يحتاج كلّ واحد منّا إلى فترة يركن فيها للراحة،وكثيرا ما يكون الليل الوقت الأنسب لنرمي فيه بأجساد مثقلة بهموم الدنيا،ومتعبة باعمال يوم كامل،فالنوم هو حاجة بيولوجية يطلبها كلّ كائن حيّ،وحتىّ النبات والحيوان ،لكن هل كلّ واحد فينا يراعي الشروط الصحيّة والسليمة للنّوم،ولعلّ الكثيرين منّا لا يحترمون الأوقات المخصصة للنوم. النوم حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلى باطن البدن لطلب الراحة، وهو نوعان :طبيعي وغير طبيعي ،فالطبيعي،هو إمساك القوى النفسانية عن أفعالها ،وهي قوى الحسّ والحركة الإرادية ،ومتى أمسكت هذه القوى عن تحريك البدن ،إسترخى ،وإجتمعت الرطوبات والأبخرة التي كانت تتحلل وتتفرّق بالحركات واليقظة في الدّماغ الذي هو مبدأهذه القوى ،فيتخدّر ويسترخى نوذلك هو النوم الطبيعي .وأمّا النوم غير الطبيعي :فيكون لعرض أو مرض ،وذلك بأن تستولي الرطوبات على الدماغ إستيلاء لا تقدر اليقظة على تفريقها ،أو تصعد الأبخرة فتثقل الدماغ وترخيه ،فيتخدّر،ويقع إمساك القوى النفسانية عن أفعالها ،فيكون النّوم. فوائد النوم: للنوم فائدتان جليتان :إحداهما :سكون الجوارح وراحتها ممّا يعرض لها،فيريح الحواس من نصب اليقظة ،ويزيل الإعياء والكلل .والثانية :هضم الغذاء ،ونضج الأخلاط لأنّ الحرارة الغريزية في وقت النّوم تغور إلى باطن البدن،فتعين على ذلك ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى غطاء دافئ. النوم النافع:أن ينام الإنسان على شقه الأيمن،ليشفر الطعام بهذه الهيئة في المعدة إستقرار حسنا،فإنّ المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلا ،ثم يتحول إلى الشق الايسر قليلا ليسرع الهضم بذلك لغستمالة المعدة على الكبد، ثمّ يستقر نومه على الجانب الأيمن ليكون الغذاء أسرع إنحدارا عن المعدة ،فيكون النوم على الجانب الأيسر مضرّ بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه،فتنصب إليه المواد .والنوم المعتدل ممكّن للقوى الطبيعية من أفعالها ،مريح للقوى الإنسانية .أخطاء النوم:أرد أ النوم هو النوم على الظهر،ولا يظرّالإستلقاء عليه للراحة من غير النوم ،والأردأمنه هو الإنبطاح على الوجه.ونوم النهار:رديئ يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللّون ،ويورّث الطّحال،ويرخي العصب،ويكسل،ويضعف الشهوة إلاّ في الصيف وقت القيلولة،وأردؤه نوم أوّل النهار وبعد العصر،ورأى عبد الله بن عبّاس ابنا له نائما نومة الصّبحة ،فقال له : قم،أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق.ونومة الضحى تشغل عن أمر الدنيا والآخرة ،ونومة العصر قال فيها بعض السلف ،من نام بعد العصر ،فاختلس عقله فلا يلومنّ إلاّ نفسه .وقال شاعر :ألا إنّ نومات الصحى تورث الفتى خبالا ونومات العصير جنونونوم الصبحة :يمنع الرزق لأنّ ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها،فنومه حرمان إلاّ لعارض أو لضرورة،وهو مضرّ بالبدن لإرخائه إياه وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة،فيحدث تكسرا وعيّا وضعفا،وإن كان قبل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيئ،فذلك الدّاء العضال المولّد لأنواع من الأدواء. يعتبر النائم بمنزلة الميّت،والنوم أخو الموت،ولهذا يستحيل على الحيّ الذي لا يموت سبحانه، وأهل الجنّة لا ينامون فيها،وكان النائم محتاجا إلى من يحرس نفسه،ويحفظها ممّا يعرض لها من الآفات ،وكان ربّه وفاطره تعالى هو المتولّي لذلك وحده،لهذا وجب على الإنسان قبل نومه أن يقول كلمات التفويض والإلتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي بها كمال حفظ الله له.