إن التناقض الذي يحدث في السياسة العربية الآن أمر لا يصدق، وما يقع من مفارقات عجيبة للتوجهات المختلفة نحو القضايا الراهنة، مواقف تدعو للدهشة، إنه لمن الغريب أن يقف بعض الزعماء العرب - الذي ورثوا الحكم، وسيورثنه لأبنائهم - على منابر الديمقراطية التي تدعوا إلى تداول السلطة، وكيف لهؤلاء الحكام خياطة ملابس الحرية الفكرية والسياسية لغيرهم وهم عراة؟؟ وهل من الممكن لهؤلاء الأمراء حث رعاياهم بعدم الخروج على الحاكم وولي الأمر، وفي المقابل يحرضون الشعوب الأخرى في الخروج على حكامهم وولاة أمورهم، فيأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.. أفلا يعقلون؟ كيف لحكومة مثل حكومة قطر أن تدعوا لتكريس العدالة السياسية وهي لا علاقة لها بذلك لا من قريب ولا من بعيد؟ وكيف لها كذلك أن تشيد صرح إعلاميا على جماجم الشعوب العربية الأخرى، لتُظهر للعالم أنها تريد خدمة الحرية والمساواة؟؟ ومن جهة أخرى كيف تحاول دولة مثل السعودية أن تبرهن بكل الأدلة الشرعية وتثبت بكل المسائل الفقهية والعقائدية أن قتل مسلم لأخيه مسلم في شبه الجزيرة العربية، أو دولة من دول الخليج مثل البحرين لا يجوز شرعاً وبأي حال من الأحول، ولكن عندما يتعلق الأمر بدولة مسلمة أخرى مثل ليبيا أو سوريا فالأمر مختلف تماماً؟؟ هل ينصب العلم الأخضر للسباحة المسموحة، فقط للدول العربية الخارجة عن مجلس التعاون الخليجي للعوم في برك الدماء، بحيث ينصب العلم الأحمر لدول الخليج عندما يتعلق الأمر بالخروج للشارع للمطالبة بحق من الحقوق الشرعية؟؟ إن الأمراء والملوك والسلاطين من حكام العرب لم يتعلموا الدرس بعد، لأنهم يخوضون في أمور لا يعرفون عواقبها الخطيرة، والتي ستنجر عليهم من خلال إشعال نار الفتنة. وعندما ننظر من الزاوية أخرى، فهناك دول خليجية مثل الكويت التي لا يمكننا إدخالها في معادلة النفاق الذي يستعملها بعض جيرانها، لأن الوعي السياسي في هذه الدولة عالي إلى درجة أن النخب السياسية استطاعت أن تسقط حكومات وتزلزل عرش آل صباح، وهي الدولة الوحيدة - تقريباً - في المنطقة التي لديها برلمان حقيقي يستعمل أغلب صلاحياته. وكذلك البحرين التي تُقمع مظاهراته بذريعة الطائفية والتي تستعمله حكومة آل ثاني كحجة لإبطال هذا الحق الشرعي. وهناك أيضاً دول عربية ذات حكم ملكي تسعى لتكريس الديمقراطية وقد قطعت شوطاً لا بأس به من الحرية والتعددية مثل الأردن والمغرب التي بدأت تفصل بين صلاحيات الملك المطلقة، وبين صلاحياته الدستورية والتشريعية والتنفيذية وحتى القضائية. نرجع مرة أخرى ونقول، لماذا تدعي بعض دول الخليج أنها عّرابة الربيع العربي وهي لا تزال في الخريف؟؟ وهل يعتقد هؤلاء الحكام أن ما يقومون به من شطحات على منابرهم الإعلامية سيحميهم من عاصفة الشتاء التي تسبق الربيع؟؟ أم أنهم يعتقدون بأن جرعات البترول التي يملكونها هي التي ستكتم الحقوق الشرعية للمتنفس السياسي لشعوبهم؟؟ ألا يخافون هؤلاء من سحر الدبلوماسية، وطلاسم سياستهم الخارجية التي ستنقلب عليهم؟؟ طبعاً، وهذا أكيد.. سينقلب السحر على الساحر يوم ما؟؟؟