خطبة الجمعة من المواعظ المهمة في حياة السلم، ولعل نظرة بسيطة وتأملا سطحيا فيها يؤكد أهميتها، فخطبة كل أسبوع تحمل أوامر ونواهي وإرشادات لا شك أن لها تأثيرا طويل الأمد، لكن هذا التأثير مرهون بمدى الاستعداد للتلقي والاستفادة، ولذلك يحسن بنا أن ننوه بهذه الاستعدادات المطلوبة في الجانب النفسي ثم الفكري.ففي الجانب النفسي: أولاً: لابد من تعظيم شأن الخطبة في نفسه؛ فهي أمر من أوامر الله، وعدم الاستخفاف بها أو التهوين من دورها في حياته، تبعاً لواقع معين عند الناس ألفوه، حتى تتحول من عادة إلى عبادة.ثانياً: بذل الجهد للاهتمام بها بما يستطيع؛ بالتعاون مع الناس والخطيب والحثّ على حضورها وإظهار أهميتها، وتعلّم وتعليم أحكامها، وتهيئة الظروف في البيوت لهذا الحدث؛ ليظهر له هيبة في بيئته الإسلامية.ثالثاً: عدم إصدار حكم مسبق على الخطبة بفشلها من خلال تصور مسبق أو معلومة عن توجّهات الخطيب الفكرية أو العلمية.رابعاً: أن لا يوجّه اهتمامه إلى جانب معين يخصّه في الخطبة دون الجوانب الأخرى؛ لتحقيق غاياته النفسية، أو تغطية لنقص معين في علمه، فإن كان يعاني من مشكلة اجتماعية أو كان على خلاف مع أحد كالجارّ ونحوه فلا يتصور أن الخطيب سيطرح مشكلته دون غيرها، حتى إذا لم يجد اهتمامه أعرض عن الخطبة وقلّل من شأن ما يطرحه الخطيب وإن كان مفيداً لغيره.خامساً: عدم التقليل من دوره في إنجاح الخطبة، أو التقليل من شأن الخطيب وإن كان أقل منه علماً، بل يجعل من نفسه قدوة للآخرين.سادساً: إغفال أيّ علاقة سلبية بالخطيب، كونه يخالفه في بعض الفروع أو التوجهات الاجتهادية أو الفكرية؛ لأن هذا من شأنه حرمانه من الفائدة.سابعاً: أن يكون تقييمه المباشر للخطبة موضوعياً وبنّاءً لا سلبياً؛ كأن يتلقط الهفوات، ويتسقط الزلات.أما في الجانب الفكري: فأولاً: استقبال الأفكار بتمعّن وإيجابية وإنزالها على الواقع، فإذا سمع الآيات القرآنية والأحاديث وهو يحفظها أو يسمعها دائماً فلا يعرض عن الإصغاء لها والتفكّر في معانيها، فإنه سيجد فيها معاني لا تنضب.ثانياً: اتهام نفسه بالتقصير؛ لتدارك أخطائه، فإن من الملاحظ أن بعض المستمعين إذا سمع توجيهاً في نقص معين قال في نفسه: هذا فلان يفعل وفلان.. ويبرِّئ نفسه من التقصير.ثالثاً: محاولة التركيز على المفاهيم والمعاني المطروحة وفهم مقاصد الخطيب حتى وإن كان الأسلوب أحياناً ضعيفاً، ولا يجعل خطأ الخطيب في الأسلوب أو طول خطبته مانعاً من الفهم.رابعاً: نقل مضمون الخطبة إلى غيره ممن حضر في مسجد آخر، وللنساء في البيوت، وكذا أهل الأعذار، أو تسجيل الخطبة وتداولها؛ لتعميم الفائدة.خامساً: مناقشة الخطبة مع بعض من حضر؛ للاستفادة منها، والبحث عن كيفية التطبيق العملي للخطبة، وإبراز الإيجابيات والتناصح مع الخطيب في شأن السلبيات.وأخيراً: فإن خطبة الجمعة أمرُها جِدّ وليس بالهزل، وهي وسيلة تغيير وتجديد، وهي من عوامل حياة هذه الأمة، فالاهتمام بها من الخطيب والحضور جزء من إحياء الأمة ومن ثم واجب على المكلف بأدائها.