وصف محمد حسين الفكي منسق الوفد السوداني المشارك في المهرجان الثقافي الافريقي الثاني الذي انطلقت فعالياته في الجزائر هذه التظاهرة القارية ب"الحدث الثقافي التاريخي". و قال محمد حسين أنه بعد 40 سنة من إقامة المهرجان الثقافي الافريقي الأول بالجزائر تقوم أفريقيا مرة أخرى لتقول للعالم أن "لديها ثقافة وتستطيع أن تعبر عنها بوسائل إفريقية خالصة و بفنون إفريقية محضة". و قد جاء هذا المهرجان -- كما أضاف محمد حسين وهو فنان تشكيلي وأستاذ بكلية الفنون التطبيقية بالخرطوم -- ليؤكد وجود ثقافة افريقية متنوعة وإسهام فنونها في خارطة الثقافة العالمية. و من هنا -- كما أكد -- تأتي "عظمة هذا المهرجان" الذي توقع له أن يكون نقطة تحول من التبعية الثقافية للدول الأوروبية إلى خصوصية ثقافية افريقية. و في هذا الإطار وبعد أن شدد على ثراء و تنوع الثقافة الإفريقية أشار محمد حسين إلى أن لإفريقيا ثقافة "تنطلق من مفاهيمنا ولها جذور في التاريخ مما يؤكد شخصيتها كثقافة عالمية متنوعة تمتلئ حيوية غير موجودة في الثقافات الأوروبية". و حول مشاركة السودان في هذا العرس الافريقي يقول أن بلاده ملتزمة تماما بما اتفق عليه في توصيات اللجنة التحضيرية للمهرجان و أن "همنا الأول هو أن تعكس فنوننا ما يعرف بدورة الحياة "ميلاد- زواج - وفاة" و ما يحدث بينها من طقوس".و في معرض حديثه عن خصوصية الثقافة السودانية يتوقف منسق الوفد السوداني عند إحدى حلقات دورة الحياة هذه و المتمثلة في الزواج و الطقوس المحاطة بها ليقول -- بعد أن أشار إلى أن السودان يشتمل على أكثر من 150 قبيلة -- أن طقوس الزواج تختلف من مجموعة اثنية إلى أخرى ابتداء من التقدم للخطبة إلى موافقة آهل الطرفين إلى غاية ليلة الفرح. كما توقف أيضا عند طقوس بعض القبائل السودانية فذكر طقوس التتويج في جنوب البلاد و الطرق الصوفية في الشمال التي لها أشكال خاصة في التعبير الديني من خلال المدائح الدينية. و عند تطرقه الى البعدين العربي الإسلامي و الافريقي في الثقافة السودانية قال محمد حسين انه من "عظمة هذه الثقافة أن يلتقي الوثني مع الديني" و يتيح كل منهما للآخر المجال للتعبير عن رؤيته بشكل مجرد مضيفا أن الديني لا يصطدم فيما يخص الفنون بالتقاليد "فغالبا ما يجد للتقاليد مخرجا و يتيح لها التعبير عن نفسها". و حول صورة السودان العالقة في أذهان العامة من الناس حيث ارتبط اسم هذا البلد بالصراعات و الحروب يقول أن الإعلام الغربي لعب دورا كبيرا في إرساء هذه الصورة فهو "لا يرى الجميل لأنه يتحرك وفق أهداف سياسية". و يضرب محمد حسين مثالا باللغة العربية التي تسعى أطراف إلى أن تجعل منها أداة شقاق و تفرقة وهي في الحقيقة -- كما يقول -- اللغة المشتركة بين كل السودانيين على اختلاف مشاربهم. و باعتباره فنانا تشكيليا تطرق محمد حسين الفكي لهذا النوع من التعبير الفني و ألح على الفصل بين الفن التشكيلي كمفهوم أوروبي و التشكيل كممارسة عملية متجدرة في كل أشكال الحياة. ففيما يخص التشكيل بمفهومه الأول يرى أن المواطن الذي لا يملك ثقافة تشكيل أوروبية يصطدم بمفاهيم اللوحة فهو إذن يعاني من استيعاب اللوحة وهذا لا يعني بالضرورة -- كما قال -- أن الثقافة التشكيلية بهذا المفهوم غائبة عن العامة. أما إذا نظرنا له بشكله العملي البسيط نجد أن التشكيل متجدر في كل أشكال الحياة لكل الناس بمختلف مستوياتهم معتبرا انه يمارس التشكيل كل من يبني منزلا عن طريق العمارة التقليدية أو يضع عليها رسومات أو ديكورات أو زخارف و كل من يستخدم الرمزيات في البناء فهو يمارس التشكيل. و عن سؤال حول صعوبة تجاوز المحلية بالنسبة للفنانين السودانيين خاصة والأفارقة عامة يرى محمد حسين أن "مشكلتنا إننا لا نعرف كيف نقدم أنفسنا للآخرين" كما أن إعلامنا "غير قادر على تقديمنا بالصورة المطلوبة". و يقول انه في حالة السودان فان "أعظم الأعمال الفنية سواء كانت في مجال الأدب أو الشعر أو التشكيل قد أنتجها سودانيون خارج الوطن" مستشهدا في ذلك بأعمال الروائي الراحل الطيب صالح التي "عرفت في الخارج قبل أن يعرفها السودانيون" و منها روايته المشهورة "موسم الهجرة الى الشمال" التي صنفت ضمن أحسن مائة رواية في القرن الماضي و ترجمت الى أكثر من عشرين لغة.سعاد طاهر / م