات العشوائية في إشباع الحاجات والأوضاع المعيشية والسكنية السيئة. ومثال ذلك إلقاء القمامة في أي مكان، وزيادة عوادم السيارات، والإفراط في استخدام المبيدات، وتناول الأغذية الملوثة. وقد يكون المجتمع بأسره هو ضحية التلوث، بما يتحمله من تكلفة، تتمثل في فقده للأفراد كضحايا مباشرين للتلوث، وتكاليف الرعاية الصحية اللازمة للضحايا، إضافة إلى تكاليف المعاناة المتمثلة في ساعات العمل المهدرة، وتكاليف الانتقاص من الموارد البيئية ورأس المال البيئي، إلى جانب تكاليف الحماية من أضرار التلوث، وتكاليف تعويضات الضحايا وإعادة الحال إلى ما كان عليه. ويبقى الاستثمار في الموارد البشرية في جميع مجالات الحياة، ضرورة حتمية وخيار وحيد لضمان مستقبل نجهل تعقيداته...