شرع الله الطلاق لمصلحة الزوجين في الفراق إذا انعدمت في الوفاق، قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ). إذا افترق الزوجان ولم يتصالحا ولم يمكن الجمع بينهما فهل يجوز لأحد أن يرغمها على البقاء في الرابطة الزوجية؟ وبمعنى آخر؛ هل يُمنع الزوج من تطليق زوجته إذا اختلفا إلى حد الكراهية والبغضاء؟ وهل يصح منع الطلاق حتى يؤكد بالإذن من جهات معينة كالقاضي؟.إنه لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم منع الرجل من تطليق زوجته بعد أن كرهها وأبغضها، وبعد أن رأت منه ما يمنع اجتماعهما، ولا روى عن الصحابة ذلك، ولا أحد من العلماء ممن يعتد برأيه قال بضرورة أخد الإذن قبل الطلاق، إنما ورد في كتاب الله و سنة رسوله أن يبعث حكمين للإصلاح لا لمنع الطلاق قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا).إن إخضاع الطلاق للرقابة لا يحقق المصلحة، لأن من يمنع إيقاع الطلاق لا يمكنه أن يجعل حياة الزوجين سعيدة، ولا يستطيع أن يمنع سوء العشرة أو إزالة الأسباب التي أوصلتهما إلى حد الفرقة، فالشجار والخصومة لا يمنعها القاضي من مكانه، ولأن من دوافع الطلاق الأمور النفسية التي لا تدخل تحت أي سلطان والتي لا يمكن معرفتها ولا ضبطها، وأسبابها كثيرة وعلاجها عسير، كما أن إخضاع الطلاق للرقابة قد يفضي إلى الإطلاع والبحث عن أسرار يحسن سترها ولا يليق إفشاؤها ولو للقاضي حتى يأذن في الفراق، فخير أن يفرق بين الزوجين في ستر وأسرارهما في منأى عن أعين الناس وألسنتهم، كما أن الطلاق التعسفي يمكن معالجته والحد منه وذلك بالتربية والتوعية وتقوية معاني النبل والإيمان في قلب الزوجين وبالأخص الرجل، وبتفهيمه معاني أحكام الإسلام المتعلقة بالأحوال الشخصية وبما ألزم الشرع من حسن المعاشرة والصبر وكظم الغيظ والتأديب والتعليم، وتذكير الزوج بأنه إذا تعسف في استعمال حقه في الطلاق من غير مبرر شرعي ملحقا الأذى والضرر بالمرأة فإنه يسأل عن فعله هذا مسؤولية دينية يوم القيامة، كما أن لتأديب الزوجات أثر في منع وقوع الطلاق التعسفي بأن تفهم المرأة ما أوجبه الله عليها من حقوق ومن ضرورة أدائها لواجباتها، مع حسن مداراة الزوج، وأن المرأة المؤمنة هي التي تتحمل بعض الأتعاب تخفيفا عن زوجها، فإذا اتُبعت مثل هذه المناهج خُفف من تعسف الرجال في استعمال الطلاق، أما منعه أو نزعه من يد الرجل أو فرض عوض عن الطلاق فهذا مما لا تحمد عقباه ولا هو في صالح المرأة، فإنه إن فرض على الرجل تعويضا فإنه سيزداد غيظا وحقدا فلا يمسك ولا يفارق، بل يدعها معلقة، فلأن تملك المرأة حريتها خير من أن تأخد عوضا ماديا معه جرح في النفس وحشرجة في الصدر وضيق في القلب.أما ما قرره الشرع من أن العصمة بيد الرجل لا المرأة فإن الطلاق لا يملكه إلا الزوج ولا مبدل لكلمات الله، ذلك أن الله الذي خلق الزوجين جعل قوامية الزوجين بيد الرجل على امرأته، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ). فالرجل خصه الله بمميزات جعلته قواما عليها، ومما فُطرت عليه المرأة أنها ترضى بقوامية الرجل عليها، والعكس ليس صحيحا، ولأن الزواج شركة والأسرة مؤسسة، فكما لا يمكن جعل مديرين اثنين في أي مؤسسة أو شركة فكذلكم الأسرة، ثم إن الطلاق أمر خطير به تنحل الرابطة الزوجية وتتفكك وقد أنشأت لتكون عقد العمر فلا يُتعجل في إنهاء هذا العقد، وفي حالة غضب الزوجان وشقاقهما فإن الكبر سرعان ما يتغلغل في نفس المرأة وتأخدها العزة بوالديها وأهلها، فكثيرا ما تتعجل الفراق، أما الرجل فإنه أقدر على ضبط عواطفه وانفعالاته، وأقوى على كظم غيظه وغضبه وأكثر احتمالا وصبرا، والواقع يؤيد ما نقول وهو الغالب، والحكم للغالب الشائع لا للقليل النادر، وإن كان في النساء من هي أقدر وأفهم وأكمل من أزواجهن.ومما زاد الرجل أحقية في امتلاك الطلاق أنه هو من يتحمل تبعاته وآثاره، فنفقة العدة عليه، وأجرة الرضاعة والحضانة عليه إن كان هناك أطفال، وهو السابق المتفضل بإعطاء المهر وتكاليف البيت ونفقة الأسرة، لهذه المعاني نشيد بالزواج أن يكون في المقام الذي نصبه الله عز وجل له، وأن يكون في كامل المسؤولية التي أناطها الله عز وجل به وبقدراته وخصائصه، فلا يتعسف ولا يتسرع ولا يتعجل، وليكن جل اهتمامه هو الأسرة ومصالحها في الدين والدنيا في العاجلة والأخرى، وأن تكون المرأة واقفة لجنبه ممسكة بعضده لا ندا لرأسه، فإن أطعنكم أيها الرجال فلا تبغوا عليهن سبيلا.