تعددت الطرق و الهدف واحد .. نصب واحتيال و تلاعب على وتر شهامة الجزائري و كرمه، فقد أصبح المتجول عبر العاصمة يتفادى الكثير من شوارعها هروبا من الوقوع في شباك حرج يجبره على الدفع كل مرة ولو إكراها، جراء التعاطف أو حتى محاولة التخلص من إلحاح متسولين تكاد تمتد أيديهم إلى جيوب المارة. حيث صار هؤلاء يتفننون في ابتداع طرق تسول غاية في الحبكة و الدهاء عبر كل ممر من ممرات مدينة لو بيع فيها التراب لوجد من يشتريه. وبعد أن كان هؤلاء يتنافسون على إظهار اكبر قدر من الحاجة و الشقاء من خلال مبالغتهم في الظهور في مشاهد درامية مأساوية يقصدون بها خدش مشاعر الناس و إثارة روحهم التضامنية التي لا يستطيع الجزائري إلا تلبية ندائها في كل مرة و لو على حسابه الشخصي. وبعد أن كان المتسولون يظهرون بخرق بالية و وصفات طبية منتهية الصلاحية مع اقتياد رضع أو شيوخ لا تربطهم بالمتسول أدنى علاقة سوى المصلحة ''التسولية'' أو ''الاحتيالية'' إن صح التعبير. و بعد أن تجاوزوا مرحلة التنافس على حجز أهم الأماكن الإستراتيجية التي يؤمونها في مواقيت محددة لتأكدهم التام من اجتماع ضحاياهم فيها كتسابقهم على بوابات المساجد أيام الجمعة و على مراكز البريد التي يحفظون تواريخ دخول رواتب زبائنها بدقة قد تفوق دقة الموظفين أنفسهم. وعلى الطرق السريعة خلال مواقيت العمل وعبر كل محطات الحافلات و سيارات الأجرة و مواقف المركبات.. أصبح المتسول الجزائري أكثر ثقة في سخاء ضحاياه، أو ربما أكثر ثقة في قدراته الاحتيالية أو أكثر جرأة على مد اليد و طلب الحسنة أو الصدقة أو'' المسروقة'' أن صحت التسمية. فقد أصبح المتسول الجزائري يكاد يقدم نفسه للمارة ببطاقة مهنية تثبت انه من أهل الصنعة، حيث لم يعد في الأمر حرج أو خجل أن يظهروا بثياب محترمة، و يطلبون الحسنة بصفة فظة، وكأنهم ضباط ضرائب و الويل لمن لا يدفع .. وأمام هذا الوضع الذي استفحل في الشارع الجزائري عموما و العاصمي خصوصا، و حوله إلى معقل للنصب و الاحتيال، صار من الضروري اتخاذ إجراءات قانونية صارمة في حق هؤلاء من شأنها الحد من هذه الظاهرة من خلال محاصرة حركتهم عبر المرافق العمومية، إلى جانب شن حملة عامة خاصة بتوعية المواطنين و حملهم على الامتناع عن الرضوخ لحيل كل أنواع المتسولين، فأن كان الأمر قد يظهر بسيطا للكثيرين منا لأنه يتعلق ببعض الدنانير، إلا أن الحقيقة اكبر لأنها تتعلق بمظهر البهجة التي غلب عليها مشهد الفقر والبؤس بصورة مفبركة مصطنعة من قبل أشخاص أحلوا لأنفسهم ما هو حق لغيرهم ممن لا يسمع لهم صوت ولا أنين رغم فاقة الفاقة.