يحاول وضع بصماته على أمور المطبخ.. يتدخل في كل كبيرة وصغيرة.. يحصي عدد المكالمات الهاتفية.. يطرح أسئلة بوليسية.. ويضع كل حركة تحدث داخل المنزل تحت المجهر! هي شهادات زوجات استجوبتهن "المساء" عن حالهن عندما يمضي الزوج عطلته السنوية في البيت، فكان الاشمئزاز سيد الإجابات، أما الأسباب فتكشفها تفاصيل هذه الاعترافات التي جمعناها. يعتبر الصيف الفترة المفضلة بالنسبة للعديد من العمال للظفر بالعطلة السنوية، لاسيما وأن هذا الفصل يتميز بالحرارة الشديدة التي تتسبب في الفشل والإرهاق، مما يدعو إلى الاستجمام بعيدا عن مقرات العمل، غير أن بعض العمال كثيرا ما يحكمون على أنفسهم بالمكوث بين أربع جدران على أساس أن البيت المرتع المناسب للراحة.. ونتيجة ذلك هي أن يصبح وجوده إلى جانب الزوجة دائما على مدار الساعة على خلاف أيام العمل، مما يثير الفضول لكشف النقاب عن رد فعل الزوجات. "آه" طويلة تصدرها العديد من السيدات اللواتي كان سؤالنا بالنسبة لهن بمثابة وضع اليد على الجرح جراء التصرفات التي تصدر عن الرجل تحت تأثير الفراغ لتدفعه للتدخل في شؤونهن الخاصة. مزعج كبير! البداية كانت مع محامية التقتها "المساء" بمحكمة سيدي محمد، أجابت بلهجة يطبعها التذمر أن عطلة الزوج في المنزل "مشكلة" عويصة، لأنه يتحوّل إلى ظل للمرأة.. "أنا شخصيا أمنحه لقب "المزعج الكبير"، فليس من السهل التعايش مع الوجود الدائم للرجل في المنزل الذي يلاحق المرأة في كل أنحاء المنزل بأوامره ونواهيه." وأضافت زميلتها: "فعلا عطلة الزوج مرادف للإزعاج، لاسيما وأن الرجل الجزائري يتميز بالكسل الذي يجعل طلباته لا تنتهي، وهي كلها ممارسات تلقي بثقلها على الزوجة وتسبب لها التوتر." يحولني إلى نادلة السيدة "نجية.ي" أستاذة في إحدى إكماليات العاصمة ترى: "عندما يقضي زوجي عطلته في المنزل يعني أنه حكم علي بالاشمئزاز.. فهو ينام إلى ساعة متأخرة ليتغير جراء ذلك برنامج عملي كلية، أما حينما يستيقظ فتبدأ معاناة من نوع آخر بسبب جهاز التلفاز الذي لا يفارقه وطلباته التي أتحوّل بموجبها إلى نادلة". يسجنني في المنزل سيدة أخرى كانت برفقة طفليها استوقفناها بشارع العربي بن مهيدي فقالت: "صراحة إن عطلة زوجي مرادف للقلق بسبب الحشرية التي تبيح له التدخل في أمور لا ناقة له فيها ولا جمل، لكن أكثر ما يضايقني في المسألة هو أنه يمنعني من زيارة أهلي خلال فترة عطلته، إذ يحكم عليّ بالمكوث معه في المنزل تجنبا للشعور بالوحدة." سيدتان أخريتان من ور?لة كانتا تتجولان بسوق ساحة الشهداء إتفقتا على أن الزوج عندما يكون مشغولا ببعض الالتزامات فإن عطلته السنوية تنزل بردا وسلاما، وفيما عدا ذلك تطفو الحشرية كهواية مستفزة يتخذها الرجل كوسيلة لسد الفراغ الذي يحيط به، فيتدخل في كل كبيرة وصغيرة رغبة منه في تسيير البيت على طريقته الخاصة." أفقد حريتي وبباب عزون بالعاصمة، التقينا سيدة أخرى رفقة أبنائها فجاء على لسانها ما يلي: "مهمة زوجي خلال العطلة لا تخرج عن إطار إصدار الأوامر والنواهي، إذ تتحوّل صغائر الأمور إلى جزء لا يتجزأ من إهتماماته، فتراه يدقق في كل شيء ويراقب كل ما يجري.. ولا تمر أية هفوة بلا حساب.. وكل تفاهة تتحوّل إلى "مشكلة" بالنسبة له لاسيما إذا تعلق الأمر بذوق الطعام، بل ويضيف إلى ذلك أسئلة متهاطلة: من يتكلم على الهاتف؟.. من دق جرس الباب؟.. وفحوى القول هو أنني أفقد حريتي في تسيير شؤون المنزل". التقرب من شريك الحياة وإذا كانت معظم الشهادات تلفق للرجل تهمة "الحشرية" وتلبسه صفات المراقب، الموبخ والمهيمن الذي يريد أن تكون كلمته سارية، فإن هذا لا ينفي أن هناك من النساء من يرحبن بعطلة أزواجهن، كما أن بعض النساء العاملات يفضلن أخذ الإجازة في نفس الفترة التي يحصل عليها الزوج لتمضيتها سويا. وفي هذا الصدد، بحوزتنا شهادة سيدة تقطن بالعاصمة التقيناها بأحد المحلات في باب عزون فذكرت أنها ترحب بعطلة زوجها.. وبابتسامة رسمت ملامح السرور على وجهها استرسلت: "اعتبر عطلة زوجي فرصة ثمينة لأعيش رفقة أفراد عائلتي لحظات مليئة بالدفء العاطفي الذي لا يتاح لنا كثيرا في سائر الأيام، فأنا خلال عطلته أنعم بالراحة، لأنه يساعدني في تربية الأبناء من خلال الإكثار من مجالستهم، وذلك من منطلق تعويضهم عن الحرمان العاطفي.. كما أن مكوثه في البيت يتيح بالنسبة لي فرصة التقرب أكثر من شريك الحياة الذي تسرقه أشهر العمل مني، ولتبادل الآراء والأفكار." المطلوب.. تجديد الحياة وبهذا الخصوص، ترى الدكتورة مزوز بركو أستاذة بجامعة باتنة مختصة في علم النفس وحائزة على شهادة ماجستير في علم الاجتماع، أن تصرفات الزوج في البيت خلال فترة العطلة لا تعكس مشكلة الفراغ بالضرورة، وإنما تترجم طبيعة تركيبة الرجل الجزائري الذي يتميز بكونه متحررا في الغالب، يفعل ما يشاء أو يذهب حيث يريد وما إلى ذلك من التصرفات التي تعبر عن الحرية التي يحظى بها الذكر في المجتمع الجزائري. ولعلّ أن نظرية التركيز والإلغاء هي أفضل تفسير لسلوكات الرجل في فترة راحته السنوية، ذلك أن انشغاله بالعمل ومتطلباته خلال سائر الأيام ينسيه بعض الأمور الثانوية كتلك التي تجري داخل عشه الزوجي، لكن بمجرد أن ينقطع عن العمل حتى تأخذ تلك الأمور الثانوية حيزا كبيرا من إهتماماته اليومية، مما يدفعه للتدخل في أمور تعتبرها المرأة من إختصاصها.. وما كثرة الملاحظات الصادرة منه سوى عنوانا لذلك، لاسيما وأنه يبحث في هذه الفترة عن إهتمام الزوجة والأولاد، لكن وبما أن المرأة اعتادت على نظام عمل معين تقوم بتطبيق ما يقتضيه في غياب الرجل، فإن تدخلات الزوج أثناء العطلة يخلق نوعا من البلبلة في رزنامتها ويولد لديها الشعور باللاأمن. إن تجاوز هذا الاشتباك الذي يحدث بين المرأة والرجل خلال إجازة هذا الأخير -تؤكد محدثتنا- متوقف على متغير التجديد الذي تفتقر إليه البيوت الزوجية في مجتمعنا نظرا لكونه مفهوما غائبا عن أساليب التنشئة الاجتماعية التي يترعرع بموجبها كلا الجنسين .والحقيقة أن الكل يعيش الحياة الزوجية على طريقته الخاصة، غير أن هناك نساء يحسن التصرف ونساء يسئن التصرف، فالمتوقع من المرأة المدركة والمتمسكة بعائلتها أن تحاول بذكائها الفطري استعمال الحيلة واختيار الطرق والألفاظ الملائمة التي من شأنها أن تحدث التغيير. وعلى الرجل أيضا أن يغيّر من نمط تفكيره عن طريق حذف الفكرة القائلة: "سأمضي العطلة في المنزل لكي أرتاح" من ذهنه، وتعويضها بتسطير استراتيجية لقضاء العطلة خارج المنزل، لأن مكوثه مطوّلا في البيت يضاعف من أعباء المرأة التي تصبح مطالبة بالإهتمام بالزوج أكثر في فترة الإجازة.. وختام القول -كما ترى الدكتورة مزوز بركو- هو أن يراعي كل طرف ما يحبه الطرف الآخر حتى يسود التكامل والانسجام بينهما.