سجلت أسعار الخضر والفواكه في اليومين الأخيرين، ارتفاعا خياليا، لم يُعرف المسؤول عنه، لكنه أدى إلى مقاطعة المواطن خاصة البسيط للسوق، وللخضر، على حد السواء. وفي الجولة التي قادتنا إلى بعض أسواق التجزئة، كان لنا حديث مع الخضارين والمواطن. وفي وقت صب فيه الأخير جام غضبه على بائعي التجزئة وحمّلهم مسؤولية حرمانه من أكل الخضار، نفى من تحدثنا إليه من هؤلاء الباعة التهمة، مشيرا إلى تورط أطراف أخرى في تقلب أسعار سوق الخضر والعجز الذي تعرفه سوق الفواكه التي أغرقها المستورد الغالي. المواطن يتّهم.. وبائعو التجزئة يتبرأون كانت الساعة تقارب الحادية عشر صباحا حينما دخلنا سوق علي ملاح بالعاصمة. الحركة قليلة، قلما نرى زبونا وإن كان فإنه يسأل البائع عن الثمن ويغادر دون أن يشتري، فالأسعار كما قال أحدهم تبعث عن الرغبة في ازدراء كل ما يباع في سوق الخضر. البازلاء الخضراء المقبولة، سجلت سعرا تراوح بين ال 180 إلى 220 دج للكيلوغرام الواحد، وهي للإشارة تراجعت بعد تسجيلها لسعر خيالي بلغ ال 300 دج للكيلوغرام. الطماطم لم تنزل عن ال 100 دج منذ يومين. الباذنجال 180 دج للكيلوغرام الواحد، لأنه كما قال أحدهم : "الراتب كاملا إذا خصصناه لشراء الخضر لوحدها، لن يكفينا.."، وربما هو الشيء الذي جعل سيدة تتبّعناها، وهي منذ دخولها السوق، تلف على الباعة وتسأل عن أسعار الخضر، التي اختصرتها في الأخير مادة الطماطم التي عند آخر طاولة وقفت أمامها، أنها لن تنزل عن ثمنها، أي 100 دج، حتى تغادر إلى أن خرجت. هنا سألناها عن سبب مغادرتها دون أن تشتري ما تريد، فقالت: "الجوع أهون"، مضيفة بلهجة المغلوب على أمره، أنها منذ أيام دأبت على القيام بنفس الجولة، علها تجد الأسعار انخفضت وتغادر بقفتها فارغة... وفي هذا الإطار، فيما اتهم آخرون الباعة برفع الأسعار للكسب السريع، وهو الشيء الذي نفاه من تحدثنا إليهم من باعة التجزئة الذين اشتكوا بدورهم من هذا الغلاء الذي انعكس سلبا على تجارتهم، مؤكدين أن زبائنهم منذ ارتفاع الأسعار، اختصروا في الطبقة ميسورة الحال. وقد أرجع بائعو التجزئة أصل المشكلة إلى بعض الأطراف التي تتلاعب بالأسعار، التي ارتفعت بدورها في سوق الجملة، إلى درجة اضطرتهم (أي باعة الجملة) إلى تخفيض الكمية التي تعوّدوا اقتناءها بسبب الغلاء ورداءة السلع. الأسعار في سوق الجملة ماعدا الخضر الموسمية، كالفول والقرنون التي تسجل أسعارا معقولة، فإن غير الموسمية سجلت أسعارا مرتفعة في سوق الجملة، حيث وصل سعر البصل إلى 45 دج للكيلوغرام الواحد، والطماطم من 82 إلى 84 دج للكيلوغرام الواحد، والفلفل بنوعيه تراوح بين ال 180 إلى 190 دج للكيلوغرام الواحد. أما البطاطا التي تظل لوحدها مشكلة الجزائري، إذا ما ارتفع سعرها، فقد سجلت أمس بسوقي الجملة ببوفاريك والكاليتوس، سعرا تراوح بين 58 إلى 62 دج للكيلوغرام الواحد، علما أن المعروض ليس من النوعية الجيدة، وهي الكميات التي احتكرها المضاربون في غرف التبريد، لبيعها في هذا الوقت الذي يشهد نقصا في هذه المادة. وفي هذا الإطار، أرجع بعض التجار سبب نقص البطاطا في السوق، إلى عدم غرس المادة في ولاية عين الدفلى هذه السنة، وهي من بين أهم المناطق المعول عليها في تغطية جزء كبير من احتياجات السوق لها، إضافة إلى أن منتوج بعض المناطق الخصبة المحاذية للعاصمة على غرار مفتاح ومزارع الجمهورية لم تنبت بعد للتأخر في زراعتها. أما منتوج أدرار، فلا يمكن الاعتماد عليه في تمويل أسواق الشمال، لارتفاع قيمة التكلفة من نقل وقلع. "مُسحت ديون الفلاحين، فرفعوا الأسعار" علّق بعض المواطنين والباعة على ارتفاع الأسعار، الذي حمّلوا الفلاح مسؤوليته، بالقول: "مسح رئيس الجمهورية ديونهم، فرفعوا الأسعار بهذه الطريقة..."، وقال مواطن آخر: "لقد تفاءلنا لقرار الرئيس وظننا أننا سوف نأكل الخضر على غير العادة هذه السنة، لكن الواقع فاجأنا بحقيقة تنبئ أننا لن نأكل الخضر إلى إشعار لاحق..". التهاب الأسعار، وإن كان المتهم به هو الفلاح، إلا أن الكل يدفع ثمنه، المواطن يشتكي وبائع الجملة غاضب، وأرهقته مضاربة في الأسعار تتحكم فيها أطراف تستفيد منها وتضع الكل في موقع الخسارة، المواطن يخسر ماله أو يستغني عن الخضار، والبائع يخسر زبونه أو يخسر تجارته، والفلاح يفنّد ما نسب إليه ويؤكد أن الفلاحة ما عادت تخدمه في هذه البلاد، رغم أن رئيس الجمهورية وتشجيعا له مسح ديونه مؤخرا. كل هذا يحدث وسط صمت مطبق للمسؤولين عن قطاع يعول عليه في توفير جزء كبير من الأموال التي يمتصها الاستيراد، وربما خير دليل على ذلك ما لاحظناه في اليومين الأخيرين في الأسواق التي لجأ التجار فيها إلى الفاكهة المستوردة، في ظل النقص الفادح الذي تعرفه السوق الجزائرية من هذه المواد، مما اضطر التجار إلى الاستعانة بالفاكهة المستوردة على رداءتها وغلاء ثمنها.. ليكتمل المشكل. الاتحادية الوطنية لأسواق الجملة للخضر والفواكه: "الفلاح بريء.. سوء الطقس والمضاربين وراء المشكل" نائب رئيس الاتحادية الوطنية لأسواق الجملة للخضر والفواكه، قال في اتصال ب "الأمة العربية"،: "إن المتسبب في المشكل ليس تجار الجملة ولا التجزئة، ولا حتى الفلاح، وإنما السبب بالنسبة لندرة البطاطا هو التقلبات الجوية التي جعلت عملية الغرس تتأخر، حيث عرقلت الأمطار التي تساقطت فصل الشتاء، عملية الحرث، ومن ثمة الغرس. لذلك، بقي ثمن هذه المادة على غرار الخضر غير الموسمية مرهونة بعملية العرض والطلب. أما الخضر غير الموسمية كالطماطم، فقد أرجع جعدون جمال، ارتفاع أسعارها إلى التكاليف الباهظة للبيوت البلاستيكية التي تزرع فيها، إضافة إلى غلاء أسعار الأسمدة التي قفزت من 2800 دج للقنطار إلى 10 ألاف دج أخيرا، وهو الشيء الرئيسي الذي أكد المتحدث أنه وراء مشكلة ارتفاع أسعار الخضر عموما الأيام الأخيرة، بحيث وجد الفلاح نفسه يستغني عنها، مما جعل الأمراض تعصف بالمنتوج. كما لم يستبعد المتحدث وقوف بعض المضاربين الذين قال إنهم ليسوا فلاحين ولا تجار وراء تخزين المنتوج في غرف التبريد، ومن ثمة بيعه في وقت كهذا بأسعار باهظة. هكذا، تبقى الفلاحة في الجزائر رغم جهود السلطات العليا بعيدة عن الآمال المعلقة عليها في سد احتياجات السوق للخضر و الفواكه، في ظل غياب استراتيجيات جادة للقيام بهذا القطاع الاستراتيجي الذي مازال مريضا في بلادنا.