أصبح رمي النفايات في المساحات الخضراء وحتى أمام المساجد ظاهرة تسود بشكل غريب في مجتمعنا، فقد باتت بعض الشوارع مفرغة للنفايات بسبب التصرفات غير اللائقة لبعض الأشخاص، ما أدى إلى تشويه الطبيعة وتحويلها إلى مكان أسود تكتظ به أكياس النفايات وحتى الحشرات الضارة والحيوانات الضالة التي تنهش الأكياس البلاستيكية، وهذا ما شوه العديد من المناظر الطبيعية وحتى بعض الأحياء التي أصبح سكانها يعيشون وسط القمامة، بعد أن تدخلت يد الإنسان بتصرفاته العشوائية التي أدت إلى تلوث البيئة المحيطة به وأصبح همه الوحيد هو تخلصه من الفضلات حتى ولو استدعى الأمر رميها في مناطق عمومية أو مساحات طبيعية. إن رمي النفايات بشكل عشوائي قرب السكنات ومن الشرفات وحتى في المساحات الخضراء ظاهرة تسبب الإزعاج للكثير من الأشخاص الذين يسعون للحفاظ على جمال بيئتهم ونظافة أحيائهم وللإطلاع على واقع محافظة السكان على نظافة الأحياء، قمنا بالتجول ببعضها ومن بينها حي بمنطقة الحراش والذي وجدنا به أكياس النفايات المتناثرة أمام العمارات، حيث يقول السيد عمار: «إن بعض سكان هذا الحي لا يحترمون النظافة ويلقون القمامة بعد حضور سيارة تفريغ صناديق القمامة مما جعل النفايات تتراكم، وأدى إلى انشار الجرذان بشكل كبير وصعودها إلى المنازل ما أصبح يهدد صحة أطفالي بسبب عضات بعض الجرذان لهم بالرغم من أن زوجتي تنظف البيت». عادة أخرى سيئة انتهجها بعض سكان الحي للتخلص من قماماتهم بالرغم من وجود صناديق القمامة إلا أنهم فضلوا أن يلقوا النفايات من منازلهم دون بذل جهد بنزول السلالم، ولم يضعوا في حسابهم أن يحافظوا على جمال ونظافة حيهم وهو ما حدثنا عنه السيدجمال الذي يقول: «بعض سكان العمارة يلقون بقماماتهم من النوافذ دون أن يحترموا جيرانهم وفي بعض الأحيان أجد قماماتهم في شرفة منزلي ورغم أني وجهت لهم الكثير من الملاحظات إلا أنهم لم يحترموا وجهة نظري ويعيدون نفس التصرف في كل مرة». وهناك من يحاول أن يحافظ على جمال حيه بزرع حديقة تتضمن مختلف أنواع الزهور وحتى النباتات ولكن تصرفات بعض جيرانه غير اللائقة تسببت في ضياع آماله في إعطاء منظر جميل لحيه، وهذا ما حدث مع كريم وهو أحد القاطنين بهذا الحي حيث يقول: «قررت أن أجمع كل القمامة الملقاة في الحديقة الواقعة أسفل العمارة خصوصا أنها كانت عبارة عن مفرغة للقمامات، وتسبب الإزعاج لسكان العمارة التي أسكن بها خصوصا مع انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة، فقررت أن أغرس بها الزهور لإعطاء منظر جميل ولكن بعض جيراني تسببوا في موت الزهور برميهم لمياه غير نظيفة والنفايات من النوافذ». وهو نفس ما حدثتنا عنه السيدة جميلة التي تشكو عدم احترام بعض جيرانها وعدم التزامهم بنظافة عمارتهم حيث تقول: «بعض جيراني يضعون أكياس قمامتهم أمام منزلي مما جعل الحيوانات تنبش في الأكياس فتراكمت الحشرات أمام منزلي، مما جعلني أضطر إلى رميها وحتى أنهم لم يهتموا باقتراحي بإعطاء النقود لعاملة نظافة تتكفل بنظافة العمارة بشكل يومي، مما جعلني أضطر إلى تنظيف العمارة بمفردي». ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح بعض سكان العمارة يزعجون جيرانهم ويلقون بقماماتهم حتى داخل خزانات المياه التي تستخدم للشرب وهذا ما حدث مع منال التي تشتكي من تصرفات جارتها التي وصفتها بغير اللائقة، والتي تسببت عن قصد في تلويث خزان المياه الخاص بها بعد نشوب خلافات بينهما حيث تقول: « نشب خلاف بيني وبين جارتي ولكني لم أكن أتوقع أنها ستنتقم مني بهذه الطريقة وأنه سيصل بها الأمر بأن ترمي فضلاتها داخل خزان المياه الذي نستعمله في الشرب، وقد أدى تصرفها غير اللائق هذا إلى إصابة أفراد عائلتي بتسمم بعد شربهم للماء وبعد البحث عن السبب توصلت إلى وجود نفايات داخل الخزان، فقررت أن أراقب من يقوم بإلقائها فوجدت أنها هي من تلقيها داخل الخزان». ولم يقتصر الأمر على سكان العمارات بل أصبح أصحاب المحلات يلقون ببقايا سلعهم في الشارع وحتى محلات القصابات الذين يلقون بفضلات مواشيهم في الشارع أو أمام العمارات، مما يحول الشوارع إلى مفرغة للقمامات تنتشر بها الروائح الكريهة والحشرات فيؤدي إلى تشويه مناظر الأحياء. ولم تسلم حتى المساجد من هذه التصرفات غير اللائقة لبعض الأشخاص الذين أصبحوا لا يحترمون حتى حرمة هذا المكان المقدس ولا يتمسكون بقيمهم وتعاليم دينهم الإسلامي الذي يحث على النظافة، حيث يقول الشيخ حسين وهو إمام مسجد: «أستغرب أن يقوم بعض سكان الحي بإلقاء النفايات أمام المسجد غير ملتزمين بما حثهم عليه ديننا الحنيف وفي بعض الأحيان أجد حتى بقايا سجائر أو الأوراق ملقاة على سجادة المسجد، وأنا أستغرب لتصرفاتهم لأنها لا تجوز خاصة داخل مكان مقدس كهذا». ومن جهة أخرى أصبح بعض الأشخاص يلقون الخبز مع القمامة في الشارع، وهو ما أثار استياء السيد كمال الذي يقول: «في الكثير من الأحيان أجد قطع الخبز ملقاة مع القمامات بشكل عشوائي وهو ما أزعجني، لأن بعض سكان الحي لا يتمسكون بقيمهم الدينية، خصوصا أن الخبز نعمة لا يجوز إلقاؤها في القمامة بهذه الطريقة الفوضوية». ويضطر عمال النظافة إلى القيام بعملهم بشكل متكرر خلال اليوم نتيجة التصرفات اللامسؤولة لسكان بعض الأحياء، حيث يقول السيد عمار وهو عامل نظافة: «بعض السكان لا يهتمون بما نبذله من جهد وبالرغم من وجود صناديق خاصة برمي القمامة، إلا أنهم يتصرفون بشكل غير متحضر ويلقون القمامة من النوافذ ولا يحترمون أوقات حضور شاحنات رمي القمامة، مما يضاعف الجهد علينا ويجعلنا نقوم بجمعها عدة مرات في اليوم حفاظا على النظافة». ويؤدي رمي أكياس النفايات بشكل عشوائي لبعض العيادات الخاصة إلى تعريض بعض الأطفال الذين يبحثون في بعض الأحيان عن أشياء داخل أكياس القمامة للخطر، خاصة وأنهم يجهلون أن هذه التصرفات غير اللائقة والبسيطة في نظرهم قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وقد تتسبب في تعرضهم للأذى خصوصا إذا وقعت بين أيديهم أدوية أو أدوات طبية ملوثة لا يعرف عنها الأطفال شيئا، مستخدمين إياها في اللعب والتسلية وهذا ما حدث مع ابنة ليلى التي تقول: «كانت ابنتي تلعب في الشارع فوجدت علبة أدوية ملقاة داخل كيس قمامة أمام عمارتنا التي بها عيادة خاصة، وهذا ما جعلها تبتلعها معتقدة أنها حلوى فأصيبت بتسمم وأغمي عليها وكادت تفقد حياتها لولا التدخل الطبي العاجل». وهو نفس ما حدث مع جميلة التي وجد ابنها أداة مستخدمة في عيادة طبية معتقدا أنها لعبة ولأنها أداة حادة تسببت له بجرح فأصيب بفيروس حسبما أكدته والدته. ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل أصبحت الغابات التي تعتبر قبلة للكثير من العائلات مفرغة للنفايات بسبب تصرف بعض العائلات، وهذا ما حدثنا عنه السيد كريم وهو من حراس الغابات بغابة بوشاوي، حيث يقول: «تتصرف بعض العائلات بشكل غير لائق وبالرغم من وجود صناديق خاصة برمي القمامة، إلا أنهم يلقون بنفاياتهم في الغابة مما يشوه شكلها ويؤدي إلى تكاثر الحشرات بها، وحتى هناك البعض يلقون بسجائرهم مما يتسبب في نشوب حرائق غير محترمين اللافتات، ولولا مراقبتنا المستمرة للغابة لحدثت حرائق تؤدي إلى هلاك أجزاء كبيرة من المساحات الخضراء». ضرورة إدماج مادة ترسخ ثقافة الحفاظ على البيئة تقول الدكتورة جميلة مالكي متخصصة في التنمية البشرية: «تغيب ثقافة الحفاظ على البيئة في مجتمعنا، فبعض الأشخاص همهم الوحيد هو التخلص من قماماتهم دون أن يضعوا في الاعتبار أن تصرفهم هذا سيؤدي إلى تشويه منظر حيهم وانتشار الحشرات وانتقال الأمراض، بسبب تكاثر الجرذان التي تسبب مرض الطاعون وغياب الوعي عند بعض الأشخاص يجعلهم يتصرفون بطريقة غير متحضرة وفوضوية، لذلك يجب ترسيخ ثقافة الحفاظ على نظافة البيئة في عقول بعض الأشخاص، وذلك بإدماج مادة تعليمية في المنهج التربوي خاصة بالحفاظ على البيئة وتوجيه الطفل عبر هذه المادة على اتباع طرق تحافظ على محيطه من التلوث، لتوعيته بضرورة نظافة بيئته وحمايتها من التلوث ووضع نشاطات خاصة بالتشجير أو زرع الزهور في المدارس، وهذا ما يجعلهم يساعدون على جمال محيطهم البيئي، بالإضافة إلى عقد ندوات خاصة بالإرشاد والوعي حول حماية البيئة تستخدم بها وسائل خاصة لإقناع الحاضرين، أن تصرفاتهم العشوائية سيترتب عنها عواقب وخيمة من تلوث محيطهم البيئي وتشوه الصورة الجميلة للمناظر الطبيعية، ويجب أخذ مثال عن النموذج الأوروبي كسويسرا التي يعاقب فيها الشخص الذي يلقي القمامة في الشارع، وتعتبرها مخالفة تدفع عليها غرامة مالية، وهذا ما جعل شوارعها نظيفة، وحتى ديننا الحنيف حثنا على النظافة واعتبرها من الإيمان».