لطالما تعلمنا في طفولتنا ومنذ نعومة أظافرنا أن الوقت من ذهب، وأنه كالسيف ان لم تقطعه قطعك، الا أن مثل هذه الشعارات الرنانة والكلمات المثالية سرعان ما تلاشت أو تبخرت بمجرد خروج التلميذ أو الطالب الى الشارع واصطدامه بالواقع المرير الذي يشهد وضعا مؤلما، خاصة عند فئة الشباب الذي لا يملكون في هذه الحياة الا الشكوى وعتاب الزمن . محملين اياه المسؤولية الكاملة في الوضع الذي هم عليه اليوم، وكأن الزمن هومن اجبرهم على عيش الوضع الذي هم فيه،فهناك من يتفف في تضييع الوقت في مختلف الأشياء التافهة التي لا تدر منفعة لا عليه ولا على مجتمعه، شباب في مقتبل العمر لا شغل ولا هدف في حياتهم، همهم الوحيد في هذه الحياة هو التفكير في كيفية قضاء اليوم والمكان الذي يلجؤون اليه ليهربوا من ضغط الأهل واشارع الذين يطالبونهم في كل مرة بالبحث عن العمل وتقديم منفعة للمجتمع . شباب يضيعون أوقاتهم هدرا... على حساب مستقبلهم ان المطلع على أحوال الشباب في المجتمع الجزائري، يكاد يقف حائرا على حجم التناقضات التي يعيشها هذا الأخيرمع مشكلة الوقت، فلا يكاد يخلو لسان أحدهم وهو يشتكي من غيابه أوعدم اتساعه بالقدر الكافي لتحقيق رغباتنا، أو أن ال24 ساعة يوميا لم تعد كافية حتى ان أردت تضييعها في أمور تافهة، ومن الطرائف العجيبة التي أصبحت متداولة بين الشباب هي قول الكثير منهم لصاحب مشكلة الوقت " روح للبلدية يزيدولك 24 ساعة " وكأن الزمن هو العائق الوحيد الذي تتمحور فيه مشاكل وهموم الجزائريين. هل الوقت مشكلتنا أم أنه شماعة نعلق عليها اخفاقنا في تحقيق أهدافنا ؟ كثيرا ما نسمع أو نلتقي بأناس فشلوا في تحقيق أهدافهم و ادارة مشاريعهم، بسب عدم قدرتهم على التوفيق بين الأمرين خاصة أن الحياة مليئة بالوقائع التي تصادفنا كل يوم، ولعل خير مثال يمكن أن نضربه الشركات والمؤسسات ذات السيت الواسع التي راحت مشاريعها أدراج الرياح لا لشيء الا لأنها لم تعرف كيف تساير التطورالذي عرفته خلال مراحل زمنية معينة. وحالها ليس أفضل من حال الشباب الجزائري الذي فهموا معادلة الحياة بالعكس، خاصة وأن الكثير يرى في مرحلته هذه، فرصة للهوو الترف والتمتع بكل متاع الحياة الدنيا، معتقدين أن السر في النجاح والسعادة مستقبلا هو اغتنام هذه الفرصة من العمر التي ان ذهبت فلا تعوض، ولعل مقولة السلف سابقا " نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا "، كفيلة بأن تخلص الزمن من التهمة التي ألصقها به الخلف. شباب لا "شغل لهم ولا مشغلة" ويلومون على الزمان الذي لم يرحمهم مشكلة الجزائريين مع الوقت لا تقتصر على عدم اتساعه لانجاز وتحقيق ما يريدونه، بل الأمر أكبر من ذلك، فالعديد من الشباب شغلهم الشاغل تضييع الوقت، ولعل أبرز دليل على ذلك، حجم الساعات التي تقضى في المكالمات الهاتفية بين الشباب والفتيات وحجتهم في ذلك التسلية وقتل الوقت، وتواجد العديد من شبابنا في المقاهي والطرقات ومعاكسة الفتيات والكلام التافه وانشغال الكثير بأمور الناس و تتبع عوراتهم وسفاسف الأمور على حساب قضايا مصيرية لخير لدليل كاف على المستوى الذي وصل اليه مجتمعنا، وحجم التخلف الذي نتج عن اهدارنا للوقت، فلو نظرنا الى حال الشعوب المتطورة وعن الأسباب التي جعلت منها حضارة قائمة بذاتها فلا اكاد تجد من يلتفت الى غير أمره جاعلين " الوقت " فرصة لفرض ذواتهم و تحقيق أهدافهم في الحياة. العامي والمتعلم على حد سواء في تضييع الوقت ان المؤسف في الأمر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على العاميين من الناس في مجتمعنا ، بل تعدتها لتشمل الطبقة المثقفة منه، ولعل ما شدنا في ذلك أن أغلبية طلبتنا الجامعيين يتخذون من العلم والدراسة مبررا لتضييع الوقت واللهو خارج المنزل، فأغلبهم يجلس في المساحات الخضراء في وقت من المفترض أن يلتحقوا بقاعات دراستهم، فالوقت الذي يقضوه في " الثرثة " والكلام التافه الذي لا يسمنهم في أمورهم العلمية و العملية شيئا، بل أصبح في وسط من المفترض أنه علمي المواضب على وقته والمحترم لمواعيده شخص " تافه وساذج". وليت الأمر قد اقتصر على ذلك ففي الوقت الذي لابد أن نستغل الفرصة للتطوير ذواتنا وبالتالي مجتمعنا، الا أن استهتارنا و تحكم الوسائل التكنولوجية على حياتنا شكل عائقا في سبيل تنظيمنا لرزنامتنا اليومية، وعدم وجود أجندة يسير عليها الشخص ساهم في تعميق المشكل. ان الحديث عن مشكلة سوء استغلال الوقت عند الجزائريين، تقود الى الحديث عن الأسباب التي جعلت شبابا في مقتبل العمر ومن دون سابق انذار وجدوا أنفسهم في مجتمع لم يوفر لهم ابسط ما يحتاجه شباب في مثل سنهم، ولعل غياب المرافق العامة والفضاءات العمومية ساهم في استفحال الظاهرة، فلا مكانا يؤوي تسربهم من المدارس في البداية وحتى عدم توفر فرص العمل دفع بالكثيرين الى فقدان الأمل في مجتمعنا، فغياب ثقافة المطالعة و وحتى الفضاءات الثقافية كدور السينما والمسرح كلها عوامل أدت الىتعميق المشكل.
"كريمة" قصة امرأة عرفت قيمة الوقت فنجحت في حياتها العلمية والعملية تحدثنا كريمة عن تجربة حياتها مع الزمن، منذ أن كانت طالبة في جامعة الجزائر تخصص علوم التسيير والاقتصاد وهي تسعى الى النجاح واستغلال وقتها بأفضل طريقة حيث تقول في ذلك " تزوجت وأنا في السنة الثالثة جامعي، الحمد لله وفقت الى حد ما في التوفيق بين مسؤولتي بيتي و كذا دراستي"، وبعد سنة مباشرة اكتشف كريمة أنها حامل بمولودها الأول هذا الوافد الجدي في حياة كريمة سبب لها نوعا من اختلال برنامجها اليومي، خاصة وأنها كانت في السنة الرابعة والتي كانت بصدد انجاز مذكرة التخرج فكل هذه الظروف بالاضافة الىمسؤوليتها داخل البيت شكلا لها صعوبة في ضبط جدولها الزمني، ولكن بعد تفرغها من انجاز المذكرة وانجاب المولود الأول تفرغت كريمة بعدها بشكل كامل الى عائلتها التي أصبحت أولى اهتماماتها، خاصة وأنها كانت تفضل العمل بعد التخرج ، وبعدها جاء الفل الثاني بعد سنتين تقريبا من الولادة الأولى، أين وجدت نفسها قد تخلترغما عنها عن فكرة العمل، ففضلت تربية أبنائها والسهر على رعايتهم الى أن وصلوا الى مرحلة الثانوية والمتوسطة،والتي وجدت فيها كريمة الفرصة المناسبة من أجل تحقيق أحلامها والبحث عن وظيفة كانت ضمن أهدافها منذ سنوات، وبالفعل وجدت الوظيفة التي كانت تحلم بها، وسجلت في مدرسة لتعليم اللغات ولم تكتفي بذلك فحسب انما هي تعمل كمروجة لمواد التجميل في المحلات التجارية، وفي ذلك تؤكد كريمة أنه ليس لديها حتى الوقت لزيارة أقاربها أو الاهتمام بالأشياء التي تحصل خارج دائرة اهتماماتها فهمها الوحيد هو بيتها عملها وتطوير نفسها بالدرجة الأولى، فحسب ما ترويه أنها لا تعرف حتى بعض جيرانها لأنها كما تقول ليس لها الوقت لتلتفت الى ذلك.