كلنا يطلب أن يكون شيئا في الحياة، وبعضنا يطلب من الحياة كل شيء، والقناعة وإن كانت من الكنوز التي لا تفنى، إلا أنها خفيفة الأثر عند الكثيرين منا، ومن تقبلها في بعض الأحيان تقبلها مكرها ولو خير لإختار غيرها، والضعف البشري بحد ذاته، بالإضافة إلى ورغبة الناس في السكوت عن حرياتهم وحقوقهم من الأسباب التي تدفع الغير في هضمها واغتصابها منهم.. فالمتجول في بعض مناطق الوطن يلاحظ أن هناك إهمال كبير وعدم اهتمام بالجانب الإنساني حتى يظن الزائر لتلك المناطق أنها غير منتمية لا إقتصاديا ولا سياسيا ولا إجتماعيا لدولتنا، ولم تذق طعم الإستقلال بعد، كما يلتمس نوعا من التهميش واتباع سياسة "اخدم وين يشوف أحمد" أي أين يمر المسؤول فقط، حيث تجد الجدية في متابعة سير الأعمال والأشغال عند زيارة مسؤول سام في الدولة أو وزير وطاقمه، هذا الفيروس القاتل والمفكك لكيان الدولة أصبح منتشرا بكثرة في أيامنا بسبب إنعدام الضمير المهني وكذا الضغوط الإجتماعية التي تدفع بالكثير إلى إتباع قرارت المسؤولين خوفا من ذهاب –الخبزة-وحفاظا على لقمة العيش، ويبقى المواطن البسيط ينتظر إلتفاتة ولو بسيطة من طرف السلطات ليس لبناء فيلات أو شراء سيارات، ولكن لتوفير بيت يليق بسمعة دولتنا التي تزخر بثروات تحسد عليها من طرف دول أخرى . قاطنو وادي علي لم يتذوقوا طعم الإستقلال بعد بدأنا رحلتنا من عاصمة ولاية عين الدفلى متوجهين نحو الجهة الغربية وبالضبط إلى دوار وادي علي التابع لبلدية تيبركانين، حيث تقيم به حوالي 35 عائلة تحت أسقف بناءات طوبية أو ترابية، أين إلتقينا بعمي الميلود شيخ في السبعينيات جالسا تحت ظل شجرة بالقرب من بيته الترابي، استقبلنا بحماسة دون أن يعرف سبب وجودنا هناك، إلا أننا لاحظنا أنه يعاني من إعاقة في قدميه فأردنا معرفة سببها حيث رد - ..هذه الاعاقة مدتها 25 سنة وأنا على هذه الحال بسبب سقوط سقف البيت على قدماي حينما كنت أقوم بترميم وتصليح على مستوى الاعمدة أين سقطت وسقط جزء من السقف على قدماي حينها أخذوني إلى مستشفى العظام بالبويرة أين قاموا بعلاجي ومن بعدها لم أستطع العمل فبقيت على هذه الحال دون أي تكفل من الدولة ولا منحة للمعاقين..- ، ويضيف عمي الميلود قائلا -..لي أربعة أولاد متزوجون يسكنون معي في 3 غرف ترابية ، يشتغلون في الأعمال الحرة ليتحصلوا على قوتهم اليومي ويسدوا رمق عيشهم، كما أن الدولة قدمت لهم إعانات السكنات الريفية إلا أنها لا تلبي الطلب بسبب غلاء مواد البناء خاصة الاسمنت الذي إرتفع سعره في الآونة الأخيرة، والإعانة ب70مليون سنتيم وبالتالي لا تكفي لإتمام أشغال البناء والتجميل ،ونحن نعاني الفقر فكيف لنا أن نتمم البناء ؟، ثم يسترجع قائلا نحن هنا قبل الاستقلال ولم يتغير شيء بعده، فرغم تعاقب المسؤولين على السلطة إلا أن الأمر بقي على حاله ودار لقمان بقيت على حالها ،والواقع يثبت ذلك ،وقال في السياق ذاته أن هناك زيارات ميدانية للسلطات المحلية والولائية للمنطقة محملة بالوعود غير المجسدة وإن طبقت تكون بعد مدة زمنية طويلة ،كما يضيف ابن عمي الميلود البكربن ميرة 38 سنة معوق من يده اليمنى و سائق في النقل العمومي، أن قاطني الدوار يعانون مشاكل عديدة خاصة السكن الذي نعاني منه وأبناؤنا بالإضافة إلى مشكل المدرسة الابتدائية البعيدة بحوالي 5 كلم عن الدوار والمتوسطة الموجودة في بلدية تيبركانين ، أما في الشتاء يزداد الأمر تعقيدا ويصبح ذهاب أبنائنا إلى المدارس يشكل خطرا لهم بسبب إنعدام الإنارة العمومية وكثرة الكلاب الضالة ،زيادة على ذلك بعد المسافة ،كما أننا رفعنا مشاغلنا إلى السلطات المعنية إلا أن الأمر بقي على حاله ، وشكر نفس المتحدث- مير- البلدية الذي قال عنه أنه وقف وقفة الرجال مع أبناء الدوار وقاطنيه وساهم في تقديم الإعانات الريفية التي لم يسبقه إليها المنتخبون السابقون ،وأضاف نتمنى لميرنا المزيد من النجاح ،وأعرب في نفس السياق عن تذمر السكان واستيائهم من غياب الدولة في المناطق النائية المعزولة واهتمامهم بعواصم الولايات وما جاورها من المدن والقرى القريبة أما المناطق المعزولة حجتهم فيها أن الميزانية غير كافية لإحتواء المشاكل ،وهذا غير صحيح وإذا كان صحيح فكيف تصرف الأموال الباهضة على الحفلات والمنتديات الغير نافعة والسهرات الفنية وبعدها يأتي المسؤولون ويصرحون أن البلاد تعاني من نزيف إقتصادي، أيعقل هذا في بلد الخيرات حتى أن هناك مسؤولا إيطاليا إندهش من الحراقة الجزائريين مخاطبا إياهم أن دولة الجزائر تصدر لنا الغاز والبترول وهي أغنى منا بخيراتها فكيف لكم بالهجرة الغير الشرعية من بلادكم المليئة بالخيرات والارزاق؟ رغم الملايير لمكافحة الجهل والأمية..أطفال محرومون من الحق في التعلم إن مفهوم الفقر يدل على وجود أوضاع وظروف معيشية لفئات اجتماعية، وهي أوضاع تتسمم بالحرمان على مستويات مختلفة، غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر، والتي تصف الفقراء بأنهم أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، إضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى مثل الرعاية الصحية والمواصلات والتعليم، من جهة أخرى تركز بعض مفاهيم الفقر على أشكال مختلفة من الحرمان، وتشمل أشكال الحرمان الفسيولوجية والاجتماعية، الأولى تتمثل في انخفاض الدخل أو انعدامه والغذاء والملبس والمسكن، ومن هنا فهي تشمل فقراء الدخل وفقراء الحاجات الأساسية، أما الحرمان الاجتماعي فهو مرتبط بالتباينات الهيكلية المختلفة كالائتمان، الأرض، البنى التحتية المختلفة، وحتى الأملاك العامة المشتركة، إضافة إلى عدم تمكن الفقراء من الاستفادة من الأصول الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية، فبعد نصف قرن من الاستقلال وتقرير المصير لازال زحف الأمية مستمرا في عدد كبير من القرى والمداشر وحتى المدن الجزائرية، ولازالت نسبة الأميين في تزايد مخيف ومقلق رغم الملايير التي رصدتها الدولة لمكافحة الظاهرة، إلا أن الواقع يثبت أنه لا يزال فيروس الامية القاتل يجتاح قرى ومداشر البلاد ،هذا ما إستطلعنا عليه خلال جولتنا في منطقة وادي علي أين إلتقينا بعمي سعيد صاحب ال63 سنة عامل يومي منذ أن كان عمره 12 سنة وهو يعيل أسرة بكاملها متكونة من 11 طفل حيث يحكي لنا مأساته مع الزمن ويقول -..إنني أعيش في هذا البيت الترابي منذ الصغر وكبرت فيه وكبر أبنائي وترعرعوا فيه ،وكما ترون لا يوجد به لا سقف متين ولا أجور فهو مبني بالتراب والطين، ويضيف.. ليس لي مدخول ثابت أسترزق به فلقد كنت أعمل حمالا لدى الخواص وعندما أتحصل على قوتي اليومي الذي لا يتجاوز 400 دينار أشتري به المستلزمات الضرورية فقط ،أما مصاريف العلاج فهناك ناس الخير الذين يساعدوني كثيرا ،وعن مصاريف التعليم يقول عمي سعيد أنه لا يستطيع توفير لوازم التعليم لأبنائه بسبب الفقر الذي بات كابوسا يهدد حياتهم بين الفينة والاخرى، ويبقى المستوى الإبتدائي هو أعلى مستوى لدى عمي سعيد لأن أبناؤه لم يتجاوزوا المستوى السالف الذكر فكلهم توقفوا عند ذلك المستوى بسبب الفقر وعدم إستطاعة والدهم التكفل بلوازم الدراسة ،ونحن نتحدث مع عمي السعيد لفت إنتباهنا إبنه صاحب ال11 سنة أين سألناه حول مستواه التعليمي فأجابنا بنوع من الحزن أنه لم يتذوق حلاوة التعليم بعد ،ويحب أن يكون مع أقرانه في المدرسة إلا أن أباه رفض إدخاله المدرسة متحججا بعدم القدرة على التكفل بمستلزماته المدرسية والمشكل ليس له دخل يومي فكل يوم هو في شأن ،وحول هذا أجابنا نفساني أن العنف والعدوانية للطفل تبدأ في هذه المرحلة حين يستسلم لظروف إجتماعية قاهرة تجعله يرى نفسه غريبا عن المجتمع وبالتالي ينشأ محملا بمكبوتات وكارها لمن ساهم في ظروفه القاهرة فلا بد من إيجاد حلول مستعجلة للأمر قبل فوات الأوان لأن جيل اليوم هو ثمرة المستقبل. 8 ألاف دينار تعيل عائلة متكونة من 10أفراد إلتقينا بعمي محمد صاحب 60 سنة عند بيته المبني بالتراب يمشي بخطوات متباطئة، فأردنا الإستفسار حول السبب، فقال .-..إنني أعاني من هذا المشكل في قدماي منذ سنة 1994حينما كنت أعمل مع مقاول في البليدة، وكنا نتنقل دائما من عين الدفلى إلى البليدة وذات يوم وقع لنا حادث مروري توفي إثره السائق وأصبت بكسور في قدمي دخلت على إثرها إلى المستشفى وأجريت لي عملية جراحية مستعجلة، أين انتهت بعاهة مستديمة ومراقبة طبية لا أستطيع التكفل بمصاريفها ومنذ ذلك الوقت وأنا أتقاضى منحة الحادث 8 ألاف دينار إلى حد اليوم، كما أنني أعيل 11 فردا لا أستطيع التكفل بمتطلباتهم اليومية فهناك رحمة الله ثم يأتي المحسنون بصدقاتهم، ثم يضيف نحن معزولون عن الدولة لأننا نحس بالفروقات الظاهرة، فكيف يطلب مني دفع مبلغ 25 مليون سنتيم لإجراء العملية على قدمي وأنا لا أملك قوت يومي، أيعقل هذا ؟، ويوجه سؤالا في السياق ذاته للمسؤولين عن شؤون الدولة -..هل نحن أبناء هذا الوطن أم غرباء عنه؟، فاليوم نرى أن خيرات بلادنا يستثمر فيها الغير ونحن نتفرج عليهم وننتظر إنتاجهم . البرلمانيون يجزمون بعدم وجود الفقر بالبلاد من جهة أخرى، أكد لنا نائب بالمجلس الشعبي الوطني ذو منصب مرموق بالبرلمان لم يرد الإفصاح عن إسمه أن دولتنا تزخر بثروات كبيرة تحسدها عليها الكثير من الدول، كما أن المسؤولين على تسيير شؤون البلاد سواء كانوا في الإدارات أو الميدان يبذلون جهدا كبيرا لبلوغ مرتبة أحسن في الترتيب العالمي من حيث المواكبة التكنولوجية والعمل الميداني في جل المجالات التقنية والإدارية ، وأوضح المسؤول ذاته أن نسبة الفقر تضاءلت في السنوات الأخيرة وهناك مشاريع تنموية مست المناطق النائية والمعزولة حتى الجبلية منها، خاصة فيما يخص الربط بشبكة الغاز وعمليات التهيئة التي باتت أكثر من ضرورية على مستوى البلديات ، وخير دليل على ذلك هو تجسيد برنامج رئيس الجمهورية وإعطاء فرص للشباب الجزائري من أجل الإستثمار وفتح المؤسسات المصغرة ، وحول الإحتجاجات الأخيرة في بعض الولايات علق ذات المتحدث قائلا –أن هناك أيدي خفية تريد تشويه سمعة البلاد وتقسيمها، وهذا لن يحدث ما دام هناك من يقف بالمرصاد والدولة ستسخر كل مجهوداتها من أجل مكافحة الفساد وتوقيف كل من يريد المساس بكرامة المواطن الجزائري.