استعانت السلطات الوطنية بترسانة جديدة لقمع ظاهرة الغش التجاري المتفاقمة في البلاد، وأفيد أنّ تشريعات لحماية المستهلك ستدخل حيّز التنفيذ في غضون المرحلة القليلة القادمة، بجانب توظيف خمسة آلاف عون لمراقبة جودة السلع ونوعية البضائع، بغرض وضع حد للتقليد والقرصنة وما يواكب تزوير العلامات التجارية، حيث صارت قيمة الغش التجاري في البلاد تربو عن الملياري دولار، علما أنّ الجزائر شرعت منذ عام1997 في مكافحة ظاهرة التقليد والقرصنة على الأعمال الفكرية، إلاّ أنّ خبراء يجمعون على أنّ الجزائر مازالت متأخرة من حيث ترسانتها القانونية والعقابية لمواجهة المنتجات المغشوشة الني تسمى بالعامية (سلع تايوان). ويتضمن مشروع القانون المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش الذي صادق عليه المجلس الشعب الوطني، الأربعاء الفارط، سنّ ضوابط تحكم حركية مختلف المنتجات المتداولة في السوق المحلية، وضمان احترام حقوق المستهلك وتعزيز إجراءات قمع الغش، ويعتبر مشروع القانون هذا بمثابة إعادة صياغة كلية لقانون سابق ظلّ يحكم السوق الجزائرية خلال العشرين سنة الأخيرة. وبحسب وزارة التجارة ، فإنّ هذه الترسانة القانونية تأتي استجابة للتطورات التي تعرفها السوق المحلية ولمواجهة الاختلالات التي تشهدها الممارسة التجارية هناك، وبين التدابير التي تضمنها هذا القانون تحديد التزامات كافة المتدخلين في العملية التجارية علاوة على دعم أكبر لدور جمعيات حماية المستهلك، ويحدد القانون الجديد أيضا الأعوان المؤهلين للقيام بعمليات البحث ومعاينة المخالفات وينص على مخالفات جديدة تتمثل أساسا في نقص إعلام المستهلكين بخصوص السلع المعروضة ومخالفات أخرى تتعلق بغياب خدمات ما بعد البيع. وينص الإجراء المستحدث، على فرض رقابة أحسن على حركية المواد المعروضة للاستهلاك بالنظر إلى الانضمام المرتقب للجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة ومناطق التبادل الحر، وما ينجرّ عن ذلك من عدم قبول بعض المنتجات غير المطابقة على الحدود، كما يرمي هذا الإجراء الجديد الذي يعدّ الأكثر صرامة في تطبيق مبادئ حماية صحة و سلامة المستهلك إلى تعزيز إجراءات قمع الغش وضمان مطابقة جميع المواد والخدمات على طول مسار عرضها للاستهلاك، وإدخال مبدأ الحيطة من أجل وقاية أفضل من مخاطر المواد التي تشكل تهديدا للصحة وتشديد إجراءات حماية صحة وسلامة المستهلكين ومنح المستهلك وسائل الحماية من خلال الحركة الجمعوية. وتنطبق أحكام القانون ذاته على كل سلعة أو خدمة تقدم للمستهلك مقابل الدفع أو بالمجان من قبل كل متعامل وفي جميع مراحل مسار عرضها للاستهلاك، من خلال التزام السلامة الصحية وعدم هلاك المواد الغذائية بما في ذلك أنماط استعمال المواد الغذائية التي تضاف لهذه المنتجات، ويمكّن القانون أيضا كل منتوج من الاستفادة من ضمان يمتد أيضا إلى الخدمات يطبق دون تكاليف إضافية، سيما في مجال الالتزام بالضمان و خدمة ما بعد البيع لفائدة المستهلكين خلال اقتناء سيارة أو تجهيزات، ويعطي النص عموم متعاملي الخدمات ذات المنفعة العامة، الحق في التشكيل كطرف مدني، إذا ما لحقت ثمة أضرار بعدد من المستهلكين. وبخصوص مراقبة مطابقة المواد فإنّ قانون محاربة الغش ينص على إنشاء مخابر خاصة لقمع الغش يمكن اعتمادها للقيام بتحاليل واختبارات وتجارب في إطار حماية المستهلك، والشيء الجديد في مشروع القانون هذا هو إدخال مبدأ الاحتياط للوقاية أفضل من الأخطار الناجمة عن عرض منتجات مضرة في الأسواق، ما يكفل للشرطة القضائية وأعوان قمع الغش إمكانية اتخاذ أي إجراء تحفظي في حالة الاشتباه في عدم مطابقة المنتجات عن طريق رفض دخول المواد المستوردة في الحدود بصفة مؤقتة أو نهائية، ويمكن لهؤلاء الأعوان أيضا أن يقوموا بعمليات حجز هذه المواد وإيداعات وسحب مؤقت أو نهائي وإتلاف المواد وكذا المنع المؤقت لنشاطات المتعاملين دخلين في مسار تطبيق استهلاك المواد. وفي هذا الصدد قال وزير التجارة "الهاشمي جعبوب" في وقت سابق انّ مصالحه قامت بتوظيف أكثر من 1500 عون كخطوة أولى لتدعيم المصالح المكلفة بالرقابة على مستوى مختلف محافظات البلاد، على أن تتدعم الأخيرة بنحو 19 مخبرا للتحاليل للتكفل بمراقبة مدى مطابقة المنتجات للمعايير العالمية. ويُفهم مما كشفته مراجع محلية، أنّ الخطط التي اعتمدتها السلطات إلى حد الآن في مجال مراقبة النوعية وقمع الغش، لا تزال غير فعّالة قياسا بالأنباء المتواردة دوريا من عموم ولايات البلاد عن ظاهرة (التسممات الغذائية الجماعية)، في وقت (يُبدع) التجار وجمهور المورّدين في تقديم منتجات مغشوشة، وأفيد أنّ فحوصات أجريت على نماذج من هذه السلع، أثبتت أنّ المسجل على أغلفتها، لا ينطبق إطلاقا مع محتوياتها، في اختلال غير صحي يثير ريبة المستهلكين ويطرح تساؤلات بالجملة عن مدى نجاعة آليات الرقابة المتبّعة، في حين يطرح مختصون قضية تعزيز مراقبة الحدود البرية والمطارات والموانئ وتشديد عمليات التفتيش بخصوص السلع والمنتجات المستوردة والتي كثيرا ما تكون مغشوشة وذلك باستعمال كل الوسائل العلمية والتكنولوجية المتاحة. ويصر متابعون للملف، على حتمية تفعيل أدوار جمعيات المستهلك وإرجاع هذه الجمعيات التي ظلّت مغيّبة إلى الواجهة، لما لذلك من أثر في التعاطي بالشكل المطلوب مع مجمل المشكلات الاستهلاكية التي تجابه الجزائريين في حياتهم اليومية، طالما أنّ واقع الحال يفرض التصدي لكارثية الوضع الاستهلاكي في البلاد والفوضى العارمة التي تلقي بظلالها على الأسواق المحلية ككل، ويعاني جمهور المستهلكين في الجزائر من تحايلات قطاع من التجار، في صورة ممارسات غير مشروعة على غرار السمسرة التي تسببت في مضاعفة أسعار مواد استهلاكية أساسية بثلاث إلى خمس مرات عن سعرها الحقيقي، بجانب فضائح غذائية متكررة كمهزلة اللحوم الفاسدة أواسط التسعينيات وكارثة تسويق لحوم الحمير التي جرى تسويقها محليا في مناسبتين (2003 و2007) . وتشهد الجزائر ما لا يقلّ عن خمسة آلاف حالة تسمم غذائي سنويا يتطلب علاج الحالة الواحدة غلافا يتراوح بين خمسمائة إلى ألفي دولار، وذلك وفق بيانات وزارة الصحة ، دون احتساب الحالات المسجلة لدى العيادات الخاصة، بالإضافة إلى الحالات التي تعالج ذاتيا من خلال شراء العقاقير والأدوية بدون وصفة لدى الصيدليات، ويعتبر مراقبون أنّ هذه المعطيات دلالة على عدم تفعيل جمعيات حماية المستهلك لأدوارها في مجال الأمن الغذائي لمواطنيها من حيث عدم إذكاءها للرقابة، واكتفائها بدور المتفرج بدل قيامها بتوعية المحيط بمخاطر تطبيق العادات السيئة في تداول الأغذية بداية من الإنتاج إلى الاستيراد والمعالجة، فضلا عن مراعاة شروط الحفظ والتخزين والتوزيع والنقل والتحضير، وما تفرزه ثقافة الاستهلاك في أوساط المجتمع ، وما يرافقها من غش تجاري.