من المعروف أن ظاهرة التسول قديمة نوع ما ، الي أنها تعرفت في السنوات الأخيرة تزايدا مخيفا انتشارا مقلقا في نفس الوقت . فلم تعد تستثني لا الأسواق ولا المساجد و حتى حافلات النقل و في الطرقات و الأزقة و في الأماكن التي تعج بالمواطنين و تشهد حركة كبيرة ،وأصبح المتسولين يلجئون الي أساليب و طرق جديدة لاستمالة عواطف الناس ،و هذا ما يلاحظه كل من يقصد يتجول في شوارع العاصمة . و إن كنا لا ننكر أن هناك العديد من الحالات الحقيقة ،لإناس عاجزين عن العمل وتوفير لقمة العيش الي أفراد عائلاتهم ، بسبب المرض أو الإعاقة أو يعيشون أوضاعا اجتماعية مزرية ، بسبب الغلاء الاجتماعي الذي بلغ اعلي درجاته ،و بالمقابل انخفاض المستوى المعيشي لفرد الجزائري ،الا أن ظاهرة التسول أصبحت تعرف انزلاقا خطيرا في السنوات الأخيرة ،و ظهور موجات جديدة وحيلا متنوعة يكون أبطالها متسولين أو مواطنين عادين، اتخذوا من التسول مهنة لهم باعتبارها وسيلة للربح السهل و السريع ، فمنهم من يستغل الأطفال ببراءتهم و جهلهم للأمور وحقيقتها ،أو يستغل المعاقين بإعاقتهم ، ومن هنا تبدأ رحلة استعطاف الناس و اللعب علي مشاعرهم و أحاسيسهم باستعمال عبارات حفظت عن ظهر قلب أو بعض الأدعية لإثارة عواطف الناس و المارة . و موضة هذه الأيام هي اتخاذ المرض كحجة لكسب المال ،وكثيرا ما تكون تلك المناظر مثيرة للمشاعر كإبراز الجروح المتقرحة أو الأمراض الخطيرة وحتى الأورام ، وهناك من يريك بعض الأمراض الجلدية التي وصلت الي درجة كبيرة من التعفن، أو أن يجلس بطريقة غريبة أو يسمعك أنينه و يحرص علي أن يرفع صوته ليشد انتباه المارة ، وكل هذا دون مبالاة للمواطنين الذين تختلف درجات تحملهم لمثل تلك المناظر أو ولا يكترثون للخطر الذي قد ينتج عن تعريض أمراضهم للمؤثرات الخارجية كالغبار الذي قد يزيد من تأزيم الأوضاع الصحية لهم ،وكثيرات ما يحمل المتسولين أوراقا طبية فيها قائمة الأدوية أو يكتبون حالتهم الاجتماعية بهدف الحصول ولو علي بعض الدنانير . و كما هو ملاحظ فان الأطفال وخاصة صغار السن أو الرضع يستعملون لنفس الأغراض دون أدنى اعتبار لحقوقهم وان هذا العمل سيؤثر لا محال علي حياتهم المستقبلية . ورغم مساعي المكثفة لعدة جهات علي رأسها مراكز النشاط الاجتماعي لاحتواء هذه الظاهرة أو التقليل منها ،وذلك بإنشاء مراكز ووحدات مهيأة لاستقبال و رعاية المتشردين والمتسولين و كذا الأطفال دون مأوى وذلك بتوفير جميع حاجاتهم و متطلباتهم الا أن اغلبهم يرفض البقاء في تلك المراكز ويفضلون العودة الي التسول علي البقاء فيها .ومن الناحية القانونية يعتبر التسول في القانون الجزائري مخالفة يعاقب مرتكبها من شهر الي ستة أشهر و ذلك حسب المادة 195 من قانون العقوبات خاصة إذ كان بإمكانه العمل ،الا أن هذه الفئات تتذرع بالفقر و الحرمان وأنها تعيش حالة مزرية لا يجعلها تخاف السجن أو العقوبة. قريسي صارة