لم يشفع الانتماء الإداري لأشهر منطقة ساحلية وسياحية على مستوى الساحل الشرقي التيبازي في ان يكون الحي" الأسود" الذي يقع عن بعد بضعة أمتار فقط من الوسط الحضري لمدينة الدواودة البحرية أحسن حالا فالوجه البراق واللماع للمدينة المغرية والساحرة بشواطئها الخلابة كشاطىء العقيد عباس وفلوريدا وكثرة الفنادق الفخمة ومطاعم الشواء والمثلجات الممتدة على طول الطريق الوطني رقم 11، تخفي وراءها في الحقيقة خلفية درامية مأساوية، قاتمة السواد، كيف لا وتسمية الحي بالأسود في الواقع ...اسم على مسمى. مجمع سكني بدائي فالبشر هنا محتم عليهم حبا أم كرها الرضوخ لواقع معيشي بدائي ومزري بجميع المقاييس جراء سياسة عنوانها مكتوب بالبنط العريض:" الإقصاء والتناسي المقصود" لولاة أمورهم في التعاطي الإيجابي مع انشغالاتهم وتطلعاتهم حتى أن أدنى ضروريات العيش الكريم تنعدم هنا فمن التهيئة الغائبة عن أشباه الشوارع والأزقة إلى غياب الماء والكهرباء مرورا بالبطالة التي تغرق الشباب في دوامة حلقة مفرغة أصبح أمر الخروج منها ضربا من المستحيل. "الأمة العربية " كما عودتكم وفي محاولة منها لاستقصاء أمور وأحوال الحي" المنسي" كما يلقبه أهله، زارت الحي فتقربت من بعض العائلات التي رد علينا أفرادها بلهجة فظة تنم عن ثورة سخط وتذمر عارمة تكمن بداخل نفوسهم ولا ندري متى سيحين موعد انفجارها حيث رد علينا أحد الشباب بقوله :"الحي الأسود يا آنستي كله مشاكل ولا شيىء يعكس أنه مجمع سكني حضري ينتمي لأرقى مدينة سياحية بتيبازة ما دام أننا لم نلمس بعد ما يعكس التحضر والتمدن مردفا بقوله: نحن هنا بالحي الأسود في شبه ريف ولسنا في مدينة". منطقة ضحية للمواعيد الانتخابية من جهته تدخل أحد القاطنين وهورب عائلة يقطن بهاته البقعة كما يقول منذ اكثر من ثلاثة عقود حيث يستطرد في الكلام ليفصح فيقول علنا:"لقد كنا ولا نزال ضحية المواعيد الانتخابية أين يشهد الحي أيام الحملات الانتخابية تكالبا غير مسبوق للمترشحين للظفر بأصواتنا لكن مقابل ماذا؟ مقابل وعود جوفاء وكاذبة على حد تعبيره بقيت مجرد كلام لا يغني ولا يسمن من جوع وسرعان ما ذهبت كلها أدراج الرياح ولم نلمس منه شيئا والدليل حسبه أنهم اليوم يختفون عن الأنظار ولم نعد نعثر حتى على ظلهم هنا بعدما فازوا بالكراسي الفخمة واستحوذوا على السلطة والنفوذ" لكن ببساطة يلخص سكان الحي" الأسود" في شكوى تحصلت"الأمة العربية" على نسخة منها سقوط عزائمهم وثقتهم بمسؤوليهم بأودية اليأس بعدما سئموا من الانتظار والوعود المؤجلة إلى حين حيث لم تخصص السلطات المحلية أي مشروع تنموي بإمكانه أن ينتشل أهل الحي من بوتقة الفقر والبؤس والحرمان التي تطوقهم من كل جانب. حرمان من الماء الشروب فأبسط أساسيات الحياة الكريمة حرموا منها ولعله في مقدمتها انعدام أهم عنصر حيوي لاستمرار الحياة البشرية الذي هو"الماء" الأمر الذي خلق أزمة عطش خانقة تلقي بظلالها الثقيلة على كاهل السكان جراء شح الحنفيات التي لم تزرها المياه الشروب منذ سنوات، وهوالوضع الذي عكر عليهم الصفو المعتاد خصوصا خلال أيام الشهر الفضيل لدرجة أن الكثير من أهل الحي أصيبوا بنوبات هستيرية حادة كالحاجة "باية"، وهي عجوز طاعن في السن تجرعت من ويلات مرارة أزمة الماء مايكفي وتقول إحدى حفيدتها أن جدتها باتت تنام وتستيقظ إلا على "الماء" وليس على لسانها إلا هاته الكلمة التي استبدت بعقلها وتملكت نفسها في ظل تقاعس المصالح المحلية عن التحرك الجاد والفعلي لإيجاد حل عاجل وفوري ازاء المشكل العويص المطروح وهوما دفع بسكان الحي بالتالي إلى الخوض في رحلات مضنية للبحث عن قطرات ماء من شأنها أن تبلل ريقهم وعروقهم أثناء الإفطار كما اضطر آخرون إلى الاشتراك في ثمن صهريج المياه الذي غالبا ما يتجاوز سعره عتبة 1000 دج . انقطاعات الكهرباء عادة دائمة وعرج محدثونا إلى طرح مشكل لا يقل أهمية عن الاول والمتمثل في معضلة الكهرباء والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي التي لم يجدوا لها حلا ومخرجا لحد الساعة رغم جميع الالتماسات التي وجهوها إلى مصالح سونلغاز والتي لم تحرك ساكنا لحد اللحظة لاحتواء المشكل، مشيرين في ذات السياق إلى أن الكهرباء غالبا ما تغيب عن مساكنهم طيلة ساعات قد تمتد من فترة الصباح إلى غاية المساء ما يتسبب في اتلاف المواد الغذائية التي يحفظونها بداخل ثلاجاتهم، معبرين في ذات الشأن عن توترهم وسخطهم اللامتناهي من الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي التي تحول مصابيح بيوتهم ليلا إلى مصابيح ملهى تضيء تارة من الزمن وتنطفىء تارة أخرى، وكأنها تماما مصابيح ملهى على حد وصفهم. الشباب ضال لانعدام فرص العمل ولا داعي لأن نتحدث عن شؤون وهموم الشباب فأحوالهم حسب استطلاعنا لا تبعث اطلاقا على الارتياح وراحة البال نتيجة الفراغ الرهيب وشبح البطالة المستفحلة التي يتخبطون فيها دون أن يجدوا لها مخرجا يخلصهم منها وجذور المعضلة حسب ما أكده الشباب الذين تحدثوا الينا انعدام فرص الشغل التي بامكانها احتوائهم وانتشالهم من دوامة حلقة مفرغة ليتيه العشرات منهم في زوايا الحي دون عمل يوفر لهم الرزق الحلال ويقيهم شر الانحراف في ظل تعفن الأجواء المحيطة بهم، والتي أثرت سلبا على سلوكاتهم بسبب الانتشار الرهيب لبؤر الفساد الأخلاقي وبيوت الدعارة وتواجد مستودعين لتخزين الخمور، حيث باتت كميات معتبرة من السموم تلك تروج وتباع لشباب الحي الذين تجدهم يلجأون إليها هروبا من اليأس القاتل والواقع المر الذي تجرعوا مرارته كفاية، إلا أن ما أثار استغرابنا حقا تفكير بعض الشبان البطالين في" الحرڤة" وحلمهم الكبير في أن يعبروا عباب البحر بأي طريقة ليصلوا إلى الضفة الأخرى عسى ولعل أن تفتح لهم الدنيا أبوابها فتبعث في نفوسهم اليائسة أملا جديدا في الحياة.