شهدت المؤشرات المالية الكلية للجزائر تحسنا نسبيا خلال السداسي الأول من السنة الجارية بعد الصدمة الخارجية التي تكبدتها الموارد العمومية إثر الأزمة الاقتصادية العالمية، وهو ما يدل على "قدرة على المقاومة" في ظل تصاعد المخاطر المالية في منطقة الأورو، حسبما أكده أمس الأربعاء محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي . وخلال عرضه لتطورات الوضعية المالية والنقدية في الجزائر خلال السداسي المنقضي على أعضاء المجلس الشعبي الوطني، ذكر لكصاسي، أن هذا الاستقرار المالي يسمح ب"مواصلة برنامج الاستثمارات العمومية بشكل قاطع بفضل تعزيز الادخارات المالية للخزينة". وأعلن محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لكصاسي عن تحقيق الجزائر لمداخيل نفطية بقيمة 27.6 مليار دولار خلال السداسي الأول لهذا العام، وهو ما يمثل زيادة ب38 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها لسنة 2009. وبرسم عرضه التقرير السنوي لبنك الجزائر حول التطور الاقتصادي والنقدي في البلاد على نواب المجلس الشعبي الوطني، كشف لكصاسي عن تسجيل الجزائر فائضا في ميزان المدفوعات بحدود 86.3 مليار دولار، علما أنّ فوائض الميزان المذكور كانت أعلى سنة 2008 بواقع 99.36 مليار دولار. 146 مليار دولار احتياطي الصرف استنادا إلى أرقام محافظ بنك الجزائر، فإنّ احتياطات الصرف الرسمية بلغت في نهاية جوان الماضي146 مليار دولار، في حين ظلّ مستوى الديون الخارجية قابعا عند سقف 4 مليارات دولار. كما لفت لكصاسي إلى تراجع نسبي لمعدل التضخم الذي قدره ب5.4 بالمائة في جوان المنقضي، مقارنة ب5.7 بالمائة في ديسمبر 2009، وربط مسؤول بنك الجزائر استمرار مستوى التضخم عاليا بالزيادات الهائلة التي شهدتها أسعار المواد الأكثر استهلاكا لا سيما المنتجات الغذائية. وشدد لكصاسي على أن التضخم له صلة مباشرة بظاهرة المضاربة المتفاقمة وما يتصل بها من ممارسات الأسواق الموازية وضعف ضبط سيرورة الأسواق، بجانب عدم التوازن الحاصل بين منظومتي العرض والطلب والاتساع النقدي المبالغ فيه، ما يمثل بمنظاره خطرا أكيدا على استقرار الاقتصاد الكلي. بالمقابل أبرز محافظ بنك الجزائر ما سماها " الصلابة المالية للجزائر"، وأرجع ذلك إلى تطبيق سياسة مالية حذرة على مدار العامين القادمين، مشيرا إلى أن النظام البنكي الجزائري لم يتأثر مباشرة بصدمات الأزمة المالية الكونية، وما ترتب عن التقلب الحاد لأسعار العملات الأجنبية لا سيما في العام الأخير. وفيما ذكر أن البنوك لا تزال تتموقع كممول رئيسي للأنشطة الاقتصادية، سجل لكصاسي أن التحويلات الإضافية من الخارج انخفضت، في صورة منح المتقاعدين التي تراجعت إلى 63.2 مليار دولار خلال 2009، بعدما كانت ب78.2 مليار دولار في العام قبل الماضي. نظام لتنقيط البنوك اعتبارا من العام القادم كشف لكصاسي عن اعتماد نظام جديد يقضي بتنقيط البنوك سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من السداسي الأول للسنة القادمة. وعبر محافظ بنك الجزائر، عن اعتزام هيئته مواصلة فرض رقابة مشددة على البنوك وسائر المؤسسات المالية، وبرّر ذلك ب”حتمية استكمال إصلاح المنظومة المالية والبنكية في العمق. وأشاد لكصاسي بتطور العلاقة بين البنوك والزبائن، من خلال تمكين مختلف الأشخاص الطبيعيين والمعنويين من فتح حسابات، فضلا عن وضع أدوات الدفع في آجال معقولة وإعلام الزبائن بشكل دوري، ناهيك عن التزام البنوك بالشفافية في دراسة منح القروض. وركز لكصاسي على انعكاسات ما سماها "الديون غير الناجعة"، خصوصا على القطاع الخاص، مصنفا الأمر في خانة التحدي الذي يتعين على مجموع البنوك العمومية التعاطي معه بحذر لتفادي ما يترتب عن مخاطر القروض. وذكر محافظ بنك الجزائر أن إجمالي القروض الممنوحة ارتفعت في جوان الماضي إلى 35.9 بالمائة، وهو ما سوغه بإعادة شراء الخزينة العمومية للديون البنكية غير الناجعة بقيمة بلغت 56.2 مليار دينار، علما أن القطاع العمومي استفاد ب71.55 بالمائة من هذه القروض، في حين جرى تخصيص 29.44 بالمائة لصالح المؤسسات الخاصة وكذا العائلات. وانتهى المسؤول الأول عن بنك الجزائر المركزي، في ختام عرضه المطوّل إلى الترحيب بالتدابير التشريعية الجديدة، منوّها بدورها في توسيع صلاحيات السلطة النقدية ممثلة بمجلس القرض والنقد، وكذا اللجنة المصرفية. في حصيلة سنوية للموسم الفارط بنك الجزائر قدم شكاوى ضد 10 بنوك و 56 متعاملا شهد جهاز الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية تعزيزا معتبرا خلال سنة 2009، لاسيما من خلال تدعيم صلاحيات بنك الجزائر الذي قام بإيداع شكاوى لدى المحاكم المختصة ضد 10 بنوك و 56 متعاملا اقتصاديا بسبب مخالفات تمس عمليات التجارة الخارجية . وقدر المبلغ الإجمالي للعمليات التي شملتها هذه الشكاوى ب1ر1 مليار دج حسب وثيقة نشرها البنك أمس الأربعاء بمناسبة عرض محافظه محمد لكصاسي للسياسة المالية للجزائر أمام المجلس الشعبي الوطني.وقد قام مفتشو بنك الجزائر بفحص 20.400 ملف توطين عبر 12 بنكا خاصا و 5 بنوك عمومية مما سمح لهم بتسجيل 19 محضر معاينة لمخالفات تمس عمليات للتجارة الخارجية بقيمة 944 مليون دج. واستلم المفتشون خلال السنة الماضية أيضا 267 ملف توطين "غير مصفى" من قبل المديرية العامة للصرف قاموا على إثرها بتحرير 56 محضر مخالفة تمس عمليات ب644 مليون دج. أما عمليات "الرقابة بعين المكان" والتي تهدف لمراقبة ظروف عمل الوكالات البنكية الجديدة والمؤسسات المالية فبلغت 71 تدخلا خصت في معظمها فتح وكالات جديدة (56) وتحويل وكالات (14). أما الرقابة على أساس المستندات التي تشكل حسب بنك الجزائر ركيزة نظام الإنذار المبكر الذي من شانه ضمان رقابة مصرفية أنجع فقد شملت 26 بنكا و مؤسسة مالية أفرزت ملاحظات تتعلق بالتأخر في إرسال المعطيات و عدم احترام المعايير وعدم انسجام التقارير. وعلى صعيد أخر شكلت أربعة مصارف ومؤسسة مالية واحدة محور تقييم فيما يخص جهازها لمكافحة تبييض الأموال و تمويل الإرهاب، وهو ما سمح باستخلاص أن هذه المصارف "لا تولي الأهمية الواجبة لوظيفة مكافحة تبييض الأموال" قبل أن تتم دعوتها للتكفل بهذا الجانب كما ينبغي.