حفظ القرآن الكريم لا يأتي هكذا طفرة واحدة أو جملة واحدة، بل هناك خطوات ينبغي السير عليها حتى يحقق المرء بغيته، فالحفظ له وسائل وطرق تساعد من يريد الحفظ، كما أن الحفظ له دوافع في النفس والذاكرة لها أوقات نشاط وأوقات فتور وهكذا، فمن رام حفظ جزء من القرآن الكريم أو كله فما عليه إلا أن يشمر عن ساعد الجدّ ولينتبه لهذه الخطوات:أولا: ضرورة وجود العزيمة الصادقة؛ وذلك عند الابتداء في الحفظ والاستمرار على ذلك، إذ بدونها يخور العبد ويتهاون ولا يتجاوز الأمر كونه مجرد أمنية وحلم يقظة، ويمكن أن يوجِد الإنسان هذه العزيمة الصادقة بمعرفته لعظمة القرآن ومكانة أهله، والفضل الجزيل لقارئه ومستمعه إذ أن النصوص الواردة في ذلك تحث المسلم وتدفعه بشدة إلى تكوين رغبة جادة في قرارة نفسه على الحفظ والمواصلة.ثانيا: التقليل من المشاغل والاكتفاء بالحفظ وبذل الجهد في ذلك؛ قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لَنهديَنَهُم سُبُلَنَا)، ومعروف أنه من سار على الدرب وصل، ومن جد وجد، ومن زرع حصد، ومما يعرفه الناس عن النملة أنها تحاول الرقي إلى مكان مرتفع وقد تفشل في الوصول إلى غايتها وتسقط، ولكنها لا تكل أو تمل وتبذل جهداً مضاعفاً إلى أن يتكلل جهدها بالنجاح، وهذا هو ما ينبغي فعله لمن أراد حفظ القرآن.ثالثا: تفريغ وقت يومي للحفظ سواء أكان ذلك بعد الفجر أو بعد العصر أو بعد المغرب... إلخ، كل حسب ما يناسبه. وكون مكان الحفظ في المسجد أولى لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق بالأمس: (..أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد)، ومعلوم أن الجو في المسجد مهيأ لهذا الأمر، وغيره ليس مثله. وكونه مع مجموعة من أفراد ينافسونه في الحفظ ويضاعفون له في الأجر أفضل لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)، ولأن الجماعة عنصر مساعد ومشجع والإنسان قد يصاب بكسل وفتور فتدفعه الجماعة إلى المواصلة، ولذا قيل (الصاحب ساحب).رابعا: اختيار شيخ مجيد للتلقي عليه، ولذا قرر أهل العلم أنه لا يصح التعويل في قراءة القرآن الكريم على المصاحف وحدها بل لابد من التلقي على حافظ متقن متلق عن شيخ، ولذا قال سليمان بن موسى: كان يقال: لا تأخذوا القرآن من الصحفيين. يعني أصحاب الصحف والكتب فإنه لا يكفي في القراءة الصحيحة والسليمة من الأخطاء بل لابد من سماع من قارئ، وقال سعيد التنوخي كان يقال: لا تحملوا العلم عن صحفي ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي. يعني من عند كاتب أو من كتاب، بل مشافهة وسماعا، لأن بعض الكلمات من القرآن صعبة على المبتدئ، ولأن حفظ بعض الكلمات بصورة خاطئة تجعل تصحيحها فيما بعد شيئا صعبا، ولكون قراءة القرآن مبناها على التلقي والسماع جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : والله لقد أخذت من فيّ (يعني: فم) رسول الله بضعاً وسبعين سورة. وذُكر في الفتح أن عبد الله بن مسعود أخذ بقية القرآن عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ولأهمية التلقي في تعلم القرآن نجد أن بعض الصحابة كانوا يوجهون طلابهم إلى ضرورة التلقي عن المتلقي، فعن معد يكرب قال: أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا: طسم المائتين (يعني سورة الشعراء) فقال: ما هي معي؛ ولكن عليكم مَن أخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خباب بن الأرت. قال: فأتينا خباب بن الأرت فقرأها علينا. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعارض جبريل بالقرآن كل عام مرة وعام وفاته مرتين، وكان يأمر أصحابه بالتلقي فيقول (اقرأوا القرآن من أربعة نفر: من ابن أم عبد، ومن أُبيّ بن كعب، ومن سالم مولى أبي حذيفة، ومن معاذ بن جبل).خامسا: اختيار مصحف مُعين في الحفظ حتى ترسخ مواضع الآيات في الذهن ولا يكون هناك تشتت، فلا يُنصح بالحفظ من مصحف ذو ترتيب للآيات على هيئة معينة ثم الحفظ في اليوم الآخر من مصحف آخر ذو ترتيب وكتابة للآيات بصورة مغايرة.سادسا: الحرص على الابتداء في الحفظ من آخر المصحف وبخاصة صغير السن أو ضعيف العزيمة، حتى يشعر أنه قد أنجز شيئاً في فترة وجيزة، حيث أن السور أكثر عدداً وأقل صعوبة، ولديه خلفية عنها عن طريق مقررات القرآن في المدارس النظامية أو سماعها تتلى في الصلوات، وكذلك لا يحسن بمن يحفظ جزءا من القرآن من طوال السور ولا يحفظ قصار السور.سابعا: دعاء الله تعالى بالتوفيق والتمكين من الحفظ واللجوء إليه في ذلك لأن حفظ القرآن الكريم منة من الله وهبة منه سبحانه، وهو القائل: (يؤتي الحكمة من يشاء).