الزواج هو أهم مقومات الحياة والمتمم للوظائف الحيوية والحافظ للجامعة البشرية من الانقراض والزوال بإذن الله، وأساس لتقدير المرء في الهيئة الاجتماعية، وقِوام وُجود الألفة والتحابب والاحترام والتوقير بين الزوجين، وبه يحصل التعاون والتعاضد والتآلف والتآزر بين الأسر المتناسبة بسبب ما تم بينها من المصاهرة المقرّبة للبعيد والمحببة للقريب والمُدنية للأجنبي الغريب. وقد ندب الله إلى الزواج فقال عز من قائل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) وقال سبحانه وتعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وقال، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). ولهذا خاطب النبيُ صلى الله عليه وسلم الشباب يدعوهم إلي الزواج والمبادرة إليه متى كان قادرا على مؤن الزواج ونفقاته، وكان به توقان إلى النساء حتى لا تزل به القدم في منزلقات المعاصي، فتقوده نفسه ويغريه شيطانه فيقع فيما لا يحل من الموبقات والذنوب المهلكات، فإن للشباب فُتوّة ونزوة تدفعه إلى طاعة شهوته وتقهره على إرضائها بدون أن يبالي بسوء مغبة أو حسنها، وكم من شاب أغرته شهوته واستعبدته لذته فأتى من الذنوب والمعاصي وأروى من الموبقات شغف نفسه، فكان عاقبة ذلك ضياع الثروة والافتقار بعد اليسر والمال العريض، والذلة بعد الجاه والعزة، والضعف بعد القوة والصحة الشاملة، وانتابته بعد نضارة شبابه العلل والأسقام، وصار حليف الهم والغم والسهاد، ينام على مثل شوك القتاد، قد أقض مضجعه وذبلت نضرته وتنكرت له الحياة بعد إقبالها، وكشرت له الأيام بعد ابتسامها أنيابها، وكل ذلك بما قدمت يداه، وكان أصحابه ينفرون عنه بعد ما كان قرة أعينهم وموضع الغبطة والسرور. ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حكمة المبادرة إلى الزواج بعد القدرة والاستطاعة بأنها تحصن الفرج عن الوقوع في المحرمات وملابسة ما يغضب فاطر الأرض والسماوات ويزري بالشرف والكرامات، وإن المبادرة تدعو إلى العفة وغض البصر عن المحرمات، أضف إلى ذلك أن المبادرة في الزواج تمكن المرء بإذن الله إذا رزقه الله أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم، وجعلهم رجالا صالحين مصلحين ينفعون أنفسهم وأمتهم، ويجعل منهم عمادا لحياته وحياة أمته، وقوة له ولها يحفظ بهم هيبتها وكرامتها ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها. ولنتأمل في حياة المتزوج عندما يفاجئه مرض أو تنتابه نائبة وعنده زوجة صالحة؛ كيف يكون محاطا بعطفها وقيامها بخدمته نائما على فراش الراحة، وتسليه وتؤنسه وتقوم بخدمته وتضمر الخير له، وارجع بنظرك إلى العَزَب في حالة مرضٍ، فهو في حالة يأس وقنوط وندم على ما فرط منه لعدم اقترانه بزوجة صالحة وقرينة ناصحة، تكون له خير معينة وأفضل مساعدة علي نوائب الدهر وأنكاده، لقد فقد العَزَب العطف والرأفة به، والراحة والقيام بتمريضه وحوائجه الكثيرة في أشد الأوقات وأحرجها وأضيق الساعات، وكان في حالته المحزنة كالغريب النائي عن وطنه وأقربائه وأصدقائه، يتمنى ويتلهف على أن يتصدق عليه أحد بشربة ماء أو نحوها. وأما الإبطاء عن الزواج حتى يتقدم في العمر فصاحبه على خطر، فقد لا يستطيع تربية أولاده لضعف قوته وعجزه عن تحصيل ما به حياتهم وتوفير أسباب السعادة لهم، وربما اختطفته المنية فيتركهم كزغب القطا مهيضي الجناح، أيتام لا يقدرون على التخلص من الأكدار والأنكاد، زد على ذلك أن الإبطاء في الزواج يزيد كثرة الفتيات العانسات، ويفوّت عليهن زمن نضرتهن وجني ثمارهن.