غالبا ما يرد المواطنون اللوم على البلدية وعلى عمال النظافة مسؤولية الانتشار الرهيب، لمختلف أنواع الأوساخ والفضلات التي من المفروض أن يكون مكانها الأصلي داخل حاويات القمامة التي جلبت لهذا الغرض، ما اثر بشكل سلبي على المحيط وجعله يغرق في حفرة التلوث، غير أن الوقائع والحقيقة التي تحيط بهذه الظاهرة تؤكد بكل أسف الحجم الكبير من مسؤولية المواطن في تلويث المحيط . محاولات التحسيس تعجز أمام استهتار المواطنين يبدو أن المجهودات المختلفة الرامية الى القضاء على التلوث ومحاولة تكوين بيئة نظيفة واستشعار المواطنين والعمل على توعيتهم بضرورة اكتساب ثقافة النظافة المفقودة، التي تسعى السلطات المعنية لبسطها على أرض الواقع ورغم أنها قليلة لا تصل الى الحد المطلوب أو المستوى المرغوب على غرار مختلف عواصم العالم، فهي بالتأكيد لن تضع حدا لظاهرة انعدام النظافة المنتشرة بشكل غير مقبول و لا للتلوث الرهيب للمحيط المهدد لصحة المواطن الذي بات هو الأخر ظاهرة سلبية خطيرة بامتياز تعاني منها مختلف مناطق الوطن وتتحمل نتائجها الضارة. والساحات الخضراء تتحول إلى مفرغات عمومية يتجه الكثير من الأشخاص وحتى العائلات الى مختلف الحدائق العامة والأماكن العمومية التي تعد ملاذا وحيدا لفئة ليست قليلة منهم نظرا لارتفاع تكاليف عطل الاستجمام سيما في موسم الصيف ، حيث يفرون بذلك من ضغط الحياة الصعبة والمعيشة القاسية المؤرقة التي أضحت عنوانا رئيسيا لحياة الكثير منهم وبغية التنفيس والترويح عن أنفسهم من جهة أخرى، لكن بقدر ما يجدون ضالتهم في الراحة والهدوء في هذه الفضاءات الرحبة، فهم يضرون بالبيئة الى درجة كبيرة ويساهمون بالتالي بشكل مباشر أو غير مباشر في تحطيم الحياة الطبيعية الخضراء المهمة لصحة الإنسان وأيضا القضاء على عنصر هام وحيوي في حياتنا اليومية ألا وهي النظافة من خلال إهمالهم وعشوائيتهم التي لا حدود لها، وهو ما بدا لنا جليا خلال تواجدنا في حديقة صوفيا بالجزائر العاصمة الحديقة الصغيرة والجميلة في آن واحد، التي تتمتع ببعض الأزهار والأشجار الخضراء الجميلة لكنها قد تفقد في لحظات صغيرة هذا الجمال بمجرد حضور زوار لا يجيدون إلا لعبة رمي الأوساخ والمهملات هنا وهناك ولا يفقهون من قيمة النظافة شيء، وهو ما تجسد في احد المواقف السلبية لأحد الشابين اللذان حضرا الى تلك الحديقة بغية تناول وجبة الغداء وبمجرد أن تفرغا من ذلك قاما برمي الكيس الذي كان يحمل تلك الوجبة بما يحوي من بقايا الطعام وبعض الأوراق على الأرض، ما أثار فضولنا ودفعنا في ذات الوقت للاقتراب منهما بغية الاستفسار عن موقفهما السلبي اللااخلاقي، فأجابا بكل برودة واستهتار أن الأمر غير مهم خاصة في ظل وجود أشخاص آخرين سيتعمدون دون شك تلويث المكان من جديد في حالة إن قاما بتنظيفه، ما يعني حسبهما أن الأمر سيان سواء تم تنظيف المكان أم لا، هذا المنطق الغريب والموقف السلبي لهما أثار استغرابنا ما يؤكد حقيقة واحدة هي أن انعدام روح المسؤولية إزاء هذه المسالة بالذات سببه الرئيسي هو افتقار المواطن الجزائري لثقافة النظافة المهمة. شعب يتغنى ب" النظافة من...الايمان" ولا يعمل بها جرت العادة انك إذا حدثت أي شخص عن النظافة يجيبك على الفور أن النظافة من الإيمان وأنها من الأركان الهامة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وتتوالى هذه الإجابات على لسان الكثير من الأشخاص حتى أضحت هذه المقولة شعارا لهم يتشدقون ويتغنون بها في كل وقت، غير أن الحقيقة للأسف الشديد قد تكون مغايرة ومناقضة تماما لتلك الشعارات التي يحفظونها عن ظهر قلب والأدلة طبعا كثيرة بل لا تعد ولا تحصى، ففي محطات الحافلات والسيارات المختلفة، يقوم الكثير من المواطنين إلا من رحم ربي برمي الأنواع المختلفة من الأوساخ والمهملات والأكياس وبقايا السجائر التي تكون بحوزتهم، لتصبح بذلك الكثير من هذه المحطات مرتعا أخرا لمختلف أنواع الملوثات والمهملات. وفي خضم هذا الجو المنفر يتكشف لنا مشهد سلبي كذلك ليضم الى بقية التصرفات السلبية والسلوكيات المنافية، موحيا هو الأخر بمدى افتقار اغلب الجزائريين لهذه الثقافة الأساسية التي من المفروض أن تكون من الأولويات في حياتنا أي النظافة لكونها تتعلق بصحتنا بالدرجة الأولى ثم بالوجه أو المنظر العام لمختلف مدننا التي من اللائق أن تتمتع بكل مقومات النظافة حتى تستقطب الزوار ولما لا السياح، حيث قام احد الشبان الذي لا يتجاوز عمرة العشرين عاما حسب ما يبدو برمي قارورة العصير التي كانت بحوزته لكن بأسلوب مختلف على طريقة لعبة كرة القدم، أما إحدى الفتيات التي كانت من بين تلك الجموع الكبيرة في المحطة التي كانت تنتظر الحافلة فقامت برمي الغلاف الذي كان يغطي علبة الشوكولاطة التي اقتنتها من أحد الباعة في تلك المحطة. سائقو السيارات... تجسيد حي لغياب ثقافة النظافة في المجتمع لكن ما يثير الاستغراب أيضا ويزيد الطين بلة هو تلك التصرفات السلبية المنافية للآداب العامة للكثير من أصحاب السيارات والسائقين بشكل عام، الذين لا يترددون في رمي مهملاتهم وأوساخهم المختلفة من على نوافذ سياراتهم، حيث يلجئون الى التخلص منها بطريقة سلبية غير متحضرة على الإطلاق، وبذلك ستكون هذه التصرفات المرفوضة بالتأكيد خطرا كبيرا على البيئة والمحيط. هذا السلوك غير المتحضر والمتمثل في رمي مختلف هذه القاذورات من نوافذ السيارات كقارورات المشروبات المختلة وبقايا الأكل والفواكه وعلب السجائر المنتهية لتقع في مختلف الأماكن لدليل آخر على الذهنية المتخلفة للكثير من المواطنين الرافضة لاكتساب ثقافات الأمم المتحضرة، ما يعني أيضا أن المواطن هو من يتحمل الجزء الكبير من مسؤولية النظافة، ومثل هذا التصرف المنفر ولا المقبول منتشر بكثرة وبشكل عادي لدى أصحاب السيارات و السائقين، حيث عندما كنا في إحدى الحافلات المتوجهة الى ساحة أول ماي وقعت أعيننا على منظر سلبي للغاية، حيث قام احد أصحاب السيارات الذي كان يقود سيارته بسرعة كبيرة برمي كيس فضلات ثم تتبعه بقارورات العصير الفارغة وبهذه الطريقة يكون قد تخلص منها هو لكن في نفس الوقت أضر بالبيئة والمحيط العام.