كثيرا ما تصادفنا صور الأطفال الذين دفعت بهم قساوة الأيام إلى عالم الشغل، هم أطفال في مقتبل العمر ولم يتعدى سن أكبرهم ال16 سنة تجدهم مع إشراقة شمس كل يوم، أو غيمة صباح يوم ممطر يحملون باقة الأزهار والورود على بساطتها، متحدين في الوقت ذاته مخاطر حوادث الطريق السريع الرابط بين بلديتي الشراقة ودالي ابراهيم، لا لشيء إلا في سبيل تحصيل لقمة العيش. أقرانهم يتوجهون إلى المدارس ..وهم في رحلة البحث عن " خبزة اليوم" مع شمس كل صباح يباشر هؤلاء الأطفال أعمالهم التي تمثل مصدر رزق لهم، يلهثون وراء السيارات أملا منهم في الحصول على بعض الدنانير يسدون من خلالها رمق عيشهم، تجدهم مع اشراقة كل صباح وفي مختلف الظروف المناخية يحملون باقات من الورود الذابلة، التي تأثرت هي الأخرى بمعاناتهم في كل يوم، لا يتعبون ولا يملون يركضون دون أي خجل أو تردد وراء كل سيارة تمر أمامهم، وقد رسمت قساوة الأيام تفاصيلها على ملامح وجوههم التي غيبت منها البراءة، أعمارهم لا تتعدى ال16 سنة تقريبا هم تقريبا في مرحلة الأساسية، نفس الوجود التي الفنا وجودها يوميا على الخط الرابط بين بلدية الشراقة ودالي ابراهيم، مستغلين في ذلك الزحمة المرورية الخانقة التي يعرفها الطريق السريع، خاصة في فترة الصباح لكسب بعض النقود قبل التوجه الى المدرسة . أعمالهم تقتصر على فترة الصباح و تستمر طيلة الأسبوع ان بيع الورود من قبل هؤلاء الأطفال الذين يعتبرون من فئة القصر، ماهي الا انعكاس لوضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت بهم وعلى غرار العديد من أمثالهم الى عالم الشغل في سن مبكر، هذا العالم الذي أصبحوا يعرفونه ويعرفون خباياه كحفظهم لأسمائهم، عالم ولجوه دون أي مقدمات أو حتى دورات تكوينية يتعلمون من خلالها اسرار هذا العالم، ولجوه ولم تشفع لهم حتى براءتهم التي قدر لها أن تندثر قبل أوانها. نظرا لظروف معينة لم يكتب لنا أن نحاورهم عن قرب أو حتى نسألهم عن أسمائهم، لكن ذلك لم يمنع أن نستنتج من خلال تواجدهم في فترات مبكرة من كل يوم، والتي يكاد يقتصر تواجدهم في المكان ذاته و في معظم الأحيان بين الساعة 07 والساعة 8 تقريبا، ليختفوا بعدها عن الأنظار ويعودوا في اليوم الموالي لمواصلة عملهم، وهذا ما يعني أنهم يمارسون عملهم قبل التوجه الى المدرسة. قساوة الأيام عليهم وصعوبة المهمة... لم تشفع لهم عند الزبائن بعيون البراءة التي يصاحبها الألم، وابتسامة مصطنعة رسمتها قساوة الايام على شفاههم، تراهم في كل يوم يجوبون الطرقات السريعة يرافقهم في ذلك الحذر والخوف من المخاطر وأصحاب السيارات الذين وفي كثير من الاحيان لم يهتموا لحال هؤلاء ولم يكلفوا أنفسهم عناء الرد على طلبهم، فغالبا ما يجد هؤلاء الأطفال صعوبة في اقناع المارة باقتناء باقة واحدة من هذه الزهور ولو على بساطتها، فلم تشفع لهم لا ظروفهم ولا نبل العمل الذي يقدمونه رغم صغر سنهم عند أصحاب السيارات الفارهة التي لم تثرهم حتى بؤس أحوالهم أو حتى نظراتهم البائسة التي تنم عن وضعهم المرير، تراهم يركضون خلف السيارات من مكان الى آخر وفي كثير من الأحيان ما يسيرون وسط الزحمة وبين السيارات، أملا منهم في لفت انتباه أحدهم إلا أن ذلك نادرا ما يحدث فالجميم منشغل بالزحمة وكل همه الوصول في الوقت المناسب، فآخر اهتماماته ربما باقة الورد أو حال الطفل الذي يوسل الناس لاقتناء بضاعته. الأخصائية النفسانية أم أنس: " عمل الطفل يؤثر على تحصيله الدراسي ويكسبه سلوكات ذميمة " وحسب أحدث دراسة للمنظمة العالمية للطفولة، تعرف ظاهرة عمالة الأطفال في الدول العربية مستويات عالية حيث يقدر عددهم ب 5،4 ملايين طفل، وقالت الإحصائيات إن منطقة المغرب العربي تحتل صدارة البيانات ب 6،2 مليون طفل، تأتي الجزائر في مقدمة هذه الدول، حيث يقدر عدد الأطفال الجزائريين الذين يعملون ب 8،1 مليون طفل بينهم 3،1 مليون تراوح أعمارهم بين 6 - 13 سنة من ضمنهم 56% من الإناث.. و28% لا يتعدى سنهم ال15 سنة، كما أن 4،15% أيتام وفقدوا سواء الأب أو الأم، فيما يعيش1،52% منهم في المناطق الريفية. وتقول الأخصائية النفسانية أم أنس في هذا الصدد :" حسب رأيي لا يجوز استغلال الأطفال خاصة في وقت الدراسة، اما في فترة الصيف واذا كانت العائلة محتاجة فلا بأس من بيع الأطفال لبعض الأشياء التي تناسب عمرهم، أما عن بيع الزهور في حافة الطرقات السريعة فهذا خطر على الأطفال لأن الطريق سريع والطفل هنا معرض للخطر، كما تعتبر الأخصائية ذاتها أن الحاجة الى المادة هي التي تدفعهم الى ولوج عالم الشغل في سن مبكر. كما أن السبب في ذلك يرجع الى عدة مبررات، من أهمها الفقر، تدني مستوى التعليم، تراجع العائد الاقتصادي والاجتماعي من التعليم، والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمعات العربية، وانتشار ثقافة الاستهلاك وعولمة الاقتصاد. كما اعتبرت الأخصائية انتشار هذه الظاهرة "خطرا على حياة الطفل، خاصة وأنه يفقد احترامه لذاته وارتباطه بالأسرة، كما يتأثر من الجانب المعرفي اذا كان الطفل تارك للمدرسة يتأثر من حيث تأخره في القراءة والكتابة والحساب وكما يقل ابداعه، بالإضافة الى أنه يتعلم مهارات مثل الحيلة ويمكن ان يصبح الطفل عرضة لأبناء الشوارع ويتعلم الكذب والسرقة ..".