لا شيء تغير منذ حادثة فيضانات باب الوادي ذات العاشر من نوفمبر سنة 2001 والتي أودت بحياة أكثر من 850 شخص وفقدان أكثر من 300 آخرين، بحسب قراءات وتحاليل خبراء تسيير الكوارث والملمين بملفات التغير المناخي والاضطرابات الجوية، بحيث تجمع آراء العارفين بحيثيات ملفات "لوجتسيك السلامة" والاحتياطات الأساسية في حال حدوث الكوارث الطبيعية، أن الجزائر لم تحفظ الدرس كما ينبغي، لتضاف الأمطار والثلوج إلى قائمة الأسباب الرئيسية المؤدية للوفاة، خصوصا في الولايات الداخلية مثلما حدث قبل أيام قلائل في المسيلة وباتنة. أشارت دراسات "جيو مناخية" سابقة أعدتها هيئات دولية ومنظمات تعنى بشؤون التغيير المناخي وغوث المتضررين من الكوارث الطبيعية إلى أن الجزائر العاصمة هي عبارة عن هجين جغرافي معقد، حيث تتناسق المنحدرات أوما يسمى في اصطلاح الجماعات المحلية ب "أعالي العاصمة" مع السهول الممتدة على طول الساحل وتخلل الوديان الصغيرة العديد من البلديات شرق وغرب منطقة المتيحة والتي ما تزال راكدة قد تتحول في أية لحظة إلى سيول جارفة لويزيد معدل التساقط المستمر للأمطار عن معدلاتها الطبيعية والمحددة في الجزائر عموما ب 40 ملم. وقد اعترف وزير البيئة وتهيئة الإقليم شريف رحماني في ندوات وملتقيات سابقة حول التغيرات المناخية بالخطر الجسيم الذي يتهدد سكان العاصمة وحتى الولايات المجاورة في منطقة المتيجة مؤكدا أن كل مشاريع الاحتراز والحيطة المتخذة منذ كارثة فيضانات باب الوادي في 10 نوفمبر 2001 تبقى غير كافية، داعيا جميع الهيئات القطاعية إلى التكتل كقوة اقتراح من اجل تباحث مشروع وطني للحيطة ضد خطر الكوارث الطبيعية ليس الفيضانات فحسب، بل جميع الظواهر البيئية الأخرى مثل الزلازل وانجراف التربة وانزلاق الأرض والتصحر وصعود المياه في مناطق بالجنوب الكبير. برقيات التحذير لمصالح الأرصاد الجوية تمر دون اهتمام تؤكد مصالح الأرصاد الجوي في العديد من المناسبات، وعلى لسان كبار مسؤولي هذه الهيئة التي تعنى بشؤون الرصد الجوي والمناخي في البلاد، أن المؤسسة تحرص وبانتظام على مراسلة جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية وعلى رأسها الجماعات المحلية في حال توقع حجم تساقط للأمطار والثلوج فوق مستوياتها الاعتيادية. الهدف من هذا الإخطار والإشعار الذي يبرق مفصلا إلى الجهات المعنية عادة قبل يومين أو ثلاثة أيام، هو تمكين الجماعات المحلية من اتخاذ الاحتياطات الاستعجالية اللازمة وقد سبق أن أخطرت ذات المصالح الجماعات المحلية قبل كارثة باب الوادي بيوم واحد أي يوم الجمعة 9 نوفمبر صباحا والكارثة بدأت سيناريوهاتها وفصولها المأسوية صباح السبت 10 نوفمبر. وقد شددت مصالح الأرصاد الجوي على ضرورة أن يعي المواطن أولا ومؤسسات الدولة ثانيا الخطر المحتمل وأخذه على محمل الجد، مؤكدة أن الدول المتقدمة في أوروبا كما في أمريكا وآسيا تضخ حاليا ميزانيات معتبرة لتمويل برامج البحث في المناخ ودعم مؤسسات الرصد الجوي التي تزود يوميا المواطن ومختلف المؤسسات بالمعلومات المناخية الضرورية لكن في الجزائر يبدوأن هذه "الثقافة المناخية" مغيبة إلى حد بعيد لما تمر "برقيات" الإخطار والإشعار دون أن تولى الأهمية اللازمة . ارتفاع حجم تساقط الأمطار ترفع من احتمالات "طوفان الوديان" تحصي العاصمة والمناطق المجاورة في الوقت الحاضر أكثر من 50 واديا، بعضها جاف والبعض الآخر جار، وقد تحولت مع مرور السنين إلى وديان ومجاري للصرف الصحي، وتعد ولاية بومرداس أكثر من 200 واد من بودواو إلى يسر، وتيبازة أكثر من 150 واد من واد مازافران بمنطقة القليعة الى حدود بلدية تنس غربا وقد حذر العديد من خبراء الايكولوجيا من خطر "طوفانها" في أية لحظة في حال ارتفاع الحجم الساعي لتساقط الأمطار أوالثلوج في المرتفعات المحاذية وهو سيناريو محتمل الوقوع. فهل اتخذت السلطات الاحتياطات اللازمة لحماية سكان الأحياء التي شيدت على ضفاف هذه الوديان التي ما يزال خطرها نائما؟ الجواب لا وكان بمقدور الجماعات المجلية ردمها أو تشكيل أوتاد وعوازل إسمنتية جانبية تمنع خروج المياه عن مجراها وهي إجراءات لا تكلف الكثير بالنسبة للجماعات المحلية. ومعلوم أن زيادة حجم التساقط يؤدي حتما لفيضان الوديان، خصوصا تلك غير مهيئة أوالمسدودة في نواح كثيرة في مسارها نحو البحر. بالوعات الصرف مسدودة والشتاء على الأبواب ما يزيد الوضع تعقيدا في حال ارتفاع حجم التساقط بالعاصمة، هو الحال المتردي لأكثر من 80 بالمائة للبالوعات الرئيسية لصرف المياه، فهي مسدودة بالكامل وتدفع المياه إلى الخارج وهي من أهم أسباب ارتفاع قوة دفع المياه وجرف الأتربة الوضع فعلا يندر بالخطر خصوصا ونحن على أبواب حلول فصل الأمطار والثلوج. وقد سارعت مصالح الجماعات المحلية ومديريات الأشغال العمومية في كل من ولايات الجزائر العاصمة والبليدة وبومرداس وتيبازة منذ نهاية شهر سبتمبر الماضي إلى إصلاح مجاري البالوعات وتغيير العديد منها لكن وبعد الأمطار المسجلة في الأيام القليلة الماضية بدت عيوب الأشغال للظهور مجددا حيث تجمعت مياه الأمطار لتصل منسوبا يقدر في بعض المناطق ب 20 سنتمترا والغريب أن الظاهرة يعايشها المواطن في قلب النسيج الحضري في المدن الكبرى. وتشير النتائج المتوصل إليها عقب كارثة فيضانات باب الوادي أن من الأسباب الرئيسة التي عقدت الوضع أكثر، هو أن 90 إلى 95 بالمائة من بالوعات الصرف على مسار مجرى المياه من بلدية الرستمية في أعالي العاصمة إلى باب الوادي كانت مسدودة. وفي انتظار أن تلتفت السلطات الى هذا الملف، تبقى زخات المطر الصغيرة ترعب المواطن البسيط قبيل حلول الشتاء، خصوصا أولئك الذين ما يزالون يسكنون البيوت الآيلة للانهيار أو المنازل المشيدة على ضفاف الوديان أو على مسار سيل المياه نحو البحر.