لطالما كان الاعتذار من شيم الكبار تزيد من علو مقام صاحبها و تزيح عنه الأحقاد وتبعده عن شر الأعداء ، إلا أن الكثيرين يجدون صعوبة في الاعتراف بالخطأ و المبادرة بالاعتذار خوفا من أن يعرضهم ذلك للحرج أو الضعف فيما قد تستطيع كلمات الاعتذار محو أثر الجراح و إخماد نيران الخلافات و هذا ما يزيد من قوة العلاقات الاجتماعية ، و لكن المؤسف في الامر أن هناك من لا يقدر اهمية هذا الخلق وهو ما أكده لنا بعض ممن تحدثنا معهم و الذين يرون في الاعتراف بالذنب و طلب السماح و الاعتذار من أكثر الأمور صعوبة و تعقيدا . "أسف" كلمة كفيلة بنزع فتيل الخلافات من طبائع البشر الوقوع في الأخطاء في حق اناس قد كانوا لهم نعم الاصدقاء او كانوا ممن قاسموهم افراحهم و احزانهم و لكن الضمائر الحية وحدها من تسترجع أنفسها و تستخدم كل السبل و الطرق لتعيد المياه الى مجاريها و يصبح الاعتراف بالخطأ سيد الموقف و مفتاح تزول به الضغائن و تستعيد القلوب ثقتها بالغير لتترجم بعدها بكلمة لا يتعدى عدد أحرفها ثلاثة حروف " أسف "... هي تلك الكلمة الصغيرة التي تحمل في صغر أحرفها معاني جليلة و كبيرة تنم عن خلق عظيم و شخص بعيد عن مظاهر التعالي و التكبر ، فقد تكون ثقيلة على لسان الكثيرين إلا أنها أهون بكثير من فقدان من احببنا أو خسران أحد اكرم الينا في يوم من الأيام . الاعتذار الحقيقي من يتحمل صاحبه مسؤولية الخطأ و في هذا الاطار التقينا بالكثيرين ووجهنا لهم السؤال حول ما ان كانوا يقدرون ثقافة الاعتذار فكانت الإجابة مختلفة باختلاف الاشخاص و مستوياتهم و طرق تفكيرهم و تعاملهم مع ما يواجهونه من مواقف في حياتهم اليومية ،و في هذا الصدد تقول "وسيلة" :" لا أجد أي حرج في الاعتذار للغير خاصة إن كنت على يقين بأنني أخطأت و ليس عيب أن نخطأ بل العيب هو نكران الخطأ و عدم الاكتراث لمشاعر الآخرين ، فأنا حريصة على الابتعاد عن كل ما قد يجعلني في خانة الأعداء حتى أتفادى شرهم بل في كل ليلة و قبل أن أغمض عيني اقوم بمراجعة نفسي و محاسبتها وهو السبيل الذي يعطيني القوة لأن أعترف بأخطائي و تقديم الأعذار بعدها. ، و أما "هند" فتقول : "بكل صراحة كثيرا ما أخطأ في حق الأخرين و لا أبالي ان كان الأمر قد تسبب لهم بجرح أم لا إلا أن هذا لا يعني أنني لا أحس بالندم بعدها و ما يحيرني في امر نفسي انني أجد صعوبة بالاعتذار بلهجتنا بل اقوم بترديد مصطلحات الاعتذار بلغات الأخرى كقول : " pardon ..sorry" فهي اخف و اسهل من كلمة آسف ، هذا الأمر فسرته لنا الأستاذة "سميرة جوادي" المختص في علم الاجتماع على أن الاعتذار يختلف من شخص لأخر فهناك من بمجرد ما يقع في الخطأ يعتذر و آخرون ينتظرون مراجعة أنفسهم فيكون الاعتذار نوعا ما متأخرا و نوعا أخر منهم من يكابر و يعاند و يرفض فكرة أن يعتذر عن ما بدر منه و هنا تلعب التنشئة الاجتماعية دور كبير في ترسيخ ثقافة الاعتذار و تضيف أن استخدام مصطلحات الاعتذار باللغة الأجنبية راجع الى النظرة الخاطئة عن الاعتذار في ثقافتنا العربية و التي تعني الضعف و الانهزام لذا يلجأ الكثيرون الى الاعتذار بتغيير اللغة و ذلك لأن وقعها أخف و مغاير لما تحمله من معاني حقيقية . اختلاف اشكال الاعتذار باختلاف طبائع البشر كثيرون يعزفون عن طلب الاعتذار لعدم ادراكهم للأخطاء التي يقترفونها أو لأنهم يرون فيها ما يزعزع من كرامتهم و يظهرهم في أضعف أحواله ؟ و الأغلب أن الاعتذار تختلف أشكاله فمنه المباشر و الذي يكون باستخدام مصطلحات الاعتذار و الكلمات الصادقة و الصريحة و الغير المباشر و الذي يكون بالقيام بتصرفات يفهم منها انها اعتذار و على كل حال كل من الشكلين يفيان بالغرض ،، " سليم" شاب في مقتبل العمر يقول في هذا السياق : " ان الاعتذار من أخلاق الأنبياء و كم جميل المشي على خطاهم و الإقتداء بخصالهم ، و لكن ما يلاحظ في زمننا غياب هذه القيم و هو ما زاد من كبر البعض و غرورهم و السبب يرجع الى أن من يبدر بالاعتذار في الكثير من الأحيان يقابل بالرفض و هنا يصبح من الواجب قبول العذر من المسيء و العفو عنه عما اقترفه حتى لا تنقطع أوصال المحبة " . على المسلم أن يسامح ويتخلق بأخلاق أهل العفو و لا ريب أن المجتمع الذي تنعدم فيه قيم المحبة و الإنسانية مهدد بفتور علاقاته الاجتماعية و هشاشتها و هو ما لا يتناسب مع ديننا الحنيف الذي لا يقبل تفشي الأحقاد و العدائية ما بين بشر الكون ففي اتصالنا مع الإمام الشيخ قريشي أكد على ضرورة الاجتهاد في غرس هذا الخلق العظيم من طرف الأولياء و المدرسين و كل الفاعلين في المجتمع و اعادة بعثه في اجيال اليوم التي قليلا ما نجد فيهم من يتحمل المسؤولية و من يعترف و يبدر بالاعتذار و ينتظر الغفران ، و يضيف أنه يجب على المخطئ التماس العفو من المتضرر حتى لا يكون عليه اثما و لا يلم يوم الحساب خاصة ان كان الخطأ قد تسبب في الحاق الأذى بالآخرين و الأصل أن العبد التقي من يسامح و ينسى الاذية ويتخلق بأخلاق أهل العفو، وهو في ذلك يحي هذا الخلق لما يجده أخوه المعتذر من ترحيب و تعظيم لاتصافه بهذا السلوك ، و في حالة رفض الاعتذار فعلى المعتذر أن يتفهم هذا من أخيه خاصة ان كان سبب الخلاف أمر لا ينسى و تسبب له بجرح كبير يجعله لا يستجيب فوريا ، و هنا ما عليه إلا الإحسان اليه و الدعاء له بظاهر الغيب بقدر ما تطمئن نفسه من أنه قد وفاه حقه."