«النظافة من الإيمان» الأكيد أن كل منّا يحفظ القول، لكن المتجول بين أزقة العاصمة يكشف حقيقة كم أننا بعيدون وعاجزون حتى عن العمل بالقول المأثور، فإذا كانت النظافة عموما تعبّر عن مدى تحضّر الشعوب ووعيها ورقيها، فقد أضحى الأمر في الآونة الأخيرة من الأماني والأحلام بعيدة المنال التي تنام وتصحو على محليات العاصمة في شوارعها وأحيائها، المكتظة بالأكياس والورق والنفايات المتراكمة أمام المنازل، والمحلات التجارية، والمجاري، والمنتزهات، في انتظار شاحنات رفع النفايات التي تعمل بنظام نجهله، قد يكون مرتبطاً بمزاج السائق أو القائمين على أمره، هذا ما استقصته «السياسي» خلال جولة لها في العديد من الأحياء. نفايات.. أكياس.. و«كراتين» بشوارع الحراش
إقتربنا في بداية جولتنا من حي الدهاليز الثلاثة، الواقع إقليميا ببلدية الحراش بالعاصمة، حيث لم يتوان السكان في طرح انشغالهم للسلطات المحلية ليس فقط على مستوى حيهم الذي لا يعد سوى عينة بل يجب أن تعمل الأخيرة على رفع النفايات المتكدسة في الشوارع والطرق الرئيسية والفرعية، التي تعطي، انطباعا سيئا لكل متجول في شوارع البلدية، حيث لم يخف محدثونا استياءهم الشديد جراء تكدس النفايات بالقرب من حيهم السكني، مطالبين السلطات البلدية بوضع مخطط من أجل تنظيف المنطقة، التي أصبح مشهد النفايات المنتشرة في كل مكان وتجوال الكلاب الضالة في الصباح الباكر وفي الساعات الأولى من الليل، مألوفا لدى سكان الحي المذكور آنفا، معبرين عن تذمرهم من انتشار الروائح الكريهة مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة عدم مداومة عمال النظافة على رفع القامة المنزلية، إلى جانب هذا عدم قيامها بدورها المتمثل في حمايتهم من الكلاب الضالة التي تثير الرعب أوساطهم خاصة لدى فئة الأطفال، كما أشار السكان في سياق ذا صلة أن الوضع يزداد سوءا في فصل الصيف في ظل انتشار الحشرات الضارة، ومن جهتهم، سكان الحي حمّلوا الجزء الآخر من المسؤولية لبعض المواطنين الذين يغيب لديهم الحس والوعي الحضري، بعد قيامهم بإلقاء قمامتهم على قارعة الطريق والأرصفة دون تكليف أنفسهم عناء رميها في أماكنها المخصصة لها الامر الذي بات يشوه وجه المنطقة، هذا بالإضافة إلى الرمي العشوائي لأصحاب المحلات وسكان الأحياء القصديرية، كما بات الأمر يتسبب أيضا بأخطار صحية يتعرض لها السكان نتج عنه إصابتهم بأمراض إلى جانب انتشار الحشرات السامة والحيوانات الضالة كالكلاب والجرذان التي تعمل على تعقيد الوضع، مما جعل السكان يتخوفون من ترك أطفالهم يلعبون في الحي خوفا من تعرضهم لأمراض أو للسعة حشرة، على حد تعبيرهم.
توجهنا الى بلدية براقي ، ومن الوهلة الاولى، لاحظنا الانتشار الواسع للاوساخ ابتداء من المحطة الرئيسية لنقل المسافرين التي رميت بها الأكياس والقارروات البلاستيكية، وهو الوضع الذي لا يليق بأي محطة تعمل على نقل الركاب الذي عبروا عن تذمرهم من تدني النظافة ببراقي حيث أن الروائح الكريهة تخنقهم طيلة المدة التي يبقون فيها داخل الحافلة. نفس الوضع بالنسبة لحي سعيد يحياوي الذي حاصرتهم النفايات الخاصة بالسوق الفوضوي المحاذي له من كل جهة حيث يصعب عليك التنقل بسهولة، نظرا لكميات الهائلة من علب الكارتون المترامية باعداد هائلة ناهيك عن بقايا الخضر والفواكه الفاسدة التي تزيد من الانتشار الرهيب للحشرات الضارة والروائح المقرفة وهو ما يضطر بالسكان الى التنقل فوق هذه الأوساخ، ليبقى معاناتهم مستمرة الى أجل غير معلوم.
الباعة غير الشرعيين يحوّلون أحياء الرويبة لشبه مفرغة عمومية
تشهد شوارع وطرق بلدية الرويبة وضعا بيئيا مزريا نتيجة التراكم الفادح للنفايات بفعل الرمي العشوائي من جهة والانتشار الرهيب للباعة الفوضويين الذين يتركون بقاياهم مترامية في أرجاء الشارع من جهة أخرى، ما أدى إلى انزعاج السكان جراء هذه الوضعية التي آلت إليها جل شوارع البلدية، وأضحت مع مرور الوقت تفتقر لأدنى شروط النظافة. في هذا السياق، أكد السكان في حديثهم مع «السياسي»، على انزعاجهم وتذمرهم الشديدين نتيجة افتقار البعض منهم لروح المسؤولية، على حد تعبيرهم، حيث أكدوا أن الوضعية الكارثية التي بات عليها جل شوارع المدينة راجعة إلى الرمي العشوائي للنفايات خاصة للباعة غير الشرعيين الذين يتركون النفايات كبقايا الخضر والفواكه و«الكراتين» والأكياس البلاستيكية مترامية وتتراكم بشكل يومي مما خلّف حالة من الفوضى لا يمكن وصفها، وما زاد الطين بلة الغياب التام للسلطات البلدية ومصالح النظافة تحديدا التي تبدو غير آبهة للوضع التي آلت إليه المدينة، فأينما جلت بنظرك تقابلك الأكياس البلاستيكية مترامية هنا وهناك أو تتقاذفها الرياح تارة أخرى، وهو الأمر الذي أدى لانبعاث الروائح الكريهة وانتشار الحشرات الضارة منها الناموس والذباب، فضلا عن انتشار الحيوانات الضالة التي وجدت ملاذها بالمكان، وهو ما زاد من حدة استياء السكان نتيجة الوضعية التي أضحى عليها آلت إليها طرق المدينة وعزز مخاوفهم من انتشار الأمراض التي قد تصيب السكان بفعل التلوث الذي بات يطبع المكان نتيجة التعفن، وكذا قيام بعض الباعة بحرق النفايات عشوائيا وفي الصباح الأمر الذي أثار استياء السكان كثيرا، ناهيك عن تشويه الصورة الجمالية للمحيط الذي أصبح يعج بأكياس النفايات المتناثرة بمحيطه. كما أفاد البعض الآخر من المواطنين أنهم باتوا لا يتحملون انبعاث الروائح الكريهة من المكان، خصوصا وأنه لسوء حظهم لابد لهم من المرور بالقرب منها لكونها مبعثرة في الطريق، مما جعلهم يتكبدون عناء التنقل بين أرجاء المنطقة تفاديا للروائح النتنة المنبعثة من النفايات المتراكمة، مما زاد من حدة تذمر المواطنين الذين باتوا يعانون الأمرّين جراء الأوساخ المبعثرة، والجدير بالذكر أن كل هذا لا ينف المسؤولية الملقاة على عاتق المواطن بالدرجة الأولى من أجل الكف على بعض السلوكات غير الحضارية، وبالأخص بعدم احترام أوقات مرور الشاحنات المخصصة للنفايات، وكذا وجوب احترام الأماكن المخصصة لرمي القاذورات. وفي لقاء ل«السياسي» مع رئيس المجلس الشعبي البلدي للرويبة، زهير وزان، أوضح بأن مشكلة تكدس النفايات في شوارع البلدية تعود إلى مشكلة متوارثة عن المجلس السابق حيث أن البلدية لا تتوفر على المعدات والآلات اللازمة لرفع النفايات ما جعل مصالح البلدية تقوم بعمليات تطوعية كبيرة بالتنسيق مع مختلف المؤسسات (أسروت - ونات كوم) وبالتعاون مع بعض المواطنين من أجل تحويل أزيد من 300 طن من النفايات إلى مفرغة أولاد فايت، وفي هذا الصدد سنقوم بإقتناء عتاد جديد حيث أعلن عنه خلال مناقصة وطنية، وذلك حتى يتم القضاء على المشكلة المطروحة.
أول ما يلفت انتباهك وانت تتجول بأحياء بلدية باب الزوار على غرار حي رابية طاهر، وحي إسماعيل يفصح، هو تلك القمامة المنتشرة في كل مكان مع انبعاث الروائح الكريهة والحشرات حتى الى داخل السكنات، وذلك رغم تخصيص البلدية للحاويات تحت العمارات، فقد أبدى السكان امتعاضهم من الوضعية التي آل إليهم حيهم، حيث ارجع احد المواطنين تفشي الظاهرة إلى عدم مداومة عمال النظافة في تنظيف الحي بشكل يومي، وهي نفس الوضعية التي وقفنا عليها في حي السوريكال حيث ان النفايات منتشرة حتى تحت مداخل وشرفات العمارات، وهو ما يدل على ان المواطن أيضا لا يعمل على نظافة محيطه، كي لا يقع اللوم فقط على مصالح النظافة التي من واجبها حمل النفايات من الحاويات الخاصة بأماكن الرمي. ومن جهته، أكد علي سمار، رئيس بلدية باب الزوار، أن مؤسسة «نات كوم» هي التي تتكفل برفع نفايات البلدية غير أنها لم تعد قادرة على تغطية جميع الاحياء التي تتكدس بها الأوساخ المنزلية بكثرة بسب نقص في الإمكانيات والطاقم البشري، لذا يجب على المواطنين التحلي بروح المسؤولية اتجاه الوضع والتعاون مع المؤسسة لأجل الحد من الأوساخ المترامية في كل الجوانب، فعلى الجميع التقيّد بمواقيت إخراج النفايات المنزلية المحددة من الساعة الثامنة ليلا الى غاية السادسة صباحا.
مواطنون يحرقون النفايات.. للتخلص منها
إذا كان لتراكم النفايات أضرارها التي يعلمها العام والخاص، بالنظر لما تتسبّب فيه من روائح كريهة وانتشار للحشرات الضارة والحيوانات الضالة، فإن ظاهرة الحرق العشوائي للنفايات داخل التجمعات السكانية لا تقل خطورة عن الأولى، كونها تضر بالبيئة بفعل رائحة الدخان المنبعثة التي يصعب استنشاقها وتحديدا بالنسبة للمرضى، حيث برّر البعض مثل هذه التصرفات أن السلطات المحلية لا تعمل على توفير الحاويات بالقدر الكافي في الأحياء السكنية مما يتسبب في تراكم القاذورات وانتشار الحشرات الضارة، وبالتالي، يدفع هذا الأمر بعض السكان إلى حرق النفايات بغية التخلص منها.
تضارب في الآراء حول من يتحمّل المسؤولية
اقتربنا من السكان الذين يعدون المتضرر الأول للإنتشار المذهل للنفايات داخل المجمعات السكنية، لمعرفة سبب تفشي الوضع المزري القائم، غير أن الآراء تضاربت حول من يتحمّل مسؤولية، فقد أشار المواطن «ن. ع» إلى أن موضوع النظافة قد بات من النقاط التي وجب على السلطات المحلية أخذها بعين الإعتبار كونه له علاقة مباشرة بصحة الإنسان، مشيرا إلى أن على المواطن أن يبدي استعدادا للتعاون مع السلطات من أجل ضمان محيط نظيف وآمن، من خلال إحترام مواقيت الرمي والأماكن المخصصة له، ومن جهة أخرى، أضاف المتحدث أن السلطات تتحمّل وزرا كبيرا في انتشار هذه الظاهرة كونها لم تقم بسن أية قوانين ردعية لقيام المواطن برمي النفايات في الأماكن المخصصة لها، أما محمد، فقد أشار إلى أن المواطن هو من يتحمل الوضع الكارثي الذي باتت عليه شوارعنا على إعتبار أننا مسلمين، مطالبين بالنظافة في كل شيء، مشيرا إلى قوله تعالى «وثيابك فطهر والرجز فاهجر».